كلنا نعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" وهو حديثٌ يدل على أهمية إتقان العمل الذى يوكل إلينا والإخلاص فيه، ولكننا نعلم فى نفس الوقت أن إنتاجية موظفينا تعادل 30 دقيقة يومياً تقريباً، أما باقى وقته فيقضيه فى أمور أخرى هى أكثر أهمية بالنسبة له.
العجيب فى الأمر أنك لن ترى فى حياتك موظفاً راضٍ عن هذا الوضع، فإذا جلست مع جماعة من الموظفين ستسمعهم يتناقشون نقاشاً مطولاً - قد يتجاوز الساعتين أو أكثر - حول باقى الموظفين الذين لا يعملون ولا يراعون ربهم فى لقمة العيش، وتجد هذه الجماعة تبدى تعجبها واستيائها من استحلال باقى الموظفين "الفاضيين" لمرتباتهم، ثم تنتشر تلك الجماعة كل إلى عمله، فينتج عن هذا الإخلاص والتفانى 30 دقيقة من العمل المثمر. ولهؤلاء قال أبو العتاهية: ما أحسن الشغل فى تدبير منفعةٍ... أهل الفراغِ ذوو خوضٍ وإرجافِ.
أما إذا جالست جماعة أخرى فستجدهم يبحثون عن حلول مبتكرة لمكافحة الفساد المنتشر فى الجهات الحكومية، والذى لا يتمثل فقط فى الرشاوى بل يتجاوزها إلى إهدار وقت المواطنين والتربح من الوظائف العامة وإهدار الأموال العامة وتوظيف أبناء العاملين، ثم ستكتشف أن بعضهم من أبناء الموظفين الذين تم توظيفهم بغير وجه حق وبعضهم من اهل الوساطة والمحسوبية أما البعض الأخير فهم من أهل تقديم الهدايا واستغلال مناصبهم فى تقديم التسهيلات لقياداتهم، ولكنهم صالحون بلا شك ولا تشوبهم شبهة فساد، خاصةً أن عملهم متمثل فى هذه الجلسات المثمرة.
قديماً قال عمر ابن الخطاب لأناس لا يعملون ويسمون أنفسهم بالمتوكلين: بل أنتم متواكلون..لا يقعدن احدكم عن طلب الرزق، ويقول رب ارزقنى، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. قالها عمر وهو لا يعلم أننا سنأتى بعد اكثر من ألف سنة لنفعل مثلما فعل أولئك القوم، رزقنا الله بوظائف فلم نؤدها، ثم جلسنا نبكى وندعو الله أن يرزقنا ويجعلنا أغنياء، وأقنعنا انفسنا بأن دعاءنا واستغفارنا سيرزقنا بأموال وبنين ويجعل لنا جنات وأنهاراً وهنا نقول لأنفسنا ما قاله جبران خليل جبران: فوق الكلام العمل..به نجاح الأمل...أيهما مفلح؟.. من قال أم من فعل؟. أو نتلوا على انفسنا ما قاله الله عز وجل فى كتابه الكريم "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" التوبة 105.
ولأن ربنا عز وجل أخبرنا بأنه لن يغير ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا، وجب علينا أن نغير القوانين التى تعطى حصانةً غير مفهومة للموظف الحكومى، ونغير طريقة تقييمه لتصبح مثل مثيلاتها فى القطاع الخاص وفى العالم أجمع، ثم نربط مرتبه بكفاءته وفقاً لدرجات تقييمه، وبناءً على أداءه يكون قرار بقاءه موظفاً حكومياً من عدمه. وتلك الأفكار ليست بالجديدة، فقد جاء مثلاً فى "رسالة بولس الرسول إلى أهل تسالونيكى 10:3" فإننا أيضاً حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا: أنه أن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضا"، وإذا كنا سنطبق مثل هذا القانون على الموظف فيجب كذلك أن نطبقه على الجميع بلا استثناء، لأن الاستثناءات فى القوانين هى بداية كل فساد.
عمال - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة