وقال "الطيب"، خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمجلس حكماء المسلمين والمنعقد لأول مرة بمشيخة الأزهر، وما أن بدأنا نفيق من كارثة باريس، حتى جاءت كارثة جمهورية مالى، وقتل عدد من الرهائن المحتجزين فى باماكو، والله وحده الذى يعلم إلى أين يتجه مستقبل البشرية القريب مع عصابات الموت، ومقاولى الشر، وسماسرة الدماء.
وأضاف شيخ الأزهر، كنا نظن أن ما حاق بنا، نحن العرب والمسلمين، فى الشرق من آثار الدَّمار الذى طال البشر والحجر هو نهاية المأساة، وأن تدمير دول عربية وإسلامية بأسرها على رؤوس أهلها وتشريدَهم وهَيَمانهم على وجوههم فى القفار والبحار، هو كل ما تخبئه لنا الليالى والأيام، لكنا فوجئنا به يتمدد غربًا وشمالاً وجنوبًا، كما تمدد شرقًا من قبل؛ ولعله بات الآن من المحتم أن نعلم أن الإرهاب هو أولاً وأخيرًا، اعتقادٌ وفكرٌ، بل لعلّى لا أجاوز الحقيقة لو قلت: إنه عند معتنقيه فلسفة حياة، يهون من أجلها الموت والانتحار، وإنه ليس إفرازًا لدِين سماوى أيًا كان هذا الدِّين، بل هو مرضٌ فكرى ونفسِى يبحث دائما عن مبرِّرات وُجُودِه فى متشابهات نصوص الأديان وتأويل المؤولِّين ونظرات المفسِّرين، ويُثبِتُ التاريخُ والواقعُ المعاصر أيضًا أن بواعث الإرهاب ليست قصرًا على الانحراف بالأديان نحو فُهومٍ مغشوشةٍ مُدلّسة، بل كثيرًا ما خرج الإرهاب من عباءة مذاهب اجتماعية واقتصادية بل وسياسية، وراح ضحية الصراع والحروب من هذه المذاهب والفلسفات المادية -التى لا تمت للدين بأدنى سبب- الآلاف بل الملايين من الضحايا والأبرياء.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الدرس التى يجب أن يتعلمها الجميع، خاصة فى هذه الظروف العصيبة التى يمر بها العالم، أن الإرهاب لا دِينَ ولا هوية له، ومن الظلم البين، بل من التحيز الفاضح، نسبة ما يَحدُث الآن من جرائم التفجير والتدمـير التى استشرت هنا أو هناك، إلى الإسلام، لمجرد أن مرتكبيها يطلقــــــون حناجرهــم بصـيحة "الله أكبر" وهم يقترفون فظائعهم التى تقشعر منها الأبدان.
وتابع، ونحن هنا فى مجلس الحكماء وفى الأزهر الشريف إذ نواسى أسر الضحايا فى أوروبا وأفريقيا ونشاطرهم الأسى والألم؛ فإننا ننتظر من الجميع- وعلى رأسهم المفكرون والمثقفون والسياسيون ورجال الأديان- إلا يصرفهم هول هذه الصدمات عن واجب الإنصاف والموضوعية ووضع الأمور فى موضعها الصحيح، فيما يتعلق بالفصل التام بين الإسلام ومبادئه وثقافته وحضارته، وبين قلة قليلة لا تمثل رقمًا واحدًا صحيحًا فى النسبة إلى مجموع المسلمين المسالمين المنفتحين على الناس فى كل ربوع الدنيا، وقد مررنا نحن المسلمين ولا نزال نمر بأضعاف أضعاف هذه الهجمات الإرهابية التى شنتها علينا جيوش وعصابات اتخذت من الأديان رداءً وستارًا، وسالت منا دماء لم تتوقف حتى هذه اللحظة التى أتحدث فيها إليكم.
وأضاف "الطيب"، أنه لم يحدث أن اختلط الأمر فى أذهان المسلمين بين هذه الجرائم وبين الأديان التى ارتكبت باسمها هذه الجرائم، وعلى الذين أقدموا على ارتكاب جريمة حرق المصحف وحرق بيوت الله فى الغرب أن يعلموا أن هذه الأفعالَ ـ هى الأخرى- إرهاب بكل المقاييس، بل هى وقود للفكر الإرهابى الذى نعانى منه، فلا تردوا على الإرهاب بإرهاب مماثِل، وليس من المنتظر أبدا ممن يزعمون التحضر والتقدم إهانة مقدسات الآخرين على مرأى ومسمع من الناس.
وأكد شيخ الأزهر أنه آن الأوان أن نتحمل هذا العبء الذى يزداد يومًا بعد يوم، فهذا قدركم وقدرنا جميعًا، وباتت مهمتنا بالغة التعقيد، ومتعددة الأبعاد، وأصبح من الواجب علينا أن نسير فى اتجاه إطفــاء الحرائق وردم بؤر التوتر فى عالمنا العـــربى والإسـلامى.
ولعل وجود وزير الأوقاف الصومالى عبد القادر شيخ على إبراهيم، الذى يحضر الاجتماع فاتحةُ خير نبدأ بها عملنا من أجل وحدة الشعب الصومالى وخروجه من أزماته التى طالت دون مبرر أو سبب معقول، ودفع ثمنها البسطاء والفقراء من أبناء هذا الشعب العريق الأصيل، والمؤهل لأن يكون منارة حضارة وتقدم وسلام فى القرن الأفريقى.
وثانيًا فى اتجاه التصدى للفكر الإرهابى بكافة صوره وأشكاله، ودعوة النخب العربية والإسلامية، كل فى مجال تخصصه، لتجفيف ينابيع هذا الفكر من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام وخطاب دينى معبر عن حقيقة الإسلام وشريعته.
وثالثًا فى محاربة ثقافة الكراهية والحقد، ونشر ثقافة الأخوة والمودة والزمالة العالمية التى دعا إليها شيخ الأزهر الأستاذ محمد مصطفى المراغى فى رسالة مشهورة بعث بها إلى مؤتمر علماء الأديان الذى عُقد فى لندن عام 1936م من القرن الماضى، وفى هذا المقام يطيب لى أن أوجه الشكر لشابات وشباب علماء الأزهر الذين قادوا قوافل السلام التى بعث بها مجلس الحكماء إلى إحدى عشرة عاصمة من عواصم أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا.
وسوف يطلق المجلس اليوم إن شاء الله ست عشرة قافلة سلام حول العالم ينشرون ثقافة السلام ويصححون المفاهيم المغلوطة ويحملون شعارًا موحدًا (كل شعوب العالم نظراء فى الإنسانية ومن حق الجميع أن يعيش فى أمن وأمان وسلم وسلام).
هذه الواجبات الدينية والأخلاقية بل والإنسانية التى تفرضها الظروف على مجلس الحكماء أراها واجبات على الفور وليس على التراخى -كما يقول علماؤنا الأصوليون. فلنتابع السير على بركة الله وليكن لنا من لدنه العون والتأييد، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
ومجلس حكماء المسلمين هيئة دولية مستقلة تأسست فى 21 رمضان 1435 هـ الموافق 19 يوليو 2014، تهدف إلى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلة من علماء الأمة الإسلامية وخُبَرائها ووُجَهائها ممن يتسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، للمساهمة فيتعزيز السِّلم فى المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطراب والاحتراب التى سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة فى الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصِّراع والانقسام والتشرذُم.
ويعتبر المجلس، الذى يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبى مقراً له، أول كيان مؤسسى يهدف إلى توحيد الجهود فى لم شمل الأمة الإسلامية وإطفاء الحرائق التى تجتاح جسدها، وتهدد القيم الإنسانية، ومبادئ الإسلام السمحة، وتشيع شرور الطائفية والعنف التى تعصف بالعالم الإسلامى منذ عقود.
ويتشكل مجلس الحكماء من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيسا للمجلس، والأعضاء هم: الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة موريتانيا، السيد على الأمين، مرجع دينى لبنانى، المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، رئيس جمهورية السودان الأسبق رئيس مجلس الأمناء، منظمة الدعوة الإسلامية، والدكتور شارمون جاكسون، صاحب كرسى الملك فيصل فى الفكر الإسلامى وثقافته، جامعة جنوب كاليفورنيا.
والدكتور عبد الله نصيف، رئيس مؤتمر العالم الإسلامى، الأمير غازى بن محمد بن طلال، رئيس مجلس أمناء مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامى الأردن، والدكتور كلثم عبيد الماجد، أستاذ مساعد بمعهد دراسات العالم الإسلامى، جامعة زايد دبى.
والدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيرى بدبى، والدكتور أبو لبابة الطاهر صالح حسين، رئيس جامعة الزيتونية بتونس سابقاً أستاذ التعليم العالى بجامعة الإمارات، والشيخ الشريف إبراهيم صالح الحسينى، رئيس هيئة الإفتاء والمجلس الإسلامى النيجيرى.
والدكتور حسن الشافعى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس مجمع اللغة العربية، والدكتور محمد قريش شهاب، وزير الشئون الدينية سابقا بإندونيسيا، والدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق.
موضوعات متعلقة:
شيخ الأزهر: الله وحده يعلم مستقبل البشرية مع مقاولى الشر وسماسرة الدماء
"حكماء المسلمين" يطلق 16 قافلة لنشر ثقافة السلم والسلام حول العالم
مجلس حكماء المسلمين يتبنى مبادرة مصالحة وطنية لجمع أبناء الصومال
شيخ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين يتوجهون لقصر الرئاسة للقاء السيسى