ومن جانبها، تقول د.إيمان الطيب أستاذ التلمود والعهد القديم بكلية الآداب جامعة أسيوط فى دراسة بحثية حصلت عليها "اليوم السابع" إنه بقراءة كتب الدين اليهودى وفهمها يمكن أن نجد تفسيراً واضحاً لما يجرى من أحداث قمعية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل، بل وما يحدث فى العالم كله من توتر وإرهاب والذى يصب فى مصلحة دولة الكيان الصهيونى من الطراز الأول.
وتضيف فى دراستها أن سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلى تجاه الشعب الفلسطينى تتركز على التعليمات الدينية العنصرية ضد الأغيار.. أى غير اليهود بصفة عامة حيث تمتلئ كتب الدين اليهودى على عدد لا حصر له من التشريعات التى تحمل كما من الكراهية والتحريض ضد الآخر، غير مسبوقة فى أى ديانة وضعية أو سماوية.
وتنقسم كتب الدين اليهودى لقسمين: الشريعة المكتوبة وتتمثل فى العهد القديم والشريعة الشفهية وتتمثل فى التلمود، وتدعى المراجع اليهودية أن كليهما ينسب للنبى موسى عليه السلام، ويؤمن بما ورد فى العهد القديم حوالى 60% من تعداد دولة إسرائيل الذى يبلغ 8 ملايين نسمة منهم 2 مليون من عرب 48، ويؤمن بما ورد فى التلمود حوالى 20% من يهود إسرائيل، حيث يعتبرون التلمود هو المرجعية الربانية الأولى لديهم ويأتى فى المرتبة الأولى حتى قبل العهد القديم نفسه، وهم اليهود ( الحريديم ) أو ( الأرثوزوكس) أو المتشددون.
ويضم العهد القديم ثلاثة أقسام هم ( التوراة والأنبياء والمكتوبات ) وهو الذى يطلق عليه بالعبرية ( تناخ ) أو المقرا، وأثبتت الدراسات الحديثة أنه كتاب غير منزل ولا ينتسب لموسى بأية حال من الأحوال حيث تضمنت التوراة نفسها خبر وفاة موسى، وأن الذى قام بتجميعه هو أحد أنبياء اليهود والذى لقب بـ عزرا الكاتب لأن الفضل يرجع له فى تجميع مادة العهد القديم من مصادر أربعة كما بينت الدراسات وهى ( المصدر اليهوى، والإلوهيمى، والكهنوتى، والتثنوى ) وذلك فى أعقاب العودة من السبى البابلى فى القرن الرابع قبل الميلاد.
ماذا يمثل التلمود عند اليهود
أما التلمود فقد سمى بالشريعة الشفهية لأن المراجع اليهودية تدعى أنه الشريعة غير المكتوبة التى جاء بها موسى والتى تناقلت شفاهة تميزا لها عن الشريعة المكتوبة ( العهد القديم )، والواقع أن التلمود بتشريعاته لا ينتسب هو الآخر لموسى بأيه حال من الأحوال لسببين أولهما هو انقطاع السند، بمعنى أنه لا يوجد تواتر للسند لهذه الشريعة الشفهية.
وقد حاول اليهود كنوع من التدليس إقحام باب على التلمود أثبت العلماء أنه كتب فى فترة متأخرة ولا ينسب للتلمود لا من حيث لغته ولا مضمونه، وهو باب حاول من خلاله فقهاء اليهود وضع سند لهذه التشريعات بحيث تنسب لموسى، والسبب الثانى أن التلمود وهو من وضع حاخامات اليهود ( كهنة الهيكل المزعوم ) يناقض فى كثير من تشريعاته العهد القديم نفسه، وقد بدأ تدوين التلمود من القرن الثانى قبل الميلاد وامتد حتى ظهور الإسلام.
بينما تدعى المصادر اليهودية أنه انتهى من تدوينه قبل الإسلام، وينقسم التلمود إلى قسمين ( المشنا والجمارا ) أى المتن التشريعى العبرى، والشروح عليه باللغة الآرامية. ويحمل كلا الكتابين كما هائلا من التشريعات العنصرية غير الأخلاقية ضد الآخر، منها.
شرائع التلمود المزيفة التى تطالبهم بقتال الأغيار وسلب حقوقهم
1- الأغيار فى التلمود ليس لهم أيه حقوق قانونية ونجد مردود ذلك فى سياسة إسرائيل تجاه العرب من قتل وسفك للدماء، فالتلمود ( فى كتاب العقوبات، باب دار القضاء الأعلى سنهدرين الفصل التاسع، التشريع الثانى ) يتحدث عن عقوبة القصاص فى القتلى ويستثنى الأغيار من ذلك !! بل ولا يذكر أى عقوبة لليهودى الذى يقتل غير يهودى !! فيقول التشريع " إذا قصد يهودى قتل أحد الأغيار فقتل يهودى آخر عن طريق الخطأ يُعفى من أى عقوبة وكأنه قتل أحد الأغيار " !! هذا التشريع العنصرى ينطوى على تحريض بين على سفك دماء غير اليهود بدم بارد ودون الاحساس بأدنى ذنب على الرغم من توافر القصد الجنائى.
2- كذلك الأغيار فى كتب الدين اليهودى ليس لهم أى ذمة مالية ونجد مردود ذلك فى سياسة إسرائيل تجاه العرب من سلب للأراضى والمزارع وإقامة المستعمرات عليها، فقد ورد تفسير الفقرة التى وردت فى سفر ( اللاويين 6 : 1 -7 ) " وكلم الرب موسى، قائلا: إذا أخطأ أحد وخان الرب خيانة وجحد صاحبه وديعة أو أمانة أو شيئاً قد سرقه منه. فعليه أن يرد ما سرقه ويزيد عليه خمسه ويعطيه للمجنى عليه، أن المقصود من صاحبه هو اليهودى فقط هو الذى له ذمه ماليه وحق قانونى أما أن كان من الأغيار فإن اليهودى غير ملزم برد ما سرق وليس عليه عقوبة أما التلمود فقد ناقش فى الفصول من السابع إلى العاشر فى الباب الأول "بابا قاما" من كتاب العقوبات عقوبة السارق إذا سرق يهودى من يهودى.. وأغفل تماما أى إشارة إذا سرق يهودى من أحد الأغيار حيث اعتبر التشريع التلمودى أن غير اليهودى ليس له أى ذمة مالية ولا أى حقوق قانونية ويباح الاستيلاء على ممتلكاته.
3- بل أباح التلمود صراحة الغش مع الأغيار فى ( الباب الأوسط، الفصل الرابع، التشريع التاسع ) ! بل وحدد لليهودى المقدار المسموح به فى غش الأغيار عند البيع والشراء وهو ثُلث الشىء المباع ! كما أباح فى الباب نفسه التعاملات الربوية مع الأغيار وتحريمها بين اليهود وبعضهم البعض.
4- ورد فى التلمود تشريع خاص بعقوبة الاعتداء على سلامة البدن تتضح فيه إلى أى مدى وصلت عنصرية تشريعات التلمود ضد الآخر ( الباب الأول من كتاب العقوبات، الفصل الثامن، التشريع الخامس )، فلقد نظر التشريع نظرة عداء لغير اليهودى وأخضعوه لقواعد قانونية تختلف عن تلك التى يخضع لها اليهودى، فذكر أنه إذا حدث اعتداء بدنى على عبد غير يهودى فليس له أى حقوق ولا يلزم الجانى بتعويضه عن أى شىء أن كان هو مالكه، وأن يعوض سيده اليهودى أن كان مملوكا ليهودى، أما أن كان مملوكا لغير يهودى فليس له حقوق هو ولا سيده !! أما إذا حدث هذا الاعتداء على عبد يهودى فعلى الجانى أن يعوضه عن الضرر الذى أصابه وعن الألم والعلاج والخزى حتى وإن كان الجانى هو سيده.
5- ولعل ما يفسر اقتحام اليهود يوميا لمزارع الفلسطينيين وتدميرها هو ذلك التشريع التلمودى العنصرى الوارد فى ( الباب الأول من كتاب العقوبات، الفصل الأول، التشريع الثانى ) والمتعلق بتشريعات الإضرار بمال الغير فينص التشريع على ما يلى " يعفى الجانى من أى تعويض إذا وقع منه الضرر فى ممتلكات الأغيار، أما إذا حدث العكس يُلزم الأجنبى أى غير اليهودى بالتعويض عما أحدثه من ضرر فى ممتلكات اليهود " أى أن غير اليهودى يستباح ماله ومتلكاته ومقدساته ولعل ذلك يبرر أيضا الاقتحام المتكرر من الجماعات اليهودية للمسجد الأقصى.
6- ولعل ما يبرر تحصين اليهود أنفسهم داخل مستعمراتهم وبناء الجدران العازلة الآن فى دولة الاحتلال، أو قديما فى الجيتو أو حارات اليهود هو تحريض التلمود لهم على عدم التواجد مع الأغيار فى مكان واحد، اى عدم الاختلاء بهم، وعدم اعطاء الأمان لهم، فيحرم التلمود على اليهودى أن يحلق عند غير اليهودى مخافة أن يسفك دمه بموس الحلاقة والا تلد اليهودية عند طبيبة من الأغيار مخافة أن تقتلها أو تقتل طفلها.
7- كما حرض التلمود فى باب العبادة الأجنبية من كتاب العقوبات، الفصل الأول، التشريع الأول على عدم التعامل مع الأغيار كالبيع والشراء والإعارة والاستعارة منهم، والإقراض أو الاقتراض منهم ولاسيما أن كان ذلك قبل وبعد أعيادهم بثلاثة أيام وذلك بهدف التضييق عليهم ! وجلب التعاسة لهم ولعل ذلك يفسر سبب الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية على الفلسطينين فى الأعياد وفى رمضان على وجه التحديد فمعظم عمليات القصف على غزة جاءت فى مثل هذه الأيام، فهم يقتلون لأنهم ينفذون شريعة التلمود، أى تقربا للرب عن طريق هذه الشعيرة.. شعيرة القتل المقدس.
8- كما حرم التلمود ( فى باب العبادة الأجنبية أيضا) مساعدة الأغيار فى البناء والتداوى والولادة وحرم مساعدة الرضع وأن كانوا على وشك الهلاك ولعل ذلك يفسر المذابح اليهودية لأطفال فلسطين فى دير ياسين وصبرا وشتيلا والآن فى الانتفاضة الثالث.
ويتبين أن كل التشريعات السابقة وغيرها من التشريعات العنصرية التى تعج بها صفحات التلمود ضد الأغيار والتى هى تعد سببا واضحاً للسياسة العنصرية التى تنتهجها إسرائيل ضد العرب ترجع لاعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار وأبناؤه منذ أن عهد لهم بذلك كما يعتقدون منذ إبراهيم عليه السلام، فهم يؤمنون بمبدأ الحلولية ! كما يتضح ذلك فى باب الحج فى كتاب الأعياد فى التلمود، فهم يعتقدون أنهم هم فقط المصطفين الأطهار الذين تحل فيهم روح الرب ( الشخيناه ) فهم فى اعتقادهم أرقى وأنقى من شعوب الأرض وأن الرب يدافع عنهم ويحارب عنهم كما ورد ذلك فى الخروج (14 : 14 ) " أن جميع شعوب الأرض تتقاتل، والرب يحارب عنكم ولا تحركون ساكناً " ويحل لهم سفك الدماء طالما أن ذلك يصب فى مصلحة دولة الاحتلال.