فضل الأم علينا عظيم، ولا يستطيع أن ينكره أحد، تذكرت قصة كنت قد قرأتها منذ زمن بعيد وعنوانها (ثمانى مرات كذبت أمى علىّ) فهيا بنا نعيش سويا هذه القصة الشيقة لعلنا نستفيد ونأخذ منها ما قد نسيناه تجاه والدينا وخصوصا الأم!.
تبدأ القصة كما وصفها الكاتب والذى جعلنى أعيشها بكل جوارحى حتى أزرفت الدمع. عند ولادتى وكنت الابن الوحيد فى أسرة شديدة الفقر، فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا وإذا وجدنا فى يوم من الأيام بعضا من الأرز لنأكله ويسد جوعنا، كانت أمى تعطينى نصيبها وبينما كانت تحول الأرز من طبقها إلى طبقى كانت تقول: ياولدى تناول هذا الأرز فأنا لست جائعة .
وكانت هذه كذبتها الأولى... وعندما كبرت أنا شيئا قليلا، كانت أمى تنتهى من شئون المنزل وتذهب للصيد فى نهر صغير بجوار منزلنا وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد تساعدنى على أن أتغذى وأنمو وفى إحدى المرات استطاعت بفضل الله أن تصطاد سمكتين، أسرعت إلى البيت وأعدت الغداء ووضعت السمكتين أمامى، فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا، وكانت أمى تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك، فاهتز قلبى لذلك ووضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها، فأعادتها أمامى فورا وقالت: ياولدى تناول هذه السمكة أيضا، ألا تعرف أنى لا أحب السمك؟! وكانت هذه كذبتها الثانية.
وعندما كبرت كان لابد أن التحق بالمدرسة، ولم يكن معنا من المال ما يكفى مصروفات الدراسة، ذهبت أمى إلى السوق واتفقت مع صاحب أحد محال الملابس أن تقوم هى بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل وتعرض الملابس على السيدات، وفى ليلة شتاء ممطرة تأخرت أمى فى العمل وكنت أنتظرها بالمنزل، فخرجت أبحث عنها فى الشوارع المجاورة، فوجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب المنازل، فناديتها: أمى.. هيا نعود إلى المنزل، فالوقت متأخر والبرد شديد، وبإمكانك أن تواصلى العمل فى الصباح. فابتسمت أمى وقالت لى: ياولدى.. أنا لست مرهقة. وكانت هذه كذبتها الثالثة... وفى يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسة أصرت أمى على الذهاب معى، ودخلت أنا ووقفت وهى تنتظر خروجى فى حرارة الشمس المحرقة، وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان، خرجت لها فاحتضنتنى بقوة ودفء وبشرتنى بالتوفيق من الله تعالى، ووجدت معها كوبا فيه مشروب كانت قد اشترته لى كى أتناوله عند خروجى فشربته من شدة العطش حتى ارتويت، على الرغم من أن احتضان أمى لى كان أكثر بردا وسلاما ونظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه، فأعطيتها الكوب على الفور قلت لها: اشربى يا أمى. فردت: ياولدى اشرب أنت، أنا لست عطشانة .
وكانت هذه كذبتها الرابعة... وبعد وفاة أبى كان على أمى أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة، وأصبحت مسئولية البيت تقع عليها وحدها، ويجب عليها أن توفر جميع الاحتياجات، فأصبحت الحياه أكثر تعقيدا وصرنا نعانى الجوع، وكان عمى رجلا طيبا وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا مانسد به جوعنا وعندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سىء إلى أسوأ، نصحوا أمى بأن تتزوج رجلا ينفق علينا، فهى مازالت صغيرة، ولكن أمى رفضت الزواج قائلة: أنا لست بحاجة إلى الحب. وكانت هذه كذبتها الخامسة... وعدما انتهيت من دراستى وتخرجت من الجامعة، حصلت على وظيفة إلى حد ما جيدة، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكى تستريح أمى وتترك لى مسئولية الأنفاق على المنزل، وكانت فى ذلك الوقت لم يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل فكانت تفرش فرشا فى السوق وتبيع الخضراوات كل صباح، فلما رفضت أن تترك العمل خصصت لها جزءا من راتبى، فرفضت أن تأخذه قائلة: يا ولدى احتفظ بمالك، إنى معى من المال ما يكفينى .
وكانت هذه كذبتها السادسة... وبجانب عملى واصلت دراستى كى أحصل على درجة الماجستير، وبالفعل نجحت وارتفع راتبى، ومنتحتنى الشركة الألمانية التى أعمل بها الفرصة للعمل بالفرع الرئيسى بألمانيا فشعرت بسعادة بالغة وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة، وبعدما سافرت وهيأت الظروف، اتصلت بأمى أدعوها لكى تأتى للإقامة معى، ولكنها لم تحب أن تضايقنى وقالت: يا ولدى.. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة. وكانت هذه كذبتها السابعة... كبرت أمى وأصبحت فى سن الشيخوخة وأصابها مرض السرطان (كفانا وكفاكم هذا المرض اللعين) وكان يجب أن يكون بجانب أمى من يمرضها ويرعاها، ولكن ماذا أفعل فبينى وبين أمى الحبيبة بلاد، تركت كل شىء وذهبت لزيارتها فى منزلنا، فوجدتها طريحة الفراش بعد إجراء العملية، وعندما رأتنى حاولت أمى أن تبتسم لى، ولكن قلبى كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة، ليست أمى التى أعرفها، انهمرت الدموع من عينى، ولكن أمى حاولت أن تواسينى. فقالت: لا تبكى يا ولدى.. فأنا لا أشعر بالألم. وكانت هذه كذبتها الثامنة... وبعدما قالت لى ذلك أغلقت عينيها.. ولم تفتحها بعدها أبدا، ماتت أمى.
وانتهت القصة عزيزى القارئ! ومن هنا أقول: إلى كل من ينعم بوجود أمه فى حياته.. حافظ عليها، قبل يديها.. حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها، والى كل من فقد أمه الحبيبة.. تذكر دائمًا كم تعبت من أجلك وأدع الله تعالى لها بالرحمة والمغفرة.. أحبك يا أمى.... والقصة لا تحتاج إلى تعليق.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة