نقلا عن العدد اليومى...
«قساوسة تكفيريون» مؤكد أنها عبارة صادمة، لمن اعتاد أن يرى فى المسيحية جانبها الروحى والمسالم والطيب فحسب، وهى حقيقة بالطبع، لكنها لا تنفى وجود المتطرفين والتكفيريين، حيث لا تخلو ديانة من أولئك الذين يظنون امتلاك الحقيقة المطلقة.
ونرصد فى هذا التقرير أبرز التصريحات والمواقف الخطابية لكبار القساوسة والأساقفة والكهنة الأرثوذوكس، ضد الآخر المختلف مذهبيًا، أى أبناء الطوائف الأخرى، من الكاثوليك والبروتساتنت والإنجيليين، وضد المختلفين عقائديا أى من أبناء الأديان الأخرى.
ونعتمد فى تقريرنا على التصريحات الموثقة بالفيديو، مستبعدين أى تصريحات صحفية «مكتوبة»، لاحتمالية تعرضها لأى نوع من إعادة التحرير بما يخل بمقصد الكاهن أو القسيس، وبالطبع نحن هنا لا نناقش التصورات من حيث الدقة والصحة من الجانب اللاهوتى أو العقائدى، وإنما نهتم بانعكاس ذلك على المجتمع، من حيث تكفير الآخر واقتصار دخول الجنة «الملكوت» على أبناء الطائفة التى ينتمى لها فقط، كما يرى أن الآخر المختلف معه مذهبيا ناقص الإيمان أن لم يكن معدمه لا يجوز الصلاة معه أو الترحم عليه.
ويرجع اختيارنا لمقاطع الفيديو لمدى القدرة على انتشارها من خلال شبكات التواصل الاجتماعى، أو عبر القنوات الفضائية؛ حيث أن أغلب التصريحات -فى أصلها- خطابات ألقيت عبر الفضائيات، بالتالى فدراستها تعنى دراسة الجانب الأكثر تأثيرًا والأوسع جماهيريًا.
ومن المعروف أن كافة الأديان، سماوية وغير سماوية، يكفر أصحابها بعضهم البعض، فهناك، طبقًا للرؤية الأصولية دين واحد فقط هو الصحيح وطريقة واحدة صحيحة للحياة، ويجب الدفاع عنها ضد غارات الأديان الأخرى أو العلمانية؛ أو ضد أبناء الطوائف الأخرى، حسبما يظهر من هذا التقرير.
«غير الأرثوذوكس مش هيخشوا الملكوت»
يقول الأنبا بيشوى مطران كرسى دمياط وكفر الشيخ ودير القديسة العفيفة دميانة وسكرتير المجمع المقدس السابق، فى مقطع فيديو بعنوان "الأنبا بيشوى: لعنة الله على عقائد الكاثوليك»: «بينا وبين الكاثوليك حرومات متبادلة بمجامع وهذه الحرومات لم ترفع وكل كهنوتهم مشلوح عندنا»، مؤكدًا أن «العقيدة الكاثوليكية لا تؤدى إلى الملكوت»، «غير الأرثوذوكس مش هيخشوا الملكوت».
وتأتى تصريحات «بيشوى» ردا على سؤال حول «هل يدخل الكاثوليك الجنة؟»، ويجيب سكرتير المجمع المقدس السابق بـ«أنه لو شخص كاثوليكى وهو فى لحظاته الأخيرة قال إنى أؤمن بالأرثوذوكسية ولعنة الله على عقائد الكاثوليك، فى هذه الحالة مش عارف كيف ربنا هيتصرف معاه وهل تعتبر معموديته معمودية طوارئ أم لا، لكن غير كده محدش من الكاثوليك هيدخل الملكوت» على حد قوله.
ويتعامل الأنبا بيشوى مع الموقف باعتباره وكيل الرب، والذى سيسأله هو وحده عن العقائد، ومن ثم يتساءل عن الكيفية التى سيقابل بها الله «هورى وشى لربنا» حسب قوله، متحديًا سائله عن دخول الكاثوليك والبروتستانت الملكوت «أيوة مش داخلين وهو ما قوبل بـ«تصفيق من الحضور»، ليضيف الأنبا: «بقى اللى بيجوزوا الوثنى للمسيحى جو الكنيسة دول هيقفوا قدام ربنا، دا أنا لو قلت غير كده ما أقدر أورى وشى لربنا، مش بس كده».
ولكى يتوقف «بيشوى» عن تكفير الطوائف الأخرى يطالبها بتوقيع عريضة ينفون نسبهم فيها للمسيحية، حيث قال فى ذات المقطع: «لو اعترفوا أنهم ليسوا بمسيحيين لن أهاجمهم فيما بعد»، موجهًا حديثه لصاحب السؤال: «وأنا لا أستبعد أنك أنت برضه بروتستانت! لأنهم قالوا لى أنه فيه بروتستانت حاضرين قلت سيبوهم يمكن عقلهم يتصلح». ويشير كلام «بيشوى» هنا إلى أن المسيحيين من غير الأرثوذوكس «ناقصى عقل» ويحتاجون لمن يُصلح «الخلل» أو «العطب»، كما يُصرح حديثه أنه القادر على إمكانية تنفيذ هذه المهمة!
ويغدو الآخر طبقًا لرؤية الأنبا بيشوى، «لا بروتستانتى ولا كاثوليكى سيدخل الملكوت وإلا فما قيمة الأرثوذوكسية؟» تأكيدا على أن الملكوت حكر على الذات الأرثوذوكسية، التى اكتسبت قيمة إيمانها عبر تكفير شركائها فى يسوع، سواء كانوا من الكاثوليك أو البروتستانت.
واستنادًا إلى ما أشيع عن الأنبا متى المسكين فإنه يرفض احتكار الملكوت على الأرثوذوكس وحدهم، معتبرًا ذلك «كارثة إيمانية، بل كارثة وطنية وشعبية» بتعبير الأنبا متى، لكن الأنبا بيشوى يرفض هذا الكلام مشيرًا إلى الكاثوليك والبروتستانت بـ«عُباد الأصنام»، رافضًا بشدة «التعاون فى الخدمة الروحية الكنسية».
«قوانين الكنيسة متسمحش بالترحم على الكاثوليك»
لم يكن البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية السابق، رغم ما عُرف عنه من محبة للجميع، ورغم مواقفه الوطنية والمتسامحة، بعيدًا عن خطابات مهاجمة الكاثوليك وغيرهم، فردًا على سؤال هل يجوز التناول من الكاثوليك؟، أوضح البابا شنودة أن التناول يسمى لدى الأرثوذوكس والكاثوليك بالشركة المقدسة، «فلذلك لابد أن الناس يكونوا مشتركين فى الإيمان لكى يتناولوا من مذبح واحد، فلما يتحدوا الناس فى الإيمان يبقى يقدروا يتناولوا من مذبح واحد، قبل كده لا يجوز»!
كما صرح البابا فى ذات عظة، بأنه يجوز عزاء أسرة المتوفى الذى ارتد عن الأرثوذوكسية، أى الذى غيّر المذهب أو الملة، بشرط عدم إدخاله فى الملكوت، منبها على الأقباط إمكانية فكرة العزاء، مع عدم القول بأنه «دلوقتى فى أحضان إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ودلوقتى فى فردوس النعيم، وفى الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد وفى نور القديسين، ده كلام لا»، مطالبًا بعدم الترحم ولكن بالصلاة والدعاء أن يكون قد تاب وعاد للأرثوذوكسية، وحين سأله أحد الحضور «وإن طلب أهل الميت الترحم عليه» أجاب البابا بحزم «قل لهم أن قوانين الكنيسة ما تسمحشى بالترحيم» وأن «الكنيسة طقسيًا لا تسمح بالصلاة عليه»!
«قولوا ورايا إحنا مش واحد»
ويواصل الخطاب الأرثوذوكسى، فى تقديم رؤيته عن الكاثوليك والبروتستانت، فالأنبا بولس جورج راعى كنيسة مارمرقس مصر الجديدة يقول فى مقطع فيديو بعنوان «سؤال: ما موقفنا من الكنيسة الكاثوليك والبروتستانت»: «أحنا صحيح ما بنكرهشى حد، لكن أحنا مش واحد، أحنا مش واحد، ياريت تقولوا ورايا كده "أحنا مش واحد"، أحنا مختلفين فى الإيمان». الطريقة التى يستعين بها بولس تجعل منه قائدًا/ مايسترو، ومن مستمعى الخطاب «جوقة» ليس عليهم سوى الترديد وبناء على أمر وطلب الأنبا «قولوا ورايا كده»، فيرددون النص الذى يقرره بولس، وبالطريقة التى يرتضيها هو، ولا يجب على «الجوقة» الخروج عن المسلك المرسوم سلفًا والموضح بكلمة «كده».
ويصل بولس جورج إلى أبعد من ذلك، بشأن مقاطعة الأرثوذوكسيين لغير الأرثوذوكسى، حين يمنع زواج الأرثوذوكس من غير طائفتهم، مؤكدًا «ممنوع واحد أرثوذوكس يتزوج بغير أرثوذوكسية» أو بالتحديد كاثوليكى، والسبب فى ذلك من وجهة نظر راعى كنيسة مارمرقس هو تفويت الفرصة على القضاء المختص بالأحوال المدنية تطبيق قانون الأحوال المدنية المطابق للشريعة الإسلامية حال وجود خلافات بين زوجين مسيحيين ليسا من الطائفة نفسها، حيث يشدد على أن «الكنيسة الأرثوذوكسية بتصر، بتصر، أن مش ممكن هنتجوز مع حد إلا إذا كان أرثوذوكسى زينا» وحالة إذا كان أحد الطرفين ليس أرثوذوكسيا، لابد أولا «ينضم ويبقى أرثوذكس»!
«البروتستانت بيسحبوا الشباب بالأغانى»
وحفاظًا على نقاء المصدر الدينى، يُشار إلى المذاهب الأخرى باعتبارها عدوًا تمتلك مخططات لتدمير الطائفة التى ينتمى إليها، ففى لقاء تلفزيونى، مع الإعلامى عمرو أديب، يتهم الأنبا بيشوى، سكرتير المجمع المقدس السابق، طائفة البروتستاتنت بأنهم «عملوا مخطط أنهم يسحبوا الشباب بالحفلات والأغانى والموسيقى، ليرتفع عددهم إلى الضعف»، الاتهام ذاته تسوقه أغلب التيارات المحافظة، مسيحية كانت أو إسلامية، وتتهم من تراهم أعداءها بتجنيد الشباب أو نشر التبشير فى أوساطهم عبر الموسيقى باعتبار الأخيرة عملًا شيطانيًا، أو عملًا غير دينى فى أحسن الأحوال، وينشر أصحاب الخطابات «المنغلقة» مخاوفهم على الهوية النقية الخالصة، أو الدين الخالص من «الآخر» الشيطانى، وبشعورهم أن هذه الهوية فى خطر فى الحقبة المعاصرة، فإن الأصوليين يحصونها من خلال استرجاعات انتقائية من المذاهب والمعتقدات والممارسات من ماض مقدس؛ لتكون بمثابة حصن ضد زحف الغرباء الذى يهدد ويسحب المؤمنين إلى أوساط ثقافية توفيقية أو لا دينية، أو إلحادية.
فهم الكاثوليك لـ"الثالوث" تخريف
يرى الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس وأسقف كنائس وسط القاهرة، أن الأرثوذوكس وحدهم من يعرف ويفهم الثالوث، وهو معتقد دينى يعنى أن الله الواحد ثلاث أقانيم أو ثلاث حالات فى نفس الجوهر المتساوى فى الديانة المسيحية، ومكونها «الآب والابن وروح القدس»، وخلال إحدى الفيدوهات اتهم الكاثوليك بالتخريف، وعدم فهم الثالوث «لو قلت أن الابن ينبوع، أبقى أنا مظبوط،؟ غلط، يبنفع الابن يبقى ينبوع؟ علشان كده لما يجى واحد يقولك أن الروح القدس منبثقة من الآب والابن تقول إيه اللخبطة دى؟! "بصوت أعلى" إيه اللخبطة دى؟، د الآب واحده هو الينبوع، أول ما تقوله الكلمة دى، يقولك أنتو فاهمين الكلام ده، ينبهر، داحنا بقه نلم عزالنا ونمشى، لأنه بيخرف، واحد يقولك الروح القدس منبثقة من الآب والابن، ده مين بيقول كده؟ الكاثوليك، تقولهم دا انتو باين عليكو مش فاهمين الثالوث، نقلهم دا أحنا الشعب القبطى العادى حافظ وفاهم الثالوث» على حد قول رافائيل.
النتيجة التى يصل إليها روفائيل، هو اقتصار السماء ودخولها على أبناء الطائفة الأرثوذوكس فحسب دون غيرهم، مستندًا إلى ما يسميه بالرجوع إلى «الكتاب المقدس» كحكم بين الطوائف المسيحية، معتبرًا أن الاستفسار عن احكتار الأرثوذوكس للسماء «سؤالًا مستفزًا»: «فيه سؤال هنا مستفز شوية، بيقول واضح أنه من كلامك أن السما لن يدخلها إلا الأرثوذوكس فهل باقى المسيحيين والطوائف الأخرى، وأن السما "وقف" على الأرثوذوكس، فمش عاوز أجاوب على السؤال ده غير إنى ايه؟ الحكم ما بينا هو الكتاب المقدس، وأن اللى بيحكم أن لابد فيه معمودية ولابد فيه أفخارستيا وإيمان مظبوط، وإذا وجد هذا الكلام فى كنايس مظبوطة يبقى مظبوط». وبالطبع ينفى روفائيل وكهنة الأرثوذوكسية وجود الإيمان «المضبوط» والمنضبط عند الكاثوليك، فكيف يكون إيمانه سليمًا من لا يفهم «الثالوث»؟!!
زكريا بطرس وأبو إسلام وجهان لعملة واحدة
لحسابات السياسة؛ تبدو نبرة تكفير الآخر العقائدى «أتباع الأديان الأخرى» أقل حدة من تكفير الآخر المذهبى «أتباع الطوائف الأخرى»، وربما يتم تجنب تكفير المختلف عقائديًا، أحيانًا، لأنه من باب المعلوم بالضرورة عند الأصوليين، أو تسليمًا منهم بالأمر.
كما أن اهتمام القساوسة الأرثوذوكسية بتكفير الآخر المذهبى «كبير» ومتشعب، فقط بإمكانك أن تكتب على موقع التواصل الاجتماعى «موقف الأرثوذوكيبة من الكاثوليك/ البروتستانت»، لتجد العديد من المقاطع التى تحتاج إلى ساعات لمشاهدتها، جميعها توجه الكفر الصريح ناحية الشريك العقائدى، المختلف مذهبه، ونفسر ذلك بالتخوف من انتشار المذاهب «الشيطانية» بين أفراد الطائفة المؤمنة؛ فالكنيسة تُصدر تخوفاتها من انتشار التبشير الكاثوليكى أو البروتستانتى بين أفراد من تسميهم بـ«شعبها»، استنادًا إلى أن تغيير المذهب أسهل إذا قورن بتغيير الديانة كلية.
ومن المهم أن نتوقف أمام تصريحات تنميط المتطرفين الأرثوذكس للشريك الوطنى «المسلمين»، فضمن الخطاب المسيحى/ الأرثوذوكسى، المتطرف، ينمط غالبًا المختلف عقائديا، ووسمه بسمات شيطانية، كتنميط القس زكريا بطرس للإسلام والمسلمين عامة بتعريفه للإسلام فى إحدى حلقاته التلفزيونية بـ«الدين ترغيب وجمال وحلاوة، وأباح للمرأة الشذوذ الجنسى حتى مع الكلاب والحيوانات والميت».
ولأن التطرف ليس حكرًا على دين، يعد أحمد محمود عبد الله الشهير بـ«أبو إسلام» مقابلًا لزكريا بطرس، فالأول يرى أن المرأة المسيحية بـ"بتبيع أبوها وأمها وتجيب كلب يعيش معاها، آه والله، هم بيربوا الكلاب كزوج، بديل للزوج، كلب وبيدربوه على فكرة يمارس الزوج، أقسم بالله مش باتكلم، مش بأكذب، أنا لا أكذب، ومش هأقسم ولا حاجة، بيدربوا الكلب، ويشترو الكلب كده، يدربوه على أنه يبقى راجل ليها، د عند المسيحيات" حد منطوق كلامه فى إحدى حلقاته التلفزيونية.
والتلعثم الذى يبدو عليه «أبو إسلام» ربما يكون ناتجًا من مقاومة الشعور بالذنب عند الأصوليين، الذى يقاومه بتخدير نفسه ضد أى شعور بالخجل، طالما أنه يتناول «حالات» لا تخصه، أو لا تخص طائفته، ولا يمنع هذا من التراجع عن القسم، لترك مساحة للتراجع عن الإقرار برمته، حال لزم الأمر ذلك، كحالات المساءلة القانونية، التى تعرض لها «أبو إسلام» بتهمة ازدراء الأديان. أما لغة «بطرس» فتبدو أقرب إلى لغة الباعة فى سوق الخضراوات والفاكهة، «الدين جمال وحلاوة»، فى استعانة بتعبير «حمار وحلاوة يا بطيخ»، وانطلاقًا من المعتقد القائل بأن المرأة مركز الخطيئة، ينمط بطرس «المرأة المسلمة» فى صورة «الشبقية» التى تمارس الشذوذ مع الحيوانات والميت، دون أن يوضح الكيفية التى تمكنها من ممارسة الجنس مع «الميت»! الصورة ذاتها رسمها الخطاب الوهابى عن المرأة المسيحيةن على حد عبارات «أبو إسلام»، ربما انطلاقًا من كون المرأة «حبائل الشيطان» عند الطرفين.
من المهم أن نستدرك، هنا، أن السمات الشيطانية فى الآخر/ الكافر، حسبما يرى الخطاب الأصولى، نابعة من "فساد عقيدته" وكفريتها، بالتالى هى ليست أصلًا فيه، وإنما مكتسبة، يمكن التخلص منها بمجرد الضغط على زر تغيير العقيدة والانضمام إلى الجماعة المؤمنة، وحتى يتحقق ذلك، فليس على المؤمن إلا بُغض الآخر/ الكافر، فربما يدفعه هذا البغض إلى الدخول فى «سياج المؤمنين»!