"احتراق" قصة جديدة للكاتبة سماح الجمال

السبت، 19 ديسمبر 2015 11:57 م
"احتراق" قصة جديدة للكاتبة سماح الجمال الكاتبة سماح الجمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنها السابعة والنصف صباحًا ولم تنم بعد.. رغم أنها لا تفكر وليست لديها قضية يدور بها رأسها كالعادة.. وليست لديها نية لشغل رأسها بأى شىء.. إنها قررت ألا تكون شيئًا.. قررت الهروب.. أن تنزوى فى بقعة بالأرض وحيدة شريدة.. لا تقوى على التفكير المنظم الذى كانت تفخر به.. عندما كانت تسهر الليل كانت تفكر به بملامح وجهه كانت تخرج صورته وتسير بأناملها على عينيه.. شفتيه شعره.. كانت الحرارة تلسع أصابعها.. كم حقدت عليه، ينام ويتركها تلف مسافات الضياع بعيدة عنه.. تفصلهما أميال من الضجر والبعد، لكنها كانت تبحث عنه وعن تفاصيله كيف كان يجلس؟ ومع من؟ وماذا يحمل بين يديه؟ كتاب يقلب صفحاته.. أم فنجان القهوة السادة المفضل لديه. أم امرأة أخرى يعبث معها والليل يحفظ سرهما.. امرأة أخرى سرقته أم أنه وهب نفسه لها.. لا يهم.. إنه مع أخرى.. تسمعه وترى عينيه وتلمس بشفتيها يديه.. مع أخرى يقرأ لها الشعر.. ويسمعها الموسيقى.. وينامان معًا تحت سماء الأحلام.

كانت تتكلم مع نفسها حتى ظنت أن الجنون مصيرها والموت نهاية محتومة لحبها، أنها دائمًا ترفض النهايات وتخشاها وتهرب من البدايات لذلك السبب ولكنها معه لم تهرب ولم تفكر استسلمت استسلام الصباح للظهور مستغلاً ضعف الليل أثناء الرحيل، لكنها الآن وبعد قراره بالهجر المؤقت توقف عقلها وقلبها عن الدوران.. وكانت تظن أنها سترتاح ستنام بملى جفنيها وستحلم أحلام سعيدة ولن تبكى.. وتحدث نفسها أنها فى فترة حداد على حبها المسكين الذى ولد قويًا ولكنها تراه يضعف ويذوب.. إنها خارج الحدود وخارج الزمن بأمر من حبيبها.. إنه حب مغشى عليه فى صحراء قاحلة.

حب من لحظة ميلاده وهو تحت التنفس الصناعى.. يتلحف السقيع.. هو جعله كذلك.. ولكنها ترفض الاستسلام.. تهبه من عمرها ليستمر.

إنها لا تفهم معنى الهجر المؤقت.. وماذا يعنى ذلك أهو درس جديد من دروس الحب.. أم طريقة حديثة للهروب ممن كنت تظن أنك تحبه.. أم ماذا هو لم يريح قلبها تركها معلقه مابين سماء ممطرة وأرض قاحلة وأشواك بقلبها تمزق حبها.

كيف يدمرها وهو الحبيب.. هو من علمها وأسمعها لأول مرة دقات قلبها.. يقذف بها فى البحر ويتركها وهى لم تتعود يومًا على العوم فى بحر الحب الهائج ولم تخبره..
هل مل جنونها أم ملها أم أنه فقد السيطرة على تلك الأميال والبعد فقرر أن يقتل المسافات ويخنق معها حبهما بيديه.. هو الرجل وما زال الرجل الشرقى ينعم فى خلاياه ببهجة السيد وأن البداية والنهاية تدور عنده هو.. هو آدم السبب فى الوجود وهى حواء المخلوقة منه.. لابد وأن تتبعه.. وأن ترضى منه ما يشاء.. ما يعطيها وما يهبها من أقدار سعيدة تعيسة لابد وأن تقبل مستسلمة وسعيدة أين كانت قوة الألم.
لماذا لم تنم لم يعد عندها ما يشغلها فقدت جنينها المسكين الذى كانت تبحث له عن اسم يليق به فقد جاءها بعد سنين حرمان.. لماذا تتركه يتحكم بها، هو رفضها لم يرد على رسائلها تجاهل اتصالها.. اتخذ قرار وكان سيدة.. وهى لم يترك لها رأيا تعرضه أو تناقشه.. تعامل معها بعلو وكبرياء وترك لها فتات التفكير لنفسها ومنعها من متعه النقاش معه.. تفتقد النقاش معه والحديث.. إنها تفتقد فيه كل شىء حبه وحنانه وقسوته وعصبيته وحتى تعنيفه لها.
لماذا هى بهذا الضعف والوهن.. لماذا تستسلم له وتعلن دائمًا الخنوع.. أعندما نحب نفقد كل مميزاتنا نتنازل عنها ونستلذ الذوبان فى المحب.. هى تحبه رغم كل شىء وتبرر دائمًا له إنها هى المخطئة ولكنها ترفض الآن هذا الوضع.. هى ستتركه هو اتخذ قرارًا مؤقتا وهى ستتركه ولن يراها بقرارها وسيكون قرارا دائمًا.. ستحرمه من نشوة الانتصار عليها.. كم هو جميل أن نتخذ قرارًا يحرقنا ونبكى ونبكى ونرضى بالعذاب ولكنه قرار يشعرنا بالقوة.. قرار يرفع من شأن الانتصار ولكنها تستطيع أن تصمد كما صمد هو.

تشعر هى بالراحة فى هذه اللحظة راحة المنتصر بعد نزال شديد ومعركة مهلكة نجا منها.. راحة المسافر بعد سفر طال وغربة مملة ليست باختيارها كانت مسيرة ولم تكن رغبتها، شىء ما يجذبها للهروب تحت مسمى الغربه الكئيب.

أهى الحرية بهذا المذاق بهذا الطعم اللذيذ.. حرية أن نملك قرارًا وإرادة ألا يعبث بمفاتيح قلوبنا سوانا لتوجيه الدفة لمن نشاء وقتما نشاء.. الفرحة أنها عادت تملك قاربها وتستطيع أن ترسوا به أينما طل عليها الشاطىء غير عابئة بمن ينتظرها.. تنام وتستيقظ وقتما تشاء لا يتحكم أحد بمرآتها ولا كيف عليها أن تبدو، وأن تترك لشعرها العنان والشطط وعدم الترتيب.. وتترك عيونها بمسحة الحزن.. لا تدارى ما بهما من دموع وأنين.. تبعثر مشاعرها الحزينة ولا يعنيها من يتلصص على جسدها ويراها تذوب حب وألم.. وسترتدى الأسود الذى تحبه.. وتشكو للبحر الهائج ما بقلبها وهو على سرها دائمًا آمين.. لا أحد يلعب بقدرها أو يأمر أحلامها أن تقفز أو أن تهدأ إنها كالبحر الهادر تهدى صدفاتها لعشاق الليل. وتمنع الدخلاء من شواطئها البعيدة.
ستعود وترتشف القهوة مضبوطة فمن أجله كانت تشربها مرة مرارة الفراق الذى تشعر هى به الآن.. هى لن تتنازل عن نفسها ولن تأوى إلى كهف فى تل العشق المهجور، ولكنه هو نفسها بعض من كلها به تتنفس وبه ترى الحياة.. تجتر أحزانها وتبكى على قلب مغدور.. ولكن هل تستطيع على هذا الاحتراق؟! إنه احتراق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة