قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: "انتهينا من توضيح ما يُشتبَه على شباب السنة ورجالهم ونسائهم في الدعوات الموجودة للتشيع، وما قد ينطلي عليهم من نظريات، وخاصة نظرية أن النبى-صلى الله عليه وسلم- لم يكن يليق به أن يترك المسلمين هكذا، وتبين أن ترك المسلمين وما يختارون هو الأنسب والأليق لما جرى عليه الإسلام فى أحكامه الشرعية بتقسيمها إلى أحكام مرنة ومفتوحة وقابلة للاجتهاد، وأحكام ثابتة لا يمكن الاقتراب منها، لا تجديدا ولا اجتهادًا، كما تَبيَّن أن مسألة اختيار الحاكم والمسلمين للحاكم أو الخليفة أو الإمام، خاضعةٌ للتطور الزمنى بكل المقاييس، حتى فى البلاد المتشيعة، فإن اختيار الرئيس عندهم بالانتخاب، مع أنه لم يحدث أنْ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- انتخبوا الرئيس ولا قال الرئيس: أنا سأعينه الآن وكل رئيس يعين ما بعده كما فى نظرية الإمامة".
وأضاف في حديثه الأسبوعى اليوم الجمعة على الفضائيَّة المصرية: "عمليا الإمامة غير موجودة من 1200 سنة، وعليه فلا يقال إن النبى-صلى الله عليه وسلم- لا يصح أن يترك المسلمين هكذا، ولابد أن يعين إمامًا، فالنبى-صلى الله عليه وسلم- لو كان فعل هذا، لكننا أمامَ سنة هجرها التاريخ وسيكون الجميع فى حرج، إذن ما فعله النبى -صلى الله عليه وسلم- إنما كان ليفسح مكانًا للرأى العام فى سياسة الناس، وما حدث فى اجتماع الصحابة فى السقيفة كان تجسيدًا لديمقراطية لم يعرفها الناس إلَّا بعد قرون عِدة، وليس أدل على ذلك من خطاب أبى بكر -رضى الله عنه- الذى أعلى من سلطة الأمة : "إن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى..."، أى: أنه لا بد وأن يكون للإمام إطار إن خرج عليه تحاسبه الأمة، وحين قال -رضى الله عنه: "الضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له، والقوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه.."، وهذا إعلان لمبدأ المساواة الذى لم يعرفه الناس إلا فى ظلال الإسلام، كما أنه ترسيخ لسلطان الأمة فى اختيارها للحاكم، والذى كان قبل أكثر من 1400 سنة.
وأوضح الإمام الأكبر أنَّ ما قيل عن عدم مبايعة على بن أبى طالب لأبى بكر الصديق -رضى الله عنهما- كلام غير صحيح، فهناك إجماع بين أهل السنة على أن سيدنا عليّا بايع أبا بكر، لكن الخلاف فى وقت بيعته، ففى روايات قليلة جدا تقول: إنه بايعه فى اليوم الأول، ولكن هذه الرواية لا تمثل الأكثرين الذين يقولون: إنه بايعه بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، وبعضهم يقول بعد 6 أشهر بعد أن توفيت السيدة فاطمة -رضى الله عنها-، لحزنها الشديد على أبيها -وحُقَّ لها ذلك- فانشغل بها، ثم خرج بعد وفاتها وبايع أبا بكر بعد ستة أشهر، وهذا هو الثابت عندنا، بدليل أن سيدنا أبا بكر عين سيدنا عليا على الجيش الذي كان يحمي المدينة من المرتدين الذين بدأوا يهاجمون المدينة فكان سيدنا عليٌّ على ركن من أركان المدينة يحمي المدينة، وهو إقرارا منه بخلافة سيدنا أبي بكر الصديق، ثم إن امرأة أبي بكر كانت صديقة للسيدة فاطمة وأوصت بأن تغسلها مع علي، فلا يعقل بعد ذلك أن يقال: إن سيدنا عليا لم يبايع أبا بكر الصديق -رضي الله عنهما.
وذكر الطيب: أننا نلاحظ أن كتب الشيعة تكاد تتفق على الخطوط العامة العريضة فى اجتماع السقيفة مع كتب أهل السُّنَّة، من حيث إن الأنصار بقيادة سعد بن عبادة سارعوا إلى الاجتماع، وخطبة سعد التى كان يبلغها عنه -لمرضه- ابنته. ثم مجيء أبى بكر وعمر وعبيدة بن الجرَّاح، والحوار والخلاف الذى انتهى بمبايعة أبى بكر، وتأخر مبايعة عليى، كما نلاحظ أن كتب الشيعة لم تذكر أية رواية تفيد أن الإمام على بعث أحد رجاله إلى اجتماع السقيفة ليذكر بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتنصيبه إمامًا، أو يذكر بغدير خم كحجة على هذا التنصيب، رغم أن حادثة غدير خم كانت قريبة العهد بأسماع الصحابة من الأنصار والمهاجرين على السواء، فلو أن المسلمين فى غدير خم فهموا أو جال بأذهانهم أن قول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "من كنت مولاه فعليى مولاه" أنَّه تنصيص وتنصيب لإمامة عليّى من بعده، هل كانوا سيسارعون إلى اجتماع السقيفة؟ ولماذا لم نسمع – حتى من كتب الشيعة- أن صحابيًا واحدًا قال لهم: توقفوا! فإن النبى نصَّ على إمامة عليّى، ألا يبرهن ذلك على أن الجميع كان يتعامل مع قضية الخلافة أو الإمامة على أنها أمر متروك لاختيار المسلمين؟
وتابع الإمام الأكبر "رواية العلَّامة باقر المجلسى فى موسوعته الضخمة بحار الأنوار، تذكر أن أمير المؤمنين عليًّا -رضي الله عنه- لمَّا سمع باجتماع السقيفة، وبعد أن فرغ من دفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضر إلى الاجتماع وخطب خطبة موجزة لا تتعدَّى سطرين، قال فيها بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إن كانت الإمامة فى قريش فأنا أحق بها من أى أحد فى قريش، وإن لم تكن فى قريش فالأنصار على دعواهم» ثم اعتزل الناس ودخل بيته، وهذه الرواية لا تتضمن دعوى النص على إمامته كرَّم الله وجهه، أو أن النبى – صلى الله عليه وسلم- نصَّبه إمامًا للمسلمين من بعده، وإنما تتضمن تذكيرًا بأنه لقربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرابته ومكانته وعلو منزلته هو أولى من أى أحد يتولاها فى قريش، ولو أنه كان يعتقد أنه منصوص على إمامته لما قال وإلَّا فالأنصار على دعواهم".
شيخ الأزهر: اجتماع السقيفة كان تجسيدًا لديمقراطية لم تعرف إلَّا بعد قرون
الجمعة، 04 ديسمبر 2015 12:44 م
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف