وسيظل التحدى الكبير للناقد، أى ناقد، يريد الكتابة عن إبداع محفوظ: ما الجديد الذى أضيفه إليه، بعد صدور عشرات الكتب والرسائل العلمية، وتناول أعماله بمناهج نقدية تقليدية وحداثية، وعبر وجهات نظر مختلفة، وانطلاقا من رؤى نقاد وباحثين ينتمون إلى أيديولوجيات مختلفة.. من أقصى اليسار إلى دراسة الميول الدينية والروحية فى أدبه؟
ولكن ـ المؤلف الذى اعترف فى السطر الأول من كتابه بأن الاقتراب من قامة محفوظ "مجازفة محفوفة بالمخاطر" ـ اعتصم بالثراء الإبداعى المحفوظى، فى تنوعه وقدرته على أن يتيح للناقد الجديد أن يستخرج دلالات جديدة، متخذا من المساحة العريضة، طوال مراحله الإبداعية من التاريخى إلى الاجتماعى إلى الرمزى وصولا إلى تخليص السرد من النثر والارتقاء به إلى صفاء الشعر فى "أحلام فترة النقاهة".
ويرى أنه رغم صدور إبداعات عربية جديدة فإن إبداعات محفوظ تظل "بمثابة الذَّاكِرة الحيَّة والأمينة، على تاريخنا الوطنى بنضالاته وإخفاقاته وانتصاراته، كما ظلّت هذه الإبداعات على تنوعها وثرائها بمثابة حائط الصّدِّ المقاوم لتغريب الهُوية وطمسها فى بعض حالاتها على نحو ما كانت الثلاثيّة الاجتماعيّة (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، وقبلها الثلاثيّة التاريخيّة (عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة)، شاهدة على النسيج الوطنى وتكاتفه من أجل هدف وحيد هو الاستقلال والحصول على الحربة، وأيضا إكسيرا مقاوما للنسيان، لكلِّ شيءٍ بدءا مِن ذاكرتنا وانتهاء بنكران الجميل".
فى المقدمة خلط المؤلف بين الصخب غير النقدى أحيانا حين ذكر عبارات عن "المتحذلقين والنفعيين والمتحولين" الذين استمدوا أهميتهم من الرجل حيا وميتا، وكذلك حين اتهم "من يدعون بالنخبة ويدورون حولها" حين يناقشون قضية الديمقراطية التى كانت أحد جناحين دعامتين لأدب محفوظ.. الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ولكن النابى سرعان ما عاد إلى أعمال محفوظ يستخرج منها دلالات متجددة فى ضوء متغيرات عاصفة منذ ثورة 25 يناير 2011، حتى أنه يسأل: لماذا أخفقت الثورة؟ ثم يذهب إلى "اللص والكلاب" فيقول إن فيها إجابة عن أسباب هذا الإخفاق، وهو ما يثبت "حيوية وديمومة نصوص محفوظ، وانها تتجحاوز أزمنة كتابتها".
يشمل الكتاب دراسات فى أعمال منها اللاثية و"رحلة ابن فطومة" و"الطريق" و"أحلام فترة النقاهة".
الكتاب سياحة نقدية فى أعمال محفوظ، وينتصر فيه المؤلف للقيمة الأدبية، وهى ما يبقى من المبدع، ويعيد الاعتبار حتى لروايات مظلومة مثل "السراب" التى ولدت يتيمة باختلافها عما قبلها وما بعدها، وكثيرا ما تجاهلها النقاد، كما يبطل أكثر مقولات محفوظ تكرارا فى "أولاد حارتنا" وهى "آفة حارتنا النسيان"؛ فبهذا الكتاب، وما يليه من دراسات جادة مثله، يظل محفوظ ملء السمع والبصر.
موضوعات متعلقة..
جائزة نجيب محفوظ فى انتظار "البطل الجديد" بالجامعة الأمريكية