لماذا غابت مصر عن أفريقيا؟.. تراجع دور الأزهر بسبب قلة المبعوثين وعدم تأهيلهم.. غياب الأكاديميات الكروية المصرية "ثغرة" استغلتها إسرائيل لجذب الأفارقة.. وترميم العلاقات لن يُكفيها قوافل علاجية فقط

الأربعاء، 09 ديسمبر 2015 05:17 م
لماذا غابت مصر عن أفريقيا؟.. تراجع دور الأزهر بسبب قلة المبعوثين وعدم تأهيلهم.. غياب الأكاديميات الكروية المصرية "ثغرة" استغلتها إسرائيل لجذب الأفارقة.. وترميم العلاقات لن يُكفيها قوافل علاجية فقط أطفال أفارقة - أرشيفية
كتب محمد سالمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هنا على هذه الأرض السمراء.. تترك الثروات وتُهدر الطاقات.. هنا أفريقيا المهملة.. لم يُغنيها بترولها ولا معادنها.. فقط يتصارع عليها الكبار لنهب خيراتها فى غياب كبار القارة وعلى رأسهم مصر التى تركت المجال المفتوحة لأصحاب المصالح الخاصة أمثال إسرائيل لتنفيذ مخططتها مستغلة احتياج أبناء القارة السمراء فى كل المجالات سواء الصناعة والتجارة والصحة والتعليم حتى الرياضة.

تراجع الأزهر


يُعد الأزهر الشريف من أهم وسائل الاتصال بين مصر وقارة أفريقيا على مدار عقود طويلة، ويُمكن رصدها فى العصر الحديث بدءًا من عام 1954 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من خلال قيام مصر بإرسال بعثات إلى القارة السمراء واستقبال طلاب العلم، ما جعل مكانة كبيرة لدى المؤسسة الدينية فى قلوب القارة السمراء لكن هذا الدور تراجع مؤخرًا تزامنًا مع انتشار عدد من الجامعات المتطرفة مثل بوكو حرام وحركة الشباب الجهادى فى الصومال.
ومن الإحصائيات التى تكشف تراجع دور الأزهر فى القارة السمراء على مدار السنوات الماضية منها أن عدد المبعوثين للبلاد الأفريقية فى عام 1971/1972 كان ما يقارب 1500 مبعوث، بينما أحدث إحصائيات الصادرة عن مبعوثى الأزهر فى أفريقيا، وفقًا لتصريحات إعلامية للدكتور محيى الدين عفيفى، أمين العام مجمع البحوث الإسلامية، تكشف عن أنها بنسبة 75% من حجم البعثات الخارجية، وعددهم 1320 مبعوثًا مقسمين على عشرين دولة رغم مرور كل العقود الطويلة على بداية العمل الدعوى.
المقارنة بين الإحصائيتين تكشف عن أن جهود هذه المؤسسة الدينية فى أفريقيا لم تتطور مثلما كان متوقعًا حدوثه مع مرور الوقت بل على العكس الأمر أصبح هناك تراجع ملحوظ نسبيًا، إضافة إلى ظهور عدد من السلبيات تم رصدها فى دور الأزهر فى أفريقيا خلال العقد الأخير، منها تركز الدعوة على دول دون غيرها ولعل المثال الأبرز هو دولة إثيوبيا التى أثبتت التجربة أن تجاهلها كان خطأ كبيرًا، كما يمتلك 13 معهدًا دينيًا فى القارة السمراء.
الدكتور عبد العزيز النجار مسئول الدعوة فى الأزهر، أكد أن الدور التاريخى للجامعة يحتاج لتدعيم أكثر فى أفريقيا نظرًا للمكانة العالية التى يمتلكها فى قلوب أبناء القارة السمراء، وهو ما يتطلب التركيز على الجانب الدعوى من خلال إرسال نخبة من العلماء المتميزين والمؤهلين، إضافة إلى زيادة البعثات لطلاب العلم من دول أفريقيا إلى الأزهر الشريف.
فيما يرى الشيخ عبد الغنى هندى مؤسس الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر وخبير الشئون الدينية، يرى أن للأزهر دور بالفعل داخل القارة السمراء حاليًا لكنه بالقياس إلى الماضى فإن هذا الدور تراجع بشكل ملحوظ، مضيفًا أن الأزهر كان يدفع رسوم الطلاب الأفارقة عندما أنشأ أول معهدين الخرطوم وأوغندا كنوع من المساعدة لهم حتى يقوموا بدارسة تعاليم الدين الإسلامى، لافتًا إلى أن تراجع دور الأزهر سمح للجماعات السلفية والمتطرفة بالانتشار فى أفريقيا.
صحة أفريقيا فى أيدينا بشروط
تُعانى أفريقيا من نقص حاد فى الخدمات الطبية، وتحتاج للدعم الدائم خصوصًا فى ظل تفشى الأمراض والأوبئة، فالباب مفتوح لمن يُقدم الدعم سواء عن طريق إيفاد قوافل طبية للبلاد المنكوبة، وتوفير الكشوف الوقائية، إضافة إلى إجراء الجراحات الدقيقة غير المتوفرة فى أغلبية دول القارة السمراء، كما أن تدريب الأطباء والممرضين أمر ضرورى.

"الملاريا والتهاب الجهاز التنفسى السفلى والإيدز والسل والحصبة ومؤخرًا الإيبولا".. أشهر الأمراض فتكًا بأبناء القارة السمراء ما يجعلهم دائمًا فى حاجة إلى الدعم الصحى بأشكاله المختلفة، وهنا يأتى دور مصر فى ضرورة المساهمة فى هذه الأوضاع المتفاقمة هذا فى الوقت الذى تستغل فيه إسرائيل تدهور الأوضاع الصحية فى أفريقيا لتقديم خدماتها الطبية وكسب المزيد من التأييد المجتمعى لها، ومن المواقف التى توضح ذلك إعلان سفير إسرائيل بالأمم المتحدة رون بروسور، فى شهر سبتمبر من العام الماضى عن جهود بلاده لمكافحة وباء "الإيبولا".

ويتمثل الدور التى تقوم به مصر حاليًا فى مجال الصحة بأفريقيا وفقًا للإدارة المركزية للطب العلاجى، يتمثل فى إرسال قوافل طبية للدول الأفريقية ذات الأولوية السياسية لمصر بلغ عددها فى العام الجارى 18 قافلة طبية لدول أبرزها جنوب السودان، وغينيا الاستوائية، وإثيوبيا وغانا والسودان وإريتريا وتشاد وأوغندا وموريتانيا كما قام المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، فى شهر يوليو الماضى بتوقيع بروتوكول تعاون مع دولة غينيا الاستوائية لإنشاء أول مصنع مصرى للأدوية فى أفريقيا على مساحة 100 ألف متر مربع بالعاصمة الاقتصادية "مابولا" لتلبية احتياجات أسواق غرب أفريقيا بشكل كامل.
الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء، يرى أن سبل دعم أفريقيا صحيًا متاحة أمام الجميع دائمًا ولا ينقصه إلا التنفيذ الفعلى، مضيفًا أن الأمر يجب نقله لأرض الواقع والعمل داخل القارة السمراء ولا يقتصر على مجرد أمور تحمل الصبغة السياسية خاصة أن الأمر يشوبه قصور شديد على مر الأنظمة المختلفة".

التعليم وفاقد الشىء


"فاقد الشىء لا يُعطيه".. ربما يكون التوصيف الأنسب فى حالة التعرف بإمكانية لعب مصر دورًا فى التعليم بأفريقيا خصوصًا أن آخر تقرير للمنتدى الاقتصادى العالمى عن مؤشر التنافسية السنوى فى مجال التعليم لعامى 2015/2016، احتلت فيه مصر المرتبة 139 أى قبل الأخير لتسبق دولة "غينيا"، على مستوى 140 دولة فى العالم.

تُعانى القارة السمراء من تردى الأوضاع فى العملية التعليمية سواء فى مراحل التعليم الأساسى أو على المستوى الجامعى، يكفى فقط أن تسعة دولة أفريقية تم إدراجهم ضمن أكثر عشرة دول أمية فى العالم وفقًا لتقارير لمنظمات عالمية مؤخرًا، ما يجعلها معرضة للاستغلال الفكرى بسهولة.

بالنسبة للدور المصرى فى القارة السمراء فى مراحل التعليم الأساسى، أكد الدكتور هانى كمال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، أن هناك مدرستين مصريتين بأفريقيا فقط، متواجدتين فى السودان والصومال، مضيفًا أن هناك عدة اتفاقات تم إبرامها مع دول أفريقيا خصوصًا من منطقة حوض النيل ينتظر تفعليها.

ضعف دور مصر فى المجال التعليمى بأفريقيا أو انعدامه بشكل أدق تبدو أسبابه واضحة، وفقًا للدكتور كمال مغيث التربوى الذى أكد أن النهوض بالعملية التعليمية فى مصر شرط أساسى من أجل امتداد فكرها إلى باقى القارة السمراء مثلما كان فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

وحول البعد التاريخى للدور التعليم لمصر فى أفريقيا، قال الخبير التربوى: "المساهمة فى عملية بأفريقيا فى عهد عبد الناصر ارتبط بنظام حكم شعبى كان جزءًا من حركات التحرر فى القارة السمراء لمواجهة محاولات السيطرة الأوروبية لذا فتحت مصر أبوابها للاجئين الأفارقة وسهلت حصولهم على منح دراسية".

التعليم العالى فى مصر ليس بالسوء الذى عليه التعليم الأساسى.. فالجامعات المصرية ما زالت مصر تمتلك العديد من الكوادر القادرة على إفادة كل دول العالم فى كل المجالات لكن العقبة المتمثلة فى استقبال الطلاب الأفارقة تكمن فى ارتفاع تكلفة الرسوم التى تفرضها الجامعات المصرية أحيانًا، وعدم تخصيص منح تعليمية للطلاب الأفارقة بالعدد المناسب.

وحول عدم توفير منحة تعليمية للطلاب الأفارقة أكد الخبير التربوى: "ما حدث بعد عبد الناصر أن الدولة بدأت تتحرر من الأعباء ما أضعف العلاقات مع أفريقيا إلى أن اصطدمنا بما حدث فى أزمة بناء سد النهضة واتساع الفجوة مع دول فلم تجد رؤية أو إستراتيجية حاضرة لمواجهة الموقف".

السنوات الأخيرة، شهدت محاولات حكومية لمعالجة النقاط المتعلقة بتحسين أوضاع الطلاب وفتح الأبواب أمام الطلاب الراغبين من أفريقيا فى القبول بالجامعات المصرية، وفقًا للتصريحات الحكومية أو إعفاء طلاب الأفارقة من الرسوم الجامعية مثلما فعل الدكتور مصطفى مسعد وزير التعليم الأسبق فى شهر مارس عام 2013، عندما أصدر قرارًا بإعفاء 59 طالبًا إريتريًا من المصروفات الدراسية.
الرياضة أقصر الطرق

الرياضة أقصر طرق التقارب بين الشعوب حقيقة أثبتها التاريخ، والمثل الأبرز فى دبلوماسية "البينج بونج" لكسر الثلج فى علاقات الصين والولايات المتحدة من خلال مباراة تنس طاولة عام 1971، فالرياضة المصرية بكل هيئاتها والمؤسسات الرياضية الرسمية وغير الرسمية تركت فراغًا كبيرًا فى القارة السمراء، نجحت إسرائيل فى شغله من خلال عدد من الوسائل أبرزها إنشاء مدارس كروية إسرائيلية فى أفريقيا عُرفت باسم "معسكرات حقوق"، تأسست عام ١٩٩٩، على يد المدرب الإسرائيلى يُدعى "شاءول بن عاموس" فى أوغندا، والتى انتشرت فى معظم الدول الأفريقية فيما بعد.

بعد 16 عامًا من العمل الإسرائيلى داخل أفريقيا فى المجال الرياضى، استوعب المصريون أن علاقاتهم مع أبناء القارة السمراء وبالتحديد دول حوض النيل، تحتاج لتوطيد أكثر، ومع بداية أزمة سد النهضة قام الاتحاد المصرى للكرة بعمل بطولة كروية تحت مسمى دورة حوض النيل عام 2011 التى توجت بلقبها مصر، وهى الدورة التى لم يُكتب لها الاستمرار ولم تكرر مرة ثانية.

عودة مصر لقلب القارة السمراء رياضيًا ليس مستحيلاً، فالأمر يحتاج للعمل من خلال عدد من الأمور مثل استغلال الأندية الكبرى فى مصر "الأهلى والزمالك" إلى شعبيتهم القارية وافتتاح أكاديميات كروية لهم، والاستثمار فى المواهب الأفريقية، مثلما فعل نادى وادى دجلة مؤخرًا ووضع حجر الأساس لأول نادٍ مصرى فى كينيا.

الدكتور أشرف صبحى، مساعد وزير الشباب والرياضة، يرى أن عودة مصر لمكانتها الطبيعة فى أفريقيا يحتاج للسير على مستويين الإدارى والفنى فى الرياضة.. فالجانب الإدارى يشمل ضرورة تواجد مصر فى العديد من اللجان المختلفة بالاتحادات الرياضية وهو الأمر الذى بدأ فى التحسن مؤخرًا من خلال فوز المصريين بالمناصب المختلفة.

ولفت مساعد وزير الشباب والرياضة إلى أن التفوق الفنى الرياضى فى مختلف الألعاب لابد من وجوده حتى تتم الاستعانة بالخبرات المصرية فى مجالات التنظيم والتدريب والتخطيط واستضافة البطولات، خاصة أن تقوية العلاقات بين الدول يتم عن طريقين الأول التواجد فى الدولة لسبب ما مثل الدراسة أو السفر إليه من أجل العمل بها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة