«نجلاء».. شابة عشرينية محبوسة فى جسد «طفلة»..الفتاة مصابة بتأخر عقلى وضمور فى العضلات ولا تستطيع الحركة والكلام.. وتتواصل مع والدتها بالصراخ والعض على يدها

السبت، 14 فبراير 2015 10:03 ص
«نجلاء».. شابة عشرينية محبوسة فى جسد «طفلة»..الفتاة مصابة بتأخر عقلى وضمور فى العضلات ولا تستطيع الحركة والكلام.. وتتواصل مع والدتها بالصراخ والعض على يدها نجلاء ووالدتها
كتبت - صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صراخ مفزع، يمزق ليل شارع «الحجارة»، بمنطقة مصر القديمة، يستيقظ على أثره السكان النائمون، بعد يوم طويل من «الجرى وراء أكل العيش»، يعرفون جيدًا مصدره، تقول إحداهن: «دى نجلاء بنت سعاد، جاتلها النوبة تانى.. ألطف بيها يارب»، بعدها يتطوع عدد من النسوة لمساعدة «سعاد» فى تهدئة ابنتها التى تصاب بنوبات هياج متلاحقة لا تتوقف إلا بعد إعطائها المهدئ.

يتوقف الصراخ أخيرًا، وتنصرف النسوة من بيت نجلاء، بينما تضم الأم ابنتها فى حنان، ولا تستطيع منع دموعها من التدفق، مرددة: «ربنا يهديكى يا بنتى»، ولا تستطيع أن تخفى شعورها بالذنب، لمرض ابنتها، فرغم بلوغ نجلاء سن الـ28 عامًا، فإن حلم والدتها أن تصبح عروسًا تفرح بها وتزفها لمنزل زوجها، لا يمكن تحقيقه، فالفتاة مصابة بتأخر عقلى، وضمور فى العضلات، يعيقها عن الحركة والنمو والكلام، ولا تستطيع أن تميز فى وجهها سوى نظرة البراءة التى تطغى على نحافتها وضمورها الواضح.
تسكن عائلة نجلاء غرفة رطبة، سيئة التهوية، ضمن المئات من الأبنية العشوائية التى تزدحم بها منطقة مصر القديمة، وتمتلئ جدران الغرفة بالشقوق، ما استدعى سدها بالخرق القديمة، وورق الجرائد، للتصدى للحشرات والقوارض ومنع دخولها البيت.

«سعاد» والدة نجلاء التى لا يفارقها الحزن على ابنتها، روت قصة 28 عامًا من العذاب منذ ميلاد الابنة، متذكرة خبر ولادتها لفتاة أخيرًا، وهو ما ملأها بسعادة غامرة، بعد أن رزقها الله بـ«خلفتين» ذكورًا بلا إعاقات ولا مرض، حيث تصورت أن الله منحها الفتاة «اللى هتاخد بحسى وتساعدنى»، لكن فرحتها تلاشت سريعًا، بعد إصابة الفتاة بحالات متكررة من الهياج العصبى فى شهرها الثانى، وعند عرضها على الطبيب أكد إصابة رضيعتها بضمور فى المخ، وبعد عدة أسئلة وجهها الطبيب لـ«سعاد»، رجح أن سبب إعاقة ابنتها ربما يكون الأدوية التى تناولتها الأم بدون استشارة طبيب فى أثناء أشهر الحمل.

تتذكر «سعاد» بحزن قصة ابنتها مع الأطباء، بعدما حملتها لسنوات وطافت بها كل المستشفيات الحكومية التى لم تستطع الوصول لغيرها بسبب ضيق ذات اليد، ومن بينهم طبيب لا تنساه، انتزعت من قلبه الرحمة، وقال لها فى غلظة: «عالجيها أو متعلجهاش، هى كده كده مش هتخف، وفرى فلوسك».
انتهت رحلة والدة نجلاء الصغيرة مع العلاج والأطباء منذ بضع سنوات، وقررت تقبل حال ابنتها فى صبر، رغم تدهور حالتها يومًا بعد يوم، وخروج دماء من أذنها فى بعض الأحيان، وهو ما فسرته إحدى جاراتها التى تعمل ممرضة: «بنتك ودنها كالتها السوسة».

واعتادت «سعاد» على صراخ ابنتها الدائم، حيث إنها لا تستطيع التعبير عن احتياجاتها إلا بالصراخ، فعند الجوع أو العطش أو الشعور بالبرد، يعلو صراخها، وتعض على يدها بقوة، ولا تتوقف، إلا عند تنفيذ حاجتها، وفى أحيان كثيرة لا تعرف الأم سبب صراخها، ووقتها لا تستطيع فعل شىء، غير منعها من إصابة يدها بمزيد من الجروح.

التبول اللاإرادى إحدى المشاكل الدائمة للفتاة، حيث تحتاج نجلاء إلى «بامبرز» بشكل مستمر، يصل سعره شهريًا إلى ما يزيد على 300 جنيه، خاصة خلال الدورة الشهرية، وهو مبلغ يصعب على والدتها التكفل به، وتضطر أحيانًا إلى تركها بغير «حفاضة»، وتظل الفتاة مبتلة، ما يصيبها بنزلات البرد التى تزيد من ضعف جسدها النحيل.

حلم والدة «نجلاء» فى أن تصبح ابنتها فتاة مثل بقية الفتيات بدا فى التلاشى يومًا بعد يوم، حتى أن الأم فى نهاية الأمر اضطرت إلى قص ضفيرتها الطويلة التى كانت تتباهى بها أمام الجيران، خاصة مع تقدمها فى العمر، والمشاكل الصحية التى تزداد يومًا بعد آخر، والتى دفعتها فى آخر الأمر إلى عدم القدرة على حمل «نجلاء»، وتركها تتحرك عن طريق الزحف على الأرض، باستخدام عضلات منطقة الحوض التى بالكاد تستطيع نقلها من مكان إلى آخر.

وتحلم والدة «نجلاء» بـ«كرسى بعجل»، يمكنها من نقل ابنتها معها من مكان إلى آخر، حتى تستطيع إخراجها إلى الشمس مرة يوميًا، بعيدًا عن المنزل الضيق الرطب الذى تسكنه.

ويقف عائقًا أمام تلك الحالة البسيطة التى تعيش فيها عائلة «سعاد» الفقر القاتل، فبسبب إعاقة والد «نجلاء» تمنعه عن العمل الحرفى، ومع وجود سابقة جنائية له، حرمت من معاش الضمان الاجتماعى، ويضطر الوالد إلى قبول أى عمل بسيط بمرتب ضئيل يتناسب مع حالته الصحية، حيث تنقل خلال السنوات الماضية من عمل إلى آخر حتى يستطيع التكفل بأسرته التى بالكاد يستطيع سد جوعها.

والدة «نجلاء» حاولت مساعدة أسرتها، وخاضت تجربة تأسيس كشك صغير لبيع الحلوى والمشروبات الغازية، إلا أن مشروعها الصغير فشل فى تحقيق ربح يسد احتياجاتهم، بسبب عدم إقبال الزبائن، وسوء الحالة الصحية للوالدة نفسها، وهكذا ضاعت الـ500 جنيه «تحويشة العمر»، وهى ثمن إجمالى البضاعة بالكشك.

ولا تخلو أيام «سعاد» الحزينة من قليل من البهجة خلال تعاملها مع ابنتها التى تمنحها أسبابًا قوية للتشبث بالحياة «بحس إنها بتفهمنى، ولو يوم منمتش جمبى مش بتبطل صراخ طول الليل».. كلام «سعاد» أكدته نظرات «نجلاء» المتابعة لها فى شغف، وكأنها صلتها الوحيدة بالعالم الخارجى، تضحك حين تضحك، تميل رأسها حين تميل رأسها، وتبدأ فى نوبة من الصراخ إذا ما اختفت عن ناظرها.

«حاولوا يخدوها منى بس أنا رفضت»، هكذا تتحدث الأم المكلومة، مشيرة إلى أن «أهل الخير» عرضوا عليها نقل «نجلاء» إلى إحدى دور الرعاية المتخصصة فى رعاية ذلك النوع من الإعاقات، لكنها شعرت بالخوف على ابنتها، وخافت أن تشعر «الطفلة» بأن والدتها تخلت عنها، وملت من الاعتناء بها ، وهو إحساس الموت أرحم بها منه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة