المدقق فيما سعت مصر إلى إقراره فى مجلس الأمن، فى جلسته الطارئة، عن طريق المشروع الذى تقمت به المملكة الأردنية باسم المجموعة العربية، فيما يتعلق بالأوضاع فى ليبيا، يجده مسعاً حميداً، وجدياً، فى إطار ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولى . فقد سعت مصر إلى دعم الحكومة الشرعية فى مواجهة الجماعات المناوئة لها . فطالما أن المجتمع الدولى يحرص على بقاء الدولة الليبية كدولة ضمن الأسرة الدولية، فلابد أن يكون حريصاً على وجود برلمان منتخب، وحكومة مختارة من خلال هذا البرلمان المنتخب، وأن يدعم هذه الحكومة دعماً يمكنها من فرض هيمنتها على كامل التراب الليبى، وفرض النظام والقانون . وهذا يقتضى بحكم المنطق، ووفقاً للعلوم السياسية، طالما أن هناك حكومة وبرلماناً جرى الإعتراف الدولى بشرعيتهما، أمرين ـ أولهما : رفع الحظر المفروض على وصول الأسلحة للحكومة الشرعية، ولا يتعين مساواتها بغيرها من الجماعات المسلحة داخل الأراضى الليبية فى هذا الحظر، لأن المساواة هنا تعنى اختلالاً فى الموازين بين ما هو شرعى، وما هو غير شرعى .
ثانيهما: استمرار حظر وصول الأسلحة، بالبيع أو التهريب، للجماعات التكفيرية، والمتطرفة، والإرهابية، باعتبارها جماعات غير شرعية، وتقرير عقوبات محددة، على من يخترق هذا الحظر، من الأفراد أو الجماعات أو الدول، على أن تتم مراقبة ذلك بواسطة مراقبين دوليين . هكذا المنطق، الذى يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولى . فهل هناك من يختلف مع هذا المنطق ؟ . بكل تأكيد، فكل ذى مصلحة فى استمرار الوضع النشاز فى المنطقة هو من يختلف مع هذا المنطق . وعلى رأس هذه الأطراف الولايات المتحدة الأمريكية، وتوابعها : تركيا، وقطر، وإيران، وفى الظل من هذا المشهد العبثى تقف إسرائيل وراء الستار . أما حلف الناتو الذى سعى إلى إسقاط القذافى بالقوة المسلحة، تحت لافتة الثورة الليبية، فقد ترك الدولة بعد أن هدمها فوق رؤوس أصحابها، وترك الناس، وقد فتحت عليهم أبواب الجحيم، بعد أن توزعوا شيعاً وأحزاباً، وفتحت مخازن، كانت مكدسة بالأسلحة، منذ أيام حكم القذافى . وتمترست الأحزاب والجماعات خلف ما حازته من أسلحة، وأصبحت لغة الحوار مدعومة بقوة السلاح . وكانت الجماعة الأكثر جاهزية، وتنظيماً، وتدريباً، وتسليحاً، هى جماعة الإخوان . وفى ذات الوقت هى الجماعة الأكثر توافقاً، وتفهماً، وتنفيذاً للمشروع الأمريكى فى المنطقة . وهى الجماعة التى جاءت إلى سدة الحكم فى ليبيا بعد سقوط القذافى، وبمجيئها جاءت كل الجماعات المتطرفة والإرهابية لتستوطن ليبيا . وبمجيئها جرى تصفية كل رموز دولة القذافى، بما فى ذلك القيادات الكبرى فى الجيش الليبى، تمهيداً لإحلال المليشيات المسلحة التابعة لها محل هذا الجيش . وأمريكا وتوابعها فى المنطقة، وتوابعها فى حلف الناتو، الذين تباكوا على الإطاحة بحكم الإخوان فى مصر بمقتضى ثورة شعبية سموها انقلاباً، بعيداً عن الإحتكام للصندوق، هم ذاتهم الذين تنكروا لحكم الصندوق الذى أطاح بالإخوان فى ليبيا، وكأن صندوق الإنتخابات مجرد مطية، نركبها إذا ما حققت أهدافنا، وخدمت مصالحنا، ونركلها بأقدامنا، إذا ما تعارضت مع هذه الأهداف والمصالح .
فأصبح فى ليبيا برلمان شرعى منتخب ومعترف به دولياً، وبرلمان إخوانى آخر موازِ، وحكومة شرعية، وأخرى إخوانية موازيةِ، وهى بلد تعانى من حالة مزرية من الفراغ الأمنى . وقد كان هناك قرار أممى بحظر الأسلحة على ليبيا قبيل سقوط نظام القذافى، وقعت الحكومة الشرعية وحدها فريسة له، أما الجماعات الإرهابية والمتطرفة فقد استولت على مخازن أسلحة العقيد، فضلاً عن الجسور البحرية والبرية والجوية التى تمدها بالسلاح سواء من قطر أو تركيا، أو الأسلحة المهربة عبر الحدود، من الجماعات الأخرى، التى تتمدد فى المنطقة، تمدداً اخطبوطياً ، محزمة إياها بحزام ناسف من التطرف والإرهاب . لقد أصبحت ليبيا دولة مختطفة من تنظيم القاعدة، وداعش، وأنصار الشريعة، وفجر الإسلام، وما جرى اختطافها إلا لجعلها قاعدة انطلاق لها فى شمال أفريقيا . وبعيداً عن الحديث الممجوج، عن الحل السياسى بالحوار، بين الأطراف المتصارعة، الذى تلوكه ألسنة الأمريكان، والدول الغربية، نقول بأن المساواة بين الأطراف، هى مساواة فجة، بين من هو شرعى، ومن هو غير شرعى . بين من يملك السلاح والدعم اللوجيستى والعسكرى، ومن يقف وحيداً لا يملك سوى شرعية الصندوق، وكيف يكون الحوار، والحل السلمى فى ظلال السلاح وقعقعته، إنها إذن قسمة ضيزى، قصد منها استكمال المخطط الأمريكى / الغربى فى المنطقة . وبالنظر إلى موقف الغرب والأمريكان ومخالبهما فى المنطقة من الإرهاب فى المشرق العربى، يتعجب من موقفهما من الإرهاب فى مغربه، على الأقل فيما يظهر لنا على السطح، فهما ضد الإرهاب فى المشرق، ومعه ـ سكوتاً عنه ـ فى المغرب العربى . مع أن الموقف التركى / القطرى من جماعات الإرهاب يعد واحداً، وقد كشفت الضربة المصرية لدواعش / ليبيا، رداً على ذبح رعاياها، عن الوجه القبيح لهذا الموقف . وما كان طلب مصر من المجتمع الدولى سوى دعم الشرعية، برفع حظر الأسلحة عن تلك الحكومة المعترف بها، ومساعدة الشعب الليبى فى حربه ضد الإرهاب، والحيلولة دون وصول السلاح إلى المليشيات غير الحكومية، والأطراف غير المنتمية إلى الدولة كافة، عبر فرض رقابة بحرية وجوية وبرية، على واردات السلاح، والسماح للدول الراغبة فى مساعدة ليبيا على مجابهة الإرهاب، بأن تفعل ذلك، طالما أن هناك موافقة، وتنسيق مع الحكومة الليبية الشرعية . خاصة وأن المجموعة العربية تبنت تلك العناصر، فى إطار مشروع قرار، تقوم الأردن بتقديمه باسم المجموعة العربية إلى مجلس الأمن، خلال جلسته الطارئة، ثم يقوم أعضاء المجلس بالتشاور، حول ما سيتم اتخاذه من إجراء إزاء هذا المشروع، خلال جلسة مغلقة، بعد استماع المجلس إلى إحاطات من المبعوث الأممى إلى ليبيا، ووزيرى خارجية مصر وليبيا. وأثناء انعقاد مجلس الأمن خرج أوباما يستشهد بـ"القرآن" أمام العالم لمواجهة داعش دون أن يأتى على ذكر ليبيا، أو على حادث إغتيال المصريين على يد تنظيم داعش . وجعل يسترسل فى حديث أجوف لا معنى له سوى فى كونه إشارة أمريكية بالموقف من مشروع القرار العربى، أرسلها إلى دول حلف الناتو التى كانت مندفعة فى اتجاه تأييد القرار، فإذا بمواقفها تتحول إلى اتجاه آخر، انصياعاً للإشارة الأمريكية . وهنا تذكرت بيت الشعر القائل: " ما حك ظهرك غير ظفرك ... فتولى أنت جميع أمرك " . وقفز إلى ذهنى تساؤل مشروع حول موقف الدول العربية، وموقف اتفاقية الدفاع العربى المشترك، من القضية الليبية، بعد أن كشفت مصر أبعاد المؤامرة الدولية على المنطقة . فهل إلى التحرك العربى لإنقاذ المنطقة من سبيل ؟ .
جامعة الدول العربية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة