نقلا عن اليومى..
«ضجيج سيارات لا يتوقف، وأبخرة بنزين، وغاز طبيعى، وسولار، وغياب لمعايير السلامة والصحة المهنية، وراتب قليلة تكفى بالكاد الاحتياجات الشخصية»، هذا هو الواقع الذى يعيش فيه عمال محطات البنزين، الذين يعملون دون الحصول على أجر ثابت، ويعتمدون فقط على ما يحصلون عليه من «بقشيش» رمزى يكفى بالكاد احتياجاتهم اليومية.
«اليوم السابع» أجرت تحقيقا حول مشاكل عمال «البنزينات» عن عدم وجود رواتب ثابتة، أو تأمينات، إضافة إلى ما يتعرضون له من مشاكل صحية نتيجة استنشاق البنزين والسولار والغاز الطبيعى فترة طويلة.
12 محطة البنزين قطاع عام وخاص، قمنا بزيارتها للتعرف على مشاكل العمال بها، ورغم ذلك رفض أغلب العمال الحديث معنا خوفا من «قطع عيشهم»، فإذا علمت الشركات المالكة أو المسؤولون حديثهم فسيقوموا بتسريحهم بكل سهولة، خاصة أنهم غير معينين ولا يوجد أى التزامات من الإدارة أو الشركة تجاههم.
البرد القارس لم يمنع عم سيد إبراهيم، الرجل الستينى من الوقوف داخل البنزينة، التى يعمل بها فى مصر الجديدة، منتظرا رزقه الذى يحصل عليه بعد ملء تانك إحدى السيارات، قائلا: «نحن نعمل بدون رواتب ونعتمد على البقشيش الذى نحصل عليه من الزبائن، الذى يتم تقسيمه على جميع العاملين فى نهاية كل وردية عمل».
عدم حصول سيد على أجر ثابت أمر لم يجعله يفكر فى ترك عمله، لأنه ببساطة لم يجد غيره، ويتراوح أجر العامل من البقشيش فى هذه المنطقة، كما يقول عم سيد، من 1000 إلى 1200 شهريا كحد أقصى.
أزمة سيد الحقيقية، إضافة إلى عدم حصوله على أجر ثابت، عدم وجود تأمينات، ويضيف: «إذا تعرض أى منهم لمتاعب صحية، وكثيرا ما يحدث، لن يستطع العمل ولن يجد من ينفق على أسرته وأبنائه أو حتى يغطى مصاريف علاجه».
ما قاله سيد أكد عليه جمال شحاتة، الشاب العشرينى الذى يعمل منذ عامين فقط فى البنزينة، الذى يهرول على السيارات بمجرد قدومها لعله يحصل على «الفضة» المتبقية من حساب الزبون، وعن مشاكل عمله يقول جمال: «نحن معرضون لترك العمل فى أى لحظة، وهذا ما حدث مع أحد زملائنا، الذى وقع أثناء عمله، فأصيب بكسر فى العمود الفقرى، ما أدى إلى عدم قدرته على العمل، فرفض صاحب البنزينة، صرف معاش أو راتب شهرى له، أو حتى التكفل بمصاريف علاجه».
حالة زميل «جمال» فى العمل ليست الأولى أو الأخيرة فى مسلسل المخاطر التى قد يتعرض لها عمال «البنزينة»، فمنذ ما يقرب من شهر واحد كانت هناك مناشدات لعمال محطة وقود فى منطقة الشيخ زويد فى وسائل الاعلام لتوفير معاش لأسرة زميل لهم توفى أثناء العمل ويدعى أحمد عبد المنعم، دهسته سيارة نقل كبيرة بعد أن قام العامل بملئها بالبنزين، وترك السيارة وذهب إلى خلفها بعدة أمتار، وفجأة رفع سائق السيارة الفرامل فرجعت السيارة إلى الخلف ودهسته، وطالب العمال المسؤولين عن المحطة بتحديد مرتب شهرى للعامل لا ينقطع نهائيًا لتستطيع زوجته الصرف من خلال هذه المتطلبات على أولاده.
المشاكل الصحية لعمال البنزين واضحة ومعروفة، حتى إنك لا تضطر أن تبحث طويلا عنها إذا أردت الحديث عن الأمراض التى يصاب بها العاملون، فإذا سألت فقط عما يحدث ستجد ردا واحدا، وهو: كلنا مصابون بأمراض الحساسية على الصدر نتيجة استنشاقنا للبنزين فترة طويلة كما أننا نعانى من اختناقات.
محمد مرسى أحد العاملين بمحطات البنزين يقول: «نستنشق كمية كبيرة من البنزين يوميا تؤدى إلى إصابتنا بأمراض صدرية، إضافة إلى أن بعضنا مصابا بالتهابات المعدة نتيجة استنشاق الغاز الطبيعى».
وكان عدد من المؤسسات البحثية قد أعدت دراسات بحثية عن أضرار البنزين واستنشاقه، ومنها إحدى الدراسات فى المملكة العربية السعودية والمنشورة على الإنترنت، التى أكدت أن العاملين بمحطات الوقود يظلون دائماً عرضة لأضرار ومضاعفات على الرئتين بسبب الاستنشاق المستمر لجزئيات الوقود المتطايرة، وكذلك لعوادم السيارات التى تدخل إلى محطات الوقود وتخرج منها طول ساعات العمل، بالإضافة لتعرض عمال محطات الوقود للغبار فى العراء ولعوادم المركبات، ما يتسبب فى زيادة نسبة الإصابة بحساسية الصدر والتهاب الشعب الهوائية المزمن.
كما أن للرصاص الموجود فى البنزين تأثيرات سلبية أهمها فقر الدم، والتهاب مزمن للكلى قد ينتج عنه فشل كلوى، وصعوبة فى التخلص من حمض البوليك والإصابة بالنقرس،و التهاب ثم ارتفاع فى حموضة المعدة والإثنى عشر، وقد تنتهى بغيبوبة كبدية، كما يؤثر الرصاص على المخ والجهاز العصبى المركزى والجهاز العصبى المحيطى، فيظهر شعور بالإرهاق والخمول وتوتر زائد والتهاب فى الأعصاب، أما بالنسبة للرئتين، فإن الرصاص يحدث تهيجا فى أغشية الشعب الهوائية فتحدث حالات ربو ونزلات شعبية.
ويرى الدكتور طه عبدالحميد عوض، أستاذ أمراض الباطنة والصدر والحساسية بكلية طب جامعة الأزهر، أن للبنزين مخاطر على الجهاز التنفسى ويسبب استنشاقه لفترة طويلة حساسية الجهاز التنفسى العلوى وحساسية الشعب الهوائية، إضافة إلى تسببه بأزمة ربوية شعبية، والالتهابات الرئوية المتكررة بما يتسبب فى النهاية بتليف رئوى وفشل تنفسى، ويتسبب أحيانا بقصور فى الشريان التاجى وقصور فى القلب.
وقال مصطفى مفتاح، الخبير بالسلامة والصحة المهنية: إن بيئة العمل قد تتسبب فى نقل الأمراض من عمله، فكلما كان عامل البنزينة موجودا فى الهواء الطلق ولا يتعرض بشكل مركز للبنزين أو يستنشقه، فهو غير معرض للإصابة بالأمراض.
وأضاف مفتاح أن للبنزين تأثيرات عدة على الجهاز التنفسى أو الجلد، إذا تم وضعه عليه بشكل مباشر، ما يسبب تحلل الدهون فى الجلد ويسبب مرض «أكزيما بترولية».
إسلام الخشن الأمين العام للاتحاد المصرى للعاملين بالبترول قال: إن عمال البنزينات يعانون من عدم وجود رواتب ثابتة أو لهم تأمينات، ما دفع الاتحاد العام لمحاولة إنشاء مظلة لتوفير حقوقهم، ولكنهم قابلوا صعوبة فى هذا، وفشلوا بسبب خوف العمال من التعاون معهم، خوفا من فقدان وظائفهم، رغم عدم وجود عقود تثبيت لهم أو تطبيق قواعد السلامة والصحة المهنية.
وفى محاولة للبحث عن حقوق عمال البنزين أيضا، أنشا اثنان من العاملين بالمحطات فى الثالث من فبراير عام 2011، نقابة مستقلة للعمال بمحطات البنزين.
جهاد شحاتة، رئيس النقابة العامة للعاملين بمحطات البنزين، قال: إن حقوق العمال بالمحطات مهدرة تماما، فليس لديهم تأمين صحى رغم المخاطر التى يتعرضون لها، ويكتفى أصحاب المحطات بالتأمين على اثنين أو ثلاثة من العمال فقط، ولا يتم تطبيق السلامة المهنية أو وسائل لوقاية وحماية العمال، وكان هذا الهدف الأساسى لإنشاء النقابة.
ويضيف شحاتة: وصل عدد أعضاء بالنقابة حتى الآن 1423 عضوا فى محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، كما أن أغلب العمال لديهم خوف من رئيس العمل، وليس لديهم معلومات عن حقوقهم المهدرة، ولذا تقوم النقابة بدورها فى توعية العمال من احتمالية إصابتهم بأى ضرر من خلال إعطائهم تعليمات عن ضرورة ارتداء زى معين يحميهم من التعرض للصعق الكهربائى أو استنشاق كميات من البنزين.
وتابع شحاتة حديثه: «كما أننا ننصح العمال بشرب كمية كبيرة من اللبن يوميا، لحمايتهم من سموم البنزين، إضافة إلى محاولتنا التنسيق مع وزارة القوى العاملة لإنشاء مستشفيات خاصة للعمال فتقدمنا بطلب لذلك ولم نحصل على رد.
عمال محطات البنزين يتنفسون الموت..الأمراض تحاصرهم بسبب الأبخرة السامة.. ولا رواتب ثابتة ولا تأمينات.. والدخل الشهرى أغلبه «بقشيش»
الأحد، 22 فبراير 2015 10:01 ص
محطة البنزين