ما ترتكبه جماعة داعش الإرهابية ليس له جزاء سوى القتل.. هكذا يرى الدكتور محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الحكم الشرعى فى التنظيم الإرهابى، جزاء ما يرتكبه من فظائع وجرائم لا تمت للإسلام الحنيف بصلة.
الدكتور عفيفى يكشف فى حواره لـ«اليوم السابع» أن جماعة الإخوان تسيطر على المراكز الإسلامية فى مختلف دول أوروبا، وذلك من خلال ما يسمى بالاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، ما يجعل القارة «مغلقة» أمام الأزهر، فيما يوضح أن المجمع انتهى من الرد على الكثير من الشبهات التى أثيرت مؤخرًا حول الإسلام، وسيتم نشر الردود بداية من أول مارس المقبل.. وإلى نص الحوار:
فى البداية يتعرض الأزهر الشريف لهجوم من البعض بدعوى أنه لم يصدر فتاوى بتكفير تنظيم داعش الإرهابى، على الرغم من أنه أعلن فى وقت سابق أن الحكم الشرعى لأفراد التنظيم هو القتل والصلب.. ما ردكم على ذلك؟
- بالنسبة لتنظيم داعش أو لغيره ممن ينخرط فى سلك داعش، فالأزهر الشريف له رؤية تنطلق من منطلق عقدى، يتمثل فى العلاقة بين الإيمان والعمل، وهذه الجماعات التكفيرية تقوم عقيدتها على أن العمل ركن من أركان الإيمان، وبالتالى إذا نقص العمل زال الإيمان، ومن ثم فإنهم يلجأون إلى تكفير الناس، فحينما نقول جماعات تكفيرية، فالناس يتصورون أنها جماعات كافرة، والأصل أن هذا المسمى جاء من أنهم يكفّرون الآخر، والإيمان فى مفهوم أهل السنة والجماعة- ويمثله الأزهر الشريف باعتباره المنهج الأشعرى- يقوم على التصديق القلبى، أن يؤمن الإنسان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، وبالتالى الإيمان تصديق، والعمل يزيد الإيمان، لكن عدم وجود العمل لا ينفى الإيمان، لذلك هناك قاعدة أنه لا يخرجك من الإيمان إلا جحد ما أدخلك فيه، وهذا يعنى أن الإنسان يدخل فى الإيمان بـ«لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا يخرجه من الإيمان إلا جحد هذا، أو جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
والإنسان الذى لا يصلى هو فى مفهوم هذه الجماعات كافر، ودمه حلال، أى يحل قتله، وسلب ماله، واستحلال عرضه، ولا يغسّل، ولا يكفّن، ولا يدفن فى مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يُورث، لكن مذهب الأزهر، وهو المذهب الأشعرى، لا ينفى الإيمان لعدم وجود العمل، فمن لم يصل قد يكون السبب فى ذلك أنه متكاسل، لكن هو لا يجحد هذه الصلاة، وبالتالى الأزهر الشريف لا يقابل الكفر بالكفر، ولا يحكم على نوايا الناس مادام الإنسان يشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فلا يمكن تكفيره، وهذا ليس من عند الأزهر، فحينما أدرك سيدنا أسامة بن زيد رجلًا من الكفار، وهمّ أن يقتله، نطق الرجل بـ«لا إله إلا الله»، يقول سيدنا أسامة: فقتلته، فوقع فى نفسى ذلك، فذهب للحبيب صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما جرى، فقال له النبى: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟، فقال سيدنا أسامة: قتلته يا رسول الله، إنما قالها خوفًا متعوذًا، فقال له: أشققت عن قلبه؟!
وكذلك سيدنا على بن أبى طالب حينما سئل عن الخوارج الذين كفّروه، قالوا أكفار؟ قال بل من الكفر فروا، قالوا فما توصيفهم؟ قال إخوة لنا بغوا علينا، والله يقول «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ»، إذًا أسماهم مؤمنين، لذا لا يُقابل الكفر بكفر.
إذًا، فما حكم هؤلاء المنتمين لتنظيم داعش؟
- توصيفهم موجود فى القرآن حينما يقول الله «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا»، إذًا هؤلاء ليس لهم إلا القتل، وهذا بيان الله فيهم ليكونوا عبرة، والله قال «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ»، فالمسألة إذًا واضحة للغاية.
وهل يملك سلطة التكفير فرد أو هيئة؟
- الكفر حكم شرعى لا يملكه فرد أو هيئة أو جماعة أو مؤسسة، ولا يملكه الأزهر ولا شيخ الأزهر، ولا أى إنسان، إنما يملكه القضاء، وله شروط وموانع، وإذا توفرت الشروط والموانع أمكن للقضاء أن يقول كلمته فى هذا الأمر، لكن لو فتح الباب لحدثت فوضى عارمة، وكل إنسان لا يعجبه آخر سوف يكفّره ويستحل دمه.
وما الذى اتفق عليه جمهور العلماء فى هذا الشأن؟
- ما يتفق عليه جموع العلماء أن الكبائر لا تخرج الإنسان من دائرة الإيمان، مادام أنه يشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فهؤلاء ليس لهم إلا القتل والصلب، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فالإسلام يستأصل شأفتهم تمامًا، والإسلام وصف هؤلاء بأنهم يسعون فى الأرض فسادًا، وليس لهم جزاء إلا القتل، وهذه أمور لا لبس فيها.
الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد أكثر من مرة ضرورة تجديد الخطاب الدينى.. برأيكم كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
- مفهوم تجديد الخطاب الدينى المقصود به ليس النظر فى الأصول أو تغييرها، والمتمثلة فى النصوص الشرعية، سواء فى القرآن أو السنة، إنما تجديد آليات التعاطى والفهم للنصوص الشرعية فى ضوء المتغيرات، أو فى ضوء فقه النوازل، أو قضايا العصر، أو المستجدات العصرية، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى إعادة النظر فى فقه المراجعات، وهذه العبارة ربما إذا ذكرت يقفز إلى الذهن فقه المراجعات بالنسبة للجماعات التى كانت فى السجون، لكن أعنى بفقه المراجعات أن نراجع أنفسنا فى آليات التعامل مع النصوص فى ضوء المتغيرات، وأن نضع تغير الزمان والمكان فى اعتبارنا، ليكون ركيزة عند النظر فى النصوص الشرعية، لأن الإسلام لم يأت ليكون حبيسًا فى النصوص، ولعل من عظمة القرآن الكريم أنه لم يتعرض لتفصيلات، ليترك المساحة للعقل البشرى أن يتأمل، وأن يتفكر، فمن عظمة الإسلام أنه حينما تحدث القرآن عن قضايا، تحدث عن قضايا كلية، ولم يتعرض لتفصيلات، كما أن الإسلام احترم العقل البشرى، وأعطاه مساحة ليفكر، ولينظر، وليتأمل، ومن ثم فلا يمكن بحال من الأحوال أن نقف بفهمنا للإسلام عند مرحلة زمنية معينة، ولا يعنى ذلك القطيعة مع التراث، أو مع موروثاتنا العلمية، بل يستأنس بآراء العلماء وبآراء أسلافنا، لكن لابد أن نضع أمام أعيننا أننا نعيش زمانًا ومكانًا غير الزمان والمكان اللذين قيلت فيهما آراء العلماء ومن ثم لابد أن يكون هذا البعد حاضرًا، لأن هؤلاء العلماء خدموا زمانهم، وقدموا الرؤية الإسلامية من خلال فهمهم للإسلام فى ضوء الواقع الذى كانوا يعيشون فيه، والحقيقة أن تجديد الخطاب الدينى لا يعنى نسف كل ما هو موجود، وبناء منظومة جديدة، وهذا الكلام غير وارد، ولا يسلم به أى إنسان.
وهل مهمة التجديد مقصورة على الأزهر؟
- تجديد الخطاب الدينى يبنى على المنهج وعلى المتغيرات، وهى مهمة ليست حصرية على الأزهر فحسب، إنما يحتاج تجديد الخطاب الدينى إلى تضافر كل مؤسسات الدولة، وجهود المفكرين والمبدعين ورجالات التعليم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، كل فى مكانه، لأننا لا نتحدث عن قضايا بمعزل عن الإنسان، وحينما نقول خطابًا دينيًا فهذا يعنى رسالة ووسيلة وأسلوبًا، وهناك ركن مهم فى عملية التواصل، هو ركن المتلقى أو الإنسان الذى يتلقى الخطاب الدينى، ويجب أن نعرف طبيعته، وما إذا كان مؤهلًا لاستيعاب الخطاب أم لا.
تحدث البعض خلال الفترة الأخيرة عن أن هناك أمورًا تدور حولها الشبهات فى كتب التراث وتحتاج إلى ردود.. هل أنتم مستعدون للتعامل مع ما أثير فى هذا الشأن؟
- هناك ردود جاهزة وسأدفع بها من باب التوثيق لعدد من كبار العلماء فى الأزهر، والبحث الواحد سيتم تحويله إلى ثلاثة من كبار العلماء، ومن أعد الردود هم علماء أيضًا، والأمانة العلمية تقتضى الإلمام برأى الجميع لتقديم رأى الأزهر ورؤيته فى تلك القضية المثارة.
وما الشبهات التى انتهيتم من إعداد الرد عليها؟
- على سبيل المثال لا الحصر نقد كتاب المشهد الأخلاقى للكاتب سام هاريس، وهو من جماعة اللادينيين الملحدين، كذلك بحث حول ركنية الشهادة الثانية، وبحث حول تمثيل وتجسيد الأنبياء فى الأعمال الدرامية، وشبهة إثبات عذاب القبر والرد عليها، وحجية السنة فى التشريع الإسلامى، والرد عل الشبهات فى حق الصحابة أبى هريرة، وخالد بن الوليد، وزواج المسيار من منظور الشريعة الإسلامية، والرد على شبهة تعارض بعض أحاديث صحيح البخارى كحديث سحر النبى، والحرية والإبداع فى الإسلام، والرد على بعض الشبهات بشأن تدوين السنة، وما زعمه البعض من أن النبى أراد الانتحار، وأنه أخبر أن سيدنا إبراهيم كذب ثلاث كذبات، وما رواه عمر بن ميمون عن زنى القردة ورجمها.
وما آليات خروج هذه الردود للنور؟
- ستطبع جميعها فى سلسلة، وستصدر فى أول مارس المقبل عن مجمع البحوث ثلاثة كتب والباقى تباعًا، ومنها ما يتعلق بالسنة والنبى والصحابة، وهناك كتب ستصدر عن قضايا مثل قضية التكفير والحاكمية وغيرها، وسيتم التواصل مع كل مؤسسات الدولة لتوصيل هذه المؤلفات إلى عامة الشعب المصرى، وبأسعار زهيدة، وربما ستكون مجانية، كما أننا نقوم بإعداد ردود إلكترونية ومصورة، ويتولى ذلك شباب الأزهريين، حتى لا يقدم الأمر بشكل نمطى، إنما سيقدم بصورة تستهوى الشباب.
مجمع البحوث الإسلامية من أكبر وأهم المجامع الفقهية، وممثلة فيه جميع المذاهب.. أين الأقليات المسلمة فى أوروبا من المجمع؟
- وجود ممثلين للأقليات المسلمة فى أوروبا أمر إيجابى، خاصة أن هناك تناميًا كبيرًا فى المد الإسلامى بالنسبة لأوروبا، ونحن فى الأزهر الشريف نؤمن بأهمية التواصل مع أوروبا، وأهمية بيان المعانى الحقيقية للإسلام بعيدًا عن التعصب والتشدد والأفكار التى تروجها الجماعات المتشددة والتكفيرية، خاصة أننا لو نظرنا للنسيج الاجتماعى للأقليات المسلمة فى أوروبا فسنجده من جميع أنحاء العالم، لكن للأسف الشديد كل مجموعة جاءت بفهمها للإسلام فى مجتمعاتها، وجاءت بتعصبها، وعدم قراءتها للنصوص بشكل موضوعى، وبالتالى حاولت كل مجموعة منها أن تقدم الإسلام المفهوم الذى تراه، لذا كانت الحاجة ملحة لبيان المعانى الحقيقية للإسلام من خلال رؤية الأزهر الشريف باعتباره مؤسسة عالمية، هناك سيطرة لبعض الجماعات على المراكز الإسلامية فى أوروبا، وانتشار نفوذ ما يسمى بالاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، وهو يعبر عن وجهة نظر جماعة الإخوان فقط، ولا يعبر عن وجهة نظر الإسلام فى نظرته الشمولية.
جانب من الحوار
د.محيى الدين عفيفى أمين مجمع البحوث الإسلامية: جزاء إرهابيى «داعش» هو القتل.. الأزهر الشريف لا يقابل الكفر بالكفر.. والكفر حكم شرعى وله شروط وموانع ويملكه القضاء وحده
الأحد، 08 فبراير 2015 10:18 ص
د/ محيى الدين عفيفي
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة