محمد غنيم يكتب: "جوارى العشق" رواية بطعم الحرية

الإثنين، 09 فبراير 2015 04:03 م
محمد غنيم يكتب: "جوارى العشق" رواية بطعم الحرية غلاف رواية جوارى العشق لرشا سمير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكتاب الذى لا يُحدث صدمة لقارئه لا يستحق قراءته وذلك كما ذكر "كافكا"، ومناسبة هذا الحديث رواية "جوارى العشق" لـ"رشا سمير" والتى أحدثت صدمة بداخلى وأثارت الدهشة، قرأتها غير عابئ بعدد صفحاتها الضخم، بل بما تناولته عن المرأة التى عاصرت تقلبات وتحولات البناء الاجتماعى المصرى من عصر المماليك حتى بداية 2011 إلى أن استشعرت الصدمة مع قراءة آخر سطورها حسرة على حال مصر والمصريين.

طافت "رشا سمير" عبر أربعة أجيال لنساء مختلفة الطباع بدءا من "قمر" الجارية الجميلة فى العصر المملوكى التى تجبرك شخصيتها أن تنزع منها لقب جارية عند انتهاءك من قراءة أحداث الرواية مرورا بشخصية حفيدتها "مهشيد" (اسم إيرانى معناه القمر) التى حملت نفس الاسم ولكنها لم تحمل نفس الصفات، تكبلت بقيود الإخوان المسلمين فى عصر السادات، وسجنت خلف القضبان فى عصر مبارك وحرمت من ابنتها "أيسل" (اسم تركى معناه مثل القمر) التى اعتنقت الحرية بمفهوم مغاير، ولكنها لم تنجُ من تهديدات الإخوان حتى قررت الهروب فى نهاية عصر مبارك تاركة لنا ابنتها الرقيقة "رحيل".
تتحفنا الكاتبة بأسلوبها السلس الممزوج بين لغتى السرد والحوار، كما اعتمدت على تعدد الأصوات، والواضح أن المؤلفة جديرة بأن تجذب القارئ وكأنه أحد أبطال الرواية.
الرواية جسدت المجتمع المصرى من زاوية الواقع الذى نعيشه عبر عصور مختلفة، فكشفت القناع عن الوجه القبيح للظلم فى عصر المماليك والزيف الدينى والتطرف لجماعة الإخوان عبر عصور مختلفة واختلال القيم فى عصر مبارك والتعبير الخاطئ لمفهوم الحرية.
امتد زمن الرواية إلى ما يقرب من 500 عام أو يزيد من فاشية السلطان فخر الدين كبير أمراء المماليك إلى الأزمات الاقتصادية الطاحنة للمصريين، حتى قفزت بنا المؤلفة عبر عصور مختلفة وحكام متعددين إلى السياسات الخاطئة فى عصر السادات ومتاجرة الإخوان بالدين حتى تمكنوا من قتله.

الرواية تجعل من صندوق "قمر" الخشبى المطعم بالنحاس شاهدًا على العصر بأوراقه البردية ورسائله القيمة والعقد الثمين الذى أهداه لها حبيبها الأمير شهاب الدين، فاحتفظت به الأجيال حتى توارثته آخر الأحفاد "رحيل" فى مشارف 2011، الصندوق الخشبى يحكى لنا أحداث الرواية ويبوح بالأسرار فنقرأ التاريخ السياسى الشعبى لمصر من العبودية للتحرر، ونتنقل من صورة المرأة السلبية "أم مهشيد" وعلاقتها بزوجها القاضى الذى لا يتعدى الحوار مع ابنته أو زوجته كلمات معدودات، ففقدان الابنة "مهشيد" لعنصر الحب الأبوى والدفء العاطفى جعلها فريسة لخالد زميلها بكلية الطب الذى نسج ليها شباك الحب حتى تزوجته تحت رداء العاطفة والرومانسية، حيث جمعتهما روايات إحسان عبد القدوس وتقديره لدور المرأة وفرقتهما الأفكار الإخوانية الفاسدة.
ودارت سنوات الزواج التى أسفر عنها انضمام خالد إلى جماعة الإخوان المسلمين فتغيرت أفكاره، وظهرت بوادر إهماله للمرضى حتى عيادته الشخصية، ناعتًا الثقافة بالجهل والرقى بالعهر إلى أن انجرفت معه زوجته الطبيبة "مهشيد" فى نفس التيار تحت شعار الحب محاولة الاقتناع بالجماعة فدخلتها منسدلة الشعر حتى استقرت خلف القضبان تزامنا مع اغتيال السادات وتورط خالد فى الأحداث، فالحب حلم تبخر فجأة وتحول الحب إلى كابوس الأم بين الزنزانة والابنة مع جدها القاضى المسن الذى لا يقدر على مراعاتها بعد أن توفيت زوجته.

فالمؤلفة هنا أبدعت فى قدرتها الكتابية على جعل القارئ سريع التعلق بالشخصيات التى صنعتها فى عالمها الروائى وحولتها من كلمات تتراقص على الأسطر كالدمى، لشخوص من لحم ودم فأجبرت القارئ أن يحب "قمر" ويعشق "أيسل" ويتعاطف مع "مهشيد".. لكنه يتوارى بعيدا إن شاهد "عبد الرحمن" أو "سمية" أو "هاشم" وهو يضم "أيسل" بين ذراعيه فى مظاهرة للعرى بالسويد، مدعيا الحرية إلى أن خذلها وكأنه مشهد عكسى تماما لشهاب الدين الذى لم يتخلَ لحظة عن معشوقته "قمر".

وقد كان لتأثير دراسة رشا سمير لعلم الطب الذى جعلها تعالج الشخصيات كأنها تنقذها من الوجع وتضميد الجراح.. فرشا سمير فى "جوارى العشق" رسمت لوحة كبيرة "لمصر" وأرخت لتاريخ المرأة عبر صندوق خشبى صغير يتسع وطن.. وتظل "قمر" الوردة التى تنشر أريجها وعطر أنوثتها فى ثنايا الرواية نرى بعينيها الجميلتين المرأة بإيجابياتها وسلبياتها، عبر أحفادها "مهشيد" و"أيسل" وبنظرة تفائل وأمل لمستقبل "رحيل".

وتظل "جوارى العشق" رواية بطعم الحرية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة