ووفقًا للتقرير، فإن هناك دولاً أفريقية وعربية فقيرة تسبق مصر فى ترتيبها من بينها نامبيا وتونس وجنوب أفريقيا وموريشيس، وتأتى مصر متأخرة وراء دول نامية يوجد بها مجاعات وبها عدد مرضى أقل من مصر إلا أن استخدامها لـ"المورفين" سنويًا أعلى من مصر بكميات أكبر.
كارثة طبية حقيقية
وكشف الدكتور سامى عبد الرازق الصيرفى، رئيس وحدة الطب التليفى بمركز قصر العينى لعلاج الأورام والطب النووى كلية طب قصر العينى جامعة القاهرة، عن كارثة حقيقية وفقًا لما جاء بقانون مكافحة المخدرات فى مصر رقم 1960، والذى ينص على أن الحد الأقصى لكمية أقراص "المورفين" المسموح بصرفها بوصفة طبية واحدة هى 420 ملليجرام، مشيرًا إلى أن مرضى السرطان قد يحتاجون إلى آلاف الملليجرامات من المورفين فى اليوم الواحد لتسكين آلامهم كما نصت على ذلك منظمة الصحة العالمية.
وأضاف رئيس وحدة الطب التليفى بمركز قصر العينى لعلاج الأورام، أن الدليل البحثى العلمى أكد أن وصفة طبية أسبوعية بها الحد الأقصى من "المورفين" كما هو فى القانون الحالى لن تمكن 75% من مرضى السرطان الذين يعانون من آلام شديدة من الحصول على الكمية المناسبة لتخفيف معاناتهم. ولقد أجريت هذه الدراسة بوحدة الطب التليفى بمركز قصر العينى لعلاج الأورام جامعة القاهرة، ونشرت نتائجها فى مجلة الطب التلطيفى (Journal of Palliative Medicine ) والتى تصدر فى الولايات المتحده عام 2011 فى مقال بعنوان "احتياج مرضى السرطان للمسكنات الأفيونية والقانون المحدد لجرعة المورفين فى مصر".
وقال الدكتور الصيرفى فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن استخدام مصر الذى حدده القانون من "المورفين" يعتبر ضيئلاً جدًا بعدما حدد 420 ملليجرام للمريض الواحد فى كل مرة بحسب وصفة طبية "روشتة"، وأن المريض يحتاج إلى أضعاف الكمية يوميًا مع استحالة أن يزور مركز قصر العينى للأورام لصرف العلاج يوميًا مما يزيد من معاناتهم وآلامهم.
يجب زيادة كميات "المورفين" المصروف للمرضى
ويقترح الدكتور الصيرفى أن يتم صرف العلاج بكميات أكبر لتكفى أسبوعًا أو أكثر بدلاً من أن يذهب المرضى إلى المراكز المتخصصة والصيدليات لصرف الكمية يوميًا مما يتسبب فى مضاعفة الآلام والمعاناة لديهم لاسيما وأنهم يحتاجون للراحة وعدم التنقل يوميًا، مضيفًا أن آخر دراسة أجريت فى مركز قصر العينى لعلاج الأورام أن صرف 420 ملليجرام من "المورفين" لا يكفى سوى 25% من المرضى وأن 75% من المرضى لا يجدون العلاج لأنهم يحتاجون إلى صرف أضعاف مضاعفة من العقار.
ويضيف الصيرفى أنه قام بإرسال شكوى إلى وزارة الصحة بخصوص اختفاء أقراص المورفين وعدم توافره لشهور عديدة بالصيدليات ومراكز العلاج المتخصصة بمصر بسبب وجود خلافات مالية واقتصادية بين الشركة المنتجة للأقراص فى بريطانيا وشركات التعئبة والتسويق، مضيفًا أن السجل القومى للأورام المصرى يتوقع فى آخر إحصائياته زيادة عدد 120 ألف مريض وإصابة جديدة بمرض السرطان فى العام الجارى 2015، كما توقعت الإحصائية نفسها إصابة 350 ألف حالة جديدة بمرض السرطان فى عام 2050.
ويضيف رئيس الطب التليفى بـ"قصر العينى" أنه يمكن التحكم فى آلام السرطان فى ما يقرب من 90% من الحالات بإستخدام إرشادات بسيطة وأدوية رخيصة الثمن، أهمها "المورفين" العقار الأساسى لتسكين هذه الآلام كما نصت على ذلك توصيات منظمة الصحة العالمية وغيرها.
ولقد ضمت قائمة منظمة الصحة العالمية النموذجية للأدوية الأساسية المورفين بأشكاله وتركيزاته المختلفة باعتباره الدواء الأساسى لتسكين الآلام الشديدة.
ويتابع رئيس الطب التليفى بـ"قصر العينى" أن التقرير السنوى الأخير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة كشف أن مصر ترتيبها 117 على مستوى الدول من حيث معدل استهلاك الأدوية أفيونية المفعول (كالمورفين) التى تستخدم لتسكين آلام السرطان.
وبحسب التقرير نفسه الأخير والصادر عام 2014 استهلكت مصر 15 (خمسة عشر) كيلوجرامًا فقط من المورفين عام 2012 وهو أقل بكثير جدا من الاستهلاك فى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة (24964 كيلوجرامًا) والمملكة المتحدة (2462 كيلوجرامًا) وفرنسا (2037 كيلوجرامًا) وألمانيا (1532 كيلوجرامًا).
حل الأزمة يعتمد على ثلاثة محاور
وينصح الصيرفى فى حل الأزمة باتباع الاستراتيجية التى وضعتها منظمة الصحة العالمية منذ ثلاثة عقود والتى تتضمن العمل على ثلاثة محاور، هى التعليم وتوفير المسكنات الأفيونية والسياسة الحكومية وأولها التعليم. ولا يقتصر على الأطباء فقط بل يمتد إلى الفئات الأخرى العاملة فى المجال الطبى وإلى صناع القرار والعامة. ويعد التعليم أهم المحاور الثلاثة حيث يعد الخوف غير المبرر من استعمال المورفين وأشباهه لتسكين الآلام (Opiophobia) أهم عائق لتسكين آلام السرطان.
ويوضح الصيرفى أن المحور الثانى هو توفير المسكنات الأفيونية المفعول وعلى الأخص المورفين، فحتى الآن لم يوفر فى مصر المورفين بصوره وتركيزاته وبخاصة عدم توفر المورفين الفمى (الذى يتناول بالفم) لشهور حتى الآن، فمنذ التسعينيات كانت أقراص المورفين ممتدة المفعول تركيز 30 ملليجرام هى الصورة الوحيدة من المورفين الفمى المسجلة فى مصر لتسكين آلام مرضى السرطان الشديدة. و كانت هذه الأقراص تصنع تحت إشراف مالك العلامة التجارية فى المملكة المتحدة ويتم تعبئتها بواسطة أحد الشركات الوطنية فى مصر ويتم توزيعها بإشراف صيدلى حكومى. ولا تعتمد المنظومة الصحية فى مصر إلا على هذا الطريق للحصول على أقراص المورفين. مع العلم بأنه يوجد العشرات من الشركات على مستوى العالم التى توفر المورفين للاستعمال الطبى وبسعر أقل مما يباع به فى مصر.
ويضيف الصيرفى أنه لسبب غير واضح ولأجل غير مسمى فإن أقراص المورفين ممتد المفعول 30 مجم (MSTContinus 30mg) حاليا غير متوفرة فى مصر و يشاع أن السبب هو أن السعر الحالى للأقراص غير مربح لسلسلة الشركات من التصنيع إلى التوزيع، علما بأن ثمن القرص فى مصر (350 قرشا للقرص الواحد) أغلى من مثيله فى العديد من الدول الأخرى مثل بريطانيا حيث يتراوح سعره هناك ما يعادل من 175 إلى 236 قرشا للقرص الواحد، ولقد تسبب عدم توفر أقراص المورفين فى معاناة كثير من المرضى، فيجب توفير المسكنات الأفيونية وعلى الأخص الدواء الإستراتيجى المورفين بصوره و تركيزاته المختلفه بشكل كاف.
ويعتبر الصيرفى أنه على الرغم من وجود أفيونيات قوية أخرى مسجلة فى مصر (مثل الفينتانيل و الهيدرومورفون) فإنها لا تقوم مقام المورفين فى مصر حيث إنه الدواء الأفيونى القوى الموصى باستعماله من جهات وهيئات عديدة منها منظمة الصحة العالمية. كما أن الأفيونيات القوية الأخرى مرتفعة السعر وستمثل عبئا اقتصاديا على المنظومة الصحية والمرضى فى مصر.
ويوضح الصيرفى أنه من الممكن تفادى ذلك عن طريق توفير المورفين الفعال جدا والأرخص كثيرا، كما يجب أيضا تنويع مصادر الحصول على المورفين الطبى والمسكنات الأفيونية المفعول الأخرى وذلك لمنع الممارسات الاحتكارية فى المستقبل.
ويذكر الصيرفى أن المحور الثالث لحل المشكلة هو السياسة الحكومية حيث يجب وضع سياسة حكومية فعالة للتحكم فى آلام السرطان فى مصر مبنية على الحقائق والدلائل العلمية وعدم الإكتفاء بالسياسات "الورقية" والتصريحات التى لا تستند إلى دلائل علمية وتخالف الواقع.
كما يجب وضع التشريعات التى تتيح لمرضى السرطان المحتاجين إلى المسكنات الأفيونية الحصول عليها بالكميات والأساليب المناسبة، فيجب أن يكون هناك توازن فى التشريعات الخاصة بالمسكنات الأفيونية تضمن حصول المرضى على حاجتهم ونفس الوقت تمنع الاستعمال غير الشرعى لهذه الأدوية.
- دراسة سويسرية: التدخين سبب تكرار الإصابة بسرطان البروستاتا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة