إن الأمة العربية تمر فى لحظات انتقالها التاريخى الحاسم، انتقالها من الماضى -القرنين التاسع عشر والعشرين - الذى ورثناه بتفككه وفساده وجموده، الماضى المجزأ المغتصب الفاسد الذى يتنافى مع طبيعة الوجود العربى الواحد، الماضى الذى كل ما فيه جمود يمنع التقدم، وقيود تكبل الانطلاق، وكل ما فيه ظلم يمسخ العدالة، وفساد يشوه القيم ويهدد الإمكانيات والثروات الطبيعية والموارد، ويجعلنا نعيش عالة على الحضارة الإنسانية بما تملكه من العلوم والتكنولوجيا، الماضى الذى لا يحقق إنسانية الفرد العربى ولا يمنحه الفرصة لأن يحيا وينتج ويبدع، ولا يتيح المجال للأمة العربية لأن تحقق مبرّر وجودها كأمة حية فى هذا العالم فتنطلق وتعطى .
وبعد ثورة مصر فى 25 يناير و30 يونيو اتجهت دول الخليج العربى، البوصلة العربية المؤمنة بالعروبة إلى التقارب الجميل مع مصر قلب الأمة العربية برغبة عميقة لمساعدة الاقتصاد المصرى والشعب المصرى للعبور من حالة الركود الاقتصادى ولتخطى أزمة الأمن والاستقرار التى تعانى منها مصر، واضعين الأمل الكبير فى قيامها بدورها العربى لتحقيق الأمن العربى ولكى تتبوأ ما يليق بها وبشعبها العظيم.
ثم الانتقال إلى المستقبل الذى تريده، المستقبل الواعد المتحرر المشرق الذى يتلاءم وطبيعة الوجود العربى الواحد، المستقبل المتجدد المتطور الذى تسوده العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، وتوجهه القيم الإنسانية الحقة، المستقبل الذى يوفر للفرد العربى حياة حرة كريمة، ويظهر إمكانياته العظيمة وطاقاته الكامنة، ذلك المستقبل الذى يتيح للأمة العربية أن تعبر عن معنى وجودها فى رسالة تضامن عربية إيجابية إنسانية، رسالة تتصل اتصالاً صادقاً بقيمة الإنسان أينما كان، عن طريق اتصالها اتصالاً دقيقاً بالشعوب العربية فى الوطن العربى، ونحن العرب اليوم نعيش فى هذا الانتقال التاريخى الحاسم .
وصاحب هذه الفكرة الإبداعية هو المغفور له الملك عبد الله .. رحمه الله .
نشهد، نحن العرب اليوم حولنا هذا الكم من المشاكل الداخلية والخارجية، وهذا الكم من النزاع الهائل فى العراق وسوريا واليمن وليبيا والذى تهتز له أركان المعمورة فى الشرق والغرب، ونلمس أثر هذا النضال فى أنفسنا إذ قد أخذنا منه بنصيبنا وشاركت فى تضحياته وآلامه شعوب الأرض جميعاً، فنحن نتساءل فيما بيننا وبين أنفسنا عما عسى أن يكون عليه الحال فى تلك الدول فى القريب العاجل، وبعد أن دمرتها الحروب الأهلية والطائفية.. ومتى تبدأ هذه الدول فى النضال من أجل الأخذ بأسباب العلم وعصر التكنولوجيا والمعلومات، وعما عسى أن تكون البداية الحقيقية، وعما عسى أن يكون من تحديات تواجه شعوبنا وحكوماتنا، وماذا تكون عليه أحوالنا ونحن الشعوب لنا غاية هى التقدم ونتائجه.
ونحن اليوم معشر العرب ننظر إلى الحاضر والمستقبل بقلوب ممتلئة بالتطلع والأمل وإصرار الإرادة، فقد مضى علينا زمن طويل كنا فيه نحس أن العالم الغربى يتجه إلى غاياته بغير أن يجعل اعتباراً لغاياتنا، ويمضى فى تقدمه بغير أن يحفل بما يكون من ذلك التقدم على تقدمنا، ولكنا صحونا أخيراً إلى الحقيقة الواقعة وهى أن ذلك الغرب الذى يحمل لواء النهضة اليوم لم يبلغ من تقدمه موضع الرفاهية التى كان ينبغى لشعوب أوروبا أن تنشدها، فبين شعوب الغرب من هم فى حالة سيئة، وأن دول الأرض لم تستطع أن تبلغ الأمن والسلام بكل ما أوتيت من ثروة ومن علم، فهى مع كل تقدمها لم تستطع أن توفر الخير لكل أفراد شعوبها، ومازالت تعانى من الآلام أكثر مما نعانيه، وما زالت تتطلع إلى الآمال التى لا تزال نتطلع إلى مثلها.
وليست الحروب الأخيرة فى المنطقة العربية فى العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، والحرب الباردة الحالية بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط نتيجة تأييدها بلا حدود لإسرائيل إلا من الأدلة على حاجة الشعوب فى الشرق والغرب إلى ضرورة تحقيق السلام، فهل من الممكن أن يحقق العرب هذا السلام ؟ وهل نظم الحياة تمكنهم من تحقيقه؟ وهل الحرية والسيادة السياسية هى هدف الإنسان فى حياته، فيضحى بسعادته فى سبيلها؟ وهل أدى ضعف الاقتصاد والتنمية فى بعض الدول العربية إلى الدخول فى متاهات العشوائيات والفقر والافتقار إلى العدالة الاجتماعية؟ وهل يحقق الإنسان السلام والأمان بالتمنيات دون العمل الجاد والجهد اللازم؟ وهل تحول نظم الدول وعلاقاتها ببعضها دون تحقق التعاون الاقتصادى والإنمائى؟
لقد حاولت الدول الغربية أن تعثر على إكسير الرفاهية سواء كانت رفاهية الأفراد أو رفاهية المجتمعات، وحسبت فى بعض الأحيان أنها وجدت هذا الإكسير، فحسبت مرة أنها وجدته فى الحقوق الإنسانية، وحسبت مرة أخرى أنها وجدته فى تقدم الأدب والموسيقى والمسرح والفن والعلم، ولكنها لم تلبث أن عرفت خطأها عندما رأت أن الرفاهية لا تزال بعيدة عنها لانغماسها فى الحياة المادية وبعدها عن الحياة الروحية، وهل يترتب على هذا أن تكف الإنسانية عن البحث عن الجانبين المادى والروحى معاً، أم من واجبها أن تمضى فى سبيلها باحثة عنها لأنه هو أملها ولا حياة لها إذا هى لم تحتفظ به؟
وقد جرّب الإنسان فى بحثه الطويل عن الحياة الحرة الكريمة طريقتين: الأولى داخلية، بوضع حد للصراع المضطرم فى نفسه بين القوتين المادية والروحية اللتين تتكون منهما طبيعته كإنسان، والثانية خارجية: بوضع قواعد للتعاون والإخاء الخارجى القائم على تبادل التكنولوجيا بين أى شعب، وبين بقية الجنس البشرى بوجه عام، وقد اقتنعت القيادة المصرية الحكيمة بضرورة التخطيط السريع للمؤتمر الاقتصادى لمستقبل مصر والذى يتيح لها أن تتبوأ الصدارة فى الشرق الأوسط بالتكاتف مع الأشقاء فى السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن وغيرها، وقامت بسرعة لإنجازات تعوضها الكثير مما فات، وخرجت على الدنيا بمشروع محور قناة السويس الجديدة، ودخلت به إلى حيز التنفيذ الرائع خلال شهور قلائل قادمة، وبمئات المشاريع الأخرى التى تحقق التتام والتكامل للصناعات الحيوية والضرورية للمحور، ولمدن الصعيد ولإنتاج الطاقات الكهربائية البديلة ... أن مشكلة التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادى الاجتماعى هى المشكلة الإنسانية الكبرى فى مصر وهى تأمل من تحديد الطريق الذى يسير فيه الشعب ليصل إلى ما يبتغيه من تقدم ورفاهية .
وأبرز مشاكل مصر فى الوقت الحاضر هى " الصراع من أجل الدخول فى خطط التنمية المستدامة ونقل التكنولوجيا المتقدمة " كما أن حركة الزراعة لملايين الأفدنة والتصنيع لكى تغير وجه أجزاء من الصحراء المصرية فتخلق مدناً صناعية جديدة، وتغير من طبيعة السياسة الدولية، وهذا التغيير الزاحف اقتصادى اجتماعى فى جذوره، غير أن تقدمه يتميز ببعض الثورات السياسية، وها هى تلك الدول الكبرى ألمانيا وفرنسا وورسيا وإيطاليا وإسبانيا تدخل بمؤسساتها وشركاتها ومشاريعها لكى تساهم فى التنمية المستدامة بمصر لكى يتغير توزيع القوى الاقتصادية بين الأمم الكبرى فى العالم وتقترب من الدول فى العالم الثالث وعلى رأسها مصر لكى تساعدها وتقدم لها المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة .
د.نجلاء أحمد محمد يونس تكتب: التنمية المستدامة هى الحل
الإثنين، 30 مارس 2015 02:08 م
ورقة وقلم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة