توفيق الحكيم عدو المرأة.. وصورة الأم فى "عودة الروح"

الأربعاء، 04 مارس 2015 08:20 ص
توفيق الحكيم عدو المرأة.. وصورة الأم فى "عودة الروح" توفيق الحكيم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمناسبة مقدم عيد الأم فى شهر مارس الجارى يقدم الباحث أحمد عزيز زريعة، رؤية نقدية تتمثل فى قراءة صورة الأم فى رواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم.

اشتهر الحكيم بعدائه للمرأة وقد وقف فى زمانه أمام زعيمات النهضة النسوية وعلى رأسهن هدى شعراوى، كما تمثل رأيه هذا فى أغلب أعماله فانتقد المرأة كثيرًا وظهرت صورته هشة فى رتابة وأسى فانتقد فى "عودة الروح" أمه التركية وسلوكها وتعاملها بطريقة سيئة مع الفلاح حتى زوجها تنظر إليه على أنه فلاح، والفضل يرجع لها فى تمدنه وتحضره وجعله عمدة، كما ينتقد أيضًا عنصريتها وتعصبها لجنسها، ونظرتها التفريقية لأصلها التركى، وتعاملها مع الشيخ حسن وازدرائها له، فهى تقول عندما أكثر من الترحيب بها: "دوشتنا بقا... هى سيرة سلامات... إنتم ليه كده لكاكين يا فلاحين". فالحياة البسيطة وراحة البال لن يشعر بها إلا من عاشها.

ويؤكد الباحث أحمد عزيز زريعة، أن الصورة التى يقدمها الحكيم لأمه "تتصف الصورة التى يقدمها الحكيم لوالدته فى سجن العمر بالصرامة الشديدة، فهى امرأة حادة المزاج تدخل الرهبة على من حولها، يذكرها الحكيم فى مواقف عديدة صارخة فزعة أو راعدة غاضبة، من طبيعتها السيطرة وشاغلها الأول والأخير الأمور المادية البحتة، وقد استطاعت بما ورثت من مال ومساعدة زوجها أن تمتلك عزبة مساحتها سبعون فدانًا، وقد زاد ذلك من جموحها وتسلطها، إزاء ما كانت عليه من حدة وإصرار لم يكن بدٌّ لزوجها إلا أن يذعن لها".

كما يشير أحمد زريعة إلى أن الحكيم يصور والدته وهى تعامل الفلاحات بازدراءٍ واستخفافٍ أيضًا، تزدريهن بسبب فقرهن ومركزهن الاجتماعى المتردى، عندما علمت الفلاحات بقدوم الست هانم حضرن إليها بسرعة فرحاتٍ، وقد تقدمت أجرؤهن رغبة فى تقبيل يد الست هانم لكنها قابلتها بقهرٍ وازدراءٍ، تنظر إليهن كعبيد سمر الوجوه "بعيد... بعيد حاسبى توسخى فستانى". قمة الاستخفاف والإهانة، الفلاح مزدرًى وزوجته مذلولة، لا تؤمن بقيمة الفلاح،تنظر إليه باعتباره أداة يجب استغلالها.

ومع ذلك فالفلاحة ترد على والدة محسن المتعجرفة بذوق عالٍ وأدب رائق فى حلم وبشر مبتسمة الثغر وخفيفة الفؤاد "يوه! مش ستنا نبوس إيدها أمال نبوس إيد مين".

أمرت الست الهانم ناظر العزبة بالتدخل وصرف هؤلاء النسوة بعيدًا عنها، وبالفعل رضخ الشيخ حسن إلى رغبتها جبرًا واضطرارًا فرفع ذراعه فى الفضاء مرهبًا، كأنما يرهب إوزًا أو دجاجًا وقال: "يلله ياولية أنت وهيا على داركم...على داركم"، وتراجع هؤلاء النسوة متقهقرات نحو دورهن، وهن أيضًا فى بشر وحلم يزغردن، وهنا تدخل محسن واقترب من والدته وقال فى نبرة شفقة ورأفة: "ليه يا نينه تطرديهم حرام".

ويومئ أحمد عزيز الباحث فى مجال النقد الأدبى، إلى أن صورة الازدراء والاستعلاء والعجرفة تكتمل مِنْ والدة محسن عندما رفضت أن تأكل مِنْ عيش الفلاحين فهى لا تأكل غير العيش الفينو، ولا تأخذها نسبة من الرحمة الإنسانية بهؤلاء الفلاحين، وتصر على أن يذهب أحدهم إلى مدينة دمنهور فى وهج القيلولة وحرها ليأتى لها بالعيش الطازج الطرِى "إزاى عايز توكلنا عيش من بتاع الفلاحين يا راجل يا مغفل، بلاش قرف أنا أكل من العيش ده، امشى ابعت واحد فلاح يروح يجيب لى عيش افرنجى من دمنهور"، ترى أن أنجح سياسة مع الفلاح المصرى هو السوط؟!.

تحتقر والدة محسن الشيخ حسن ناظر العزبة الذى تأخذه الشفقة على الفلاحين "بس جنابك تعرفى إن الفلاح من دول بيشقى فى الغيط من الساعة 5 صباحًا وما يصدق ساعة الظهرية لأجل يرتمى تحت شجرة يستريح بعض الشىء"، لكن الفلاح فى نظر الهانم بغل جرار يجب أن يحرث صباح مساء، وهنا جَحَش محسن وتنحى جانبًا، خجلًا وحياءً.

ويوضح الباحث أن الحكيم حارب فى رواية "عودة الروح" استغلال أمه بكافة أنواعه وصوره، حارب استغلال الإقطاعيين، كشف عن أسرار هذا الاستغلال مبينًا عواره الفاحش ساعد فى إشعال الثورة، وأعلن عن مبادئها لتحقيق العدالة والحرية.

كما يؤكد أن الحكيم من خلال أمه نبه إلى نقطة الاستعمار التركى العثمانى، فلديه عزة نفس وأنفة تجعله لا يقبل الضيم على الفلاح، فينتقد والدة محسن- أمه- ابنة المغول التى لا تأخذها شفقة ولا رحمة بالفلاح، فقد أجابت الشيخ حسن عندما استرأفها لإعفاء الفلاح من جلب الخبز من البندر وهى غير مكترثة: "حرام إيه... دول فلاحين"، تتعجب هذه المرأة ابنة المستعمر المغولى وتسْتَكْثر الراحة على الفلاحين، تراهم من طبقة غير طبقتها ومن طينة أكثر حقارة ونتانة، وهى ابنة الأصول والأتراك الملوك "ما شاء الله! يستريح بعض الشىء؟ الفلاح يستريح؟! من إمتى العز ده؟!".

ينتقد الحكيم أسلوب والدة محسن وطريقة تعاملها السىء مع الفلاحين القائم على القهر والعبودية وهى التى تهدد الشيخ حسن بالعقاب "وإلا وحياة أبويا، الكرباج ينزل على عمتك دى.. جنس فلاح".

على حسب الظاهر ومن خلال المواقف السابقة والتالية يستطيع الباحث القول: إن الحكيم صور من خلالها التناقض القابع على أرض الواقع فى محاولة منه لإصلاحه، حاول تجسيد حياة الشريحة الفقيرة التى تعيش فى مصر، وخاصة الفلاح وما يتلقاه من ويلات وضعه الاقتصادى الممزق المضطهد والوضع المأسوى عامة، ومحاولة كشف الستار عن عالم الشعب الكادح، إلى جانب ما يدور فى حراك المجتمع المصرى السياسى والاجتماعى الواقع فى دائرة الوهم.

وعلى الرغم من هذه المعاملة الجافة الردئية للشيخ حسن إلا أنه كان يرد عليها بمعاملة إنسانية رائقة مؤدبة، كانت تنهره بحميتها فيسكت ويكتفى بالمشاهدة والقبول، بعد أن وافق الشيخ حسن ناظر العزبة أردفت معلقة عليه باحتقار "وإلا روح أنت بنفسك إن كنت عايز تدلعهم، ما أنت زيهم يعنى أنت كنت ابن ترك؟".

هذه المرأة لا يشغل بالها غير التظاهر أمام الاحتلال بحياة سلطان الأبهة وعيشة العظمة والملوك، تحاول دومًا إقامة علاقات وطيدة مع الاحتلال، فهى التى أشارت على زوجها بإقامة عزومة لمفتش الرى الإنجليزى ولأحد كبار موظفى الآثار الفرنسيين بمناسبة تشريفهما المدينة.

ونهاية يؤكد الباحث أحمد عزيز زريعة إلى أن أم محسن تمثل قمة الاستغلال ونهب خيرات الفلاح تبرز بقوة عندما طلبت من الشيخ حسن ناظر العزبة جمع أزواج من الحمام والدجاج من بيوت فلاحى العزبة، وقد أحضر بالفعل الشيخ حسن كل ما طلبت فى قفص " بس دول إللى لقيتهم فى العزبة، فأجاب: الفلاحون فقرا مساكين يا ست ! فقالت السيدة بجفاء: فقرا مساكين لو كنت شغلت الكرباج كنت جبت قد دول مرتين، لكن أنت ناظر غشيم ". فالفلاح لا يأكل اللحمة إلا من الموسم إلى الموسم، وتأتى تلك المرأة الجلفة تسلب إياه الخيرات.

هذه المرأة المتعجرفة تشمئز من ملابس الشيخ حسن ناظر العزبة، وتأمره بأن يذهب ليرتدى أحسن ما يمتلك، لتظهر عزومتها أحسن من عزومة المدير، لا تعلم والدة محسن أن هؤلاء القوم لا يعرفون التظاهر وحياة الأبهة الخداعة التى لن تدفع عنهم سوءًا، ولن تغنيهم خيرًا، ولن توفر لأولادهم لقمة عيش أو كِسرة خبز، هم يعيشون فى حلم وأناة وبشر.

لا تعلم أن ما يرتديه الشيخ حسن هو من أفضل ثيابه "فأجاب الرجل بصوت ضعيف متلعثم، وابتسامة الحائر الساذج الخجل وهو ينظر إلى الأرض: ما هو ده يا ست أحسن ما عندى".

والدة محسن ــ حسب ما يرى الباحث ــــ تمثل فى الرواية الاحتلال العثمانى ومحاولتها الدائمة فى إرضاء المستعمر الإنجليزى بأى شكل، كل همها المصالح الشخصية والمنفعة الدنيئة " فهى تمثل سطوة القيم الإقطاعية المستبدة، كما تمثل فى نفس الوقت تحلل هذه القيم من الداخل.

لقد قلبت بيتها غمًا وهمًا عندما طلب الضيفان: مستر بلاك ومسيو كافيه قطعة جبنة ولم تجدها، انقلب حالها حيرةً و يأسًا، وأخذت تسأل الخدم، وتلح وتتوسل متضجرة.

يختم الباحث أحمد عزيز زريعة حديثه بقوله " وكذلك حامد بك الفلاح والد محسن كان يمثل دور المتعالى وكأنهم ليسوا من طينته رغم أن سواد عينيه يكفى لأن يصبغ بحرًا أزرق بكامله ـــ على حسب وصف الحكيم ــــ وهو الذى وافق فى ربكة وعجلة على تصرفات زوجته "أيوة...أمال إيه...إبعت فلاح من إللى نايمين زى الجاموس فى الدار.." وما كان من محسن غير أنه أودع ذلك الفلاح بنظرة بعد خروجه مهانًا فِى نفسه، وأشفق محسن عليه "وأخفض الفتى بصره، وجعل يداعب أزرار سترته، متجنبًا النظر إلى والديه، وكأنه خجل من سلوكهما". ويتوقف هنا الحوار مع الناقد الواعد والباحث فى مجال النقد الأدبى الحديث وإلى لقاء آخر فى حوار جديد حول تجليات صورة الأم عند روائى نوبل نجيب محفوظ.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة