خالد عزب يكتب: "تحليل الخطاب الإعلامى" لمحمد شومان بداية لمدرسة عربية

الأربعاء، 04 مارس 2015 02:11 ص
خالد عزب يكتب: "تحليل الخطاب الإعلامى" لمحمد شومان بداية لمدرسة عربية خالد عزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "تحليل الخطاب الإعلامى، أطر نظرية ونماذج تطبيقية"، للدكتور محمد شومان. الكتاب يعد الأول من نوعه باللغة العربية، إذ تعرضت بعض الكتابات لنفس الموضوع، لكن ما جاء به المؤلف فى كتابه يعد بداية لمدرسة عربية فى تحليل الخطاب الإعلامى، تعتمد على دراسة المدارس المعروفة فى هذا المجال، والبناء عليها طبقًا لمعطيات الثقافة العربية.

يذكر محمد شومان فى كتابه أن النظر إلى استخدام اللغة كممارسة اجتماعية يعنى ضمنيًا الآتى: أولاً: أن اللغة طريقة للسلوك، كما اعترفت بذلك الفلسفة اللغوية، ودراسة العلاقات بين الرموز وتأويلها ومستخدميها واستخدامها. ثانيًا: أن اللغة طريقة للسلوك ذات موقع اجتماعى وتاريخى، ولها علاقة جدلية مع النواحى الاجتماعية الأخرى. ويقصد بالعلاقة الجدلية أن اللغة تتشكل اجتماعيًا، كما أنها تؤثر فى تشكيل المجتمع. ويستكشف التحليل النقدى للخطاب علاقة الشد بين هذين الجانبين من استخدام اللغة (تشكيل اللغة اجتماعيًا، وتشكيل المجتمع لغويًا) بدلاً من تغليب جانب من الآخر.

كما أن استخدام اللغة، فى أى نص، يؤدى دائمًا وفى آن واحد إلى تكوين هويات اجتماعية، وعلاقات اجتماعية، ونظم من المعرفة والاعتقاد. وفى حالات معينة قد يبدو أحد هذه الجوانب الثلاثة أهم من الجانبين الآخرين ولكن منطقيًا وعمليًا يمكن أن نفترض وجود تأثير على هذه الجوانب الثلاثة، بالإضافة إلى ذلك، يكون استخدام اللغة بالطريقة التقليدية عاملاً تشكيليًا يساعد على الاحتفاظ وإعادة إنتاج الهويات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ونظم المعرفة والاعتقادات السائدة، وفى الوقت ذاته يكون استخدام اللغة من خلال الطرق الإبداعية عاملاً تشكيليًا يساعد على تغيير هذه الجوانب الثلاثة. ولكن هل يتغلب التشكيل التقليدى أم التشكيل الإبداعى فى هذه العملية؟ يجيب فيركلاو: "إن الأمر يتوقف على الظروف الاجتماعية وعلى كيفية أداء اللغة لدورها فى ظل تلك الظروف، إن العلاقة بين أى حالة معينة من استخدام اللغة –أى نص معين- وبين أنماط الخطاب المتاحة قد تكون علاقة معقدة وعلاقة إبداعية".

وكما سبقت الإشارة فإن التحليل النقدى للخطاب يضع تصورًا للممارسات الخطابية لمجتمع معين –أى الطرق المعتادة لاستخدام اللغة فى هذا المجتمع- باعتبارها شبكات معينة networks أطلق عليها اسم "أنظمة الخطاب" orders of discourse. فنظام الخطاب لمؤسسة اجتماعية أو مجال اجتماعى معين يتكون من كافة الأنماط الخطابية المستخدمة بتلك المؤسسة أو ذلك المجال. والفكرة الأساسية فى مفهوم "نظام الخطاب" هى إلقاء الضوء على العلاقات القائمة بين الأنماط المختلفة فى تلك المجموعة الواردة بنظام معين. فبالنسبة للمدرسة مثلاً، هناك الأنماط الخطابية المستخدمة داخل الفصول وفى الملاعب.

وقد تكون هناك حدود جامدة بين الأنماط الخطابية المختلفة، كما يمكن فى بعض الأحيان المزج بينها بسهولة فى نصوص معينة. وينطبق نفس الوضع على العلاقات فيما بين نظم الخطاب بالمدرسة ونظام الخطاب بالمنزل، وبالتالى يمكن دراسة: هل تتداخل أنظمة الخطاب المختلفة عامة وتمتزج فى استخدام اللغة أم هناك فواصل جامدة بينها؟

إن التغيرات الاجتماعية والثقافية تنعكس خطابيًا فى أحيان كثيرة، وذلك من خلال إعادة رسم الحدود داخل وفيما بين أنظمة الخطاب، وهذه الحقيقة تنطبق على المجال الإعلامي. كذلك تكون هذه الحدود أحيانًا بؤرة للصراع والنزاع الاجتماعي. ويخلص فيركلاو إلى اعتبار أن "أنظمة الخطاب" orders of discourse تعتبر أحد مجالات الهيمنة الثقافية المحتملة، حيث تتصارع المجموعات المسيطرة للتأكيد والاحتفاظ بتركيبة معينة داخل وفيما بين أنظمة الخطاب المتاحة.

ويتميز فيركلاو بين فئتين رئيسيتين من الأنماط الخطابية المكونة لأنظمة الخطاب هما: الأنواع الأدبية والخطابات genres and discourses. فالخطاب هو اللغة المستخدمة لتمثيل ممارسة اجتماعية محددة من وجهة نظر معينة، وتنتمى الخطابات discourses بصفة عامة إلى المعرفة وإلى بناء المعرفة. على سبيل المثال يتم التعبير عن الممارسة الاجتماعية للسياسة بشكل مختلف فى الخطابات السياسية الليبرالية والاشتراكية والماركسية، كما يتم تمثيل المرض والصحة بشكل مختلف فى الخطابات الطبية التقليدية allopathic، وفى خطابات المعالجة الطبية البديلة homeopathic.

وعلى العكس من ذلك يقصد بالنوع الأدبى genre أن يكون استخدام اللغة مرتبطًا بجزء من ممارسة اجتماعية معينة ومكونًا لذلك الجزء. وعلى سبيل المثال فإن إجراء أو تقديم إعلان يختلف بحسب نوع الحديث أو نوع الإعلان، لكن تركيبة الحديث أيًا كان نوعه تختلف تمامًا عن تركيبة الإعلان أيًا كان نوعه.

إن تحليل أى نمط معين من الخطابات، بما فى ذلك الخطاب الإعلامي، يستلزم تناوب التركيز على نقطتين توأمتين ومتكاملتين وأساسيتين هما: الأحداث الاتصالية communicative events، ونظام الخطاب the order of discourse.

حيث يهتم المحلل بنص معين مرتبط بأحداث اتصالية محددة، كالمقالة الافتتاحية فى جريدة معينة أو فيلم تسجيلى تلفزيوني، ويتركز الاهتمام دائمًا فى هذا المجال على الاستمرارية والتغيير –أى كيف يبدو هذا النص معياريًا بحيث يعكس أنماط وأشكال formats مألوفة- وكيف يبدو هذا النص إبداعى بحيث يستخدم موارد قديمة بطريقة جديدة؟

ويهتم شومان بالتعرض لاجتهادات البنيويين بشأن تعريف واستخدام الخطاب، مع الإشارة إلى مصطلح المنطوق لارتباطه الكبير بمصطلح الخطاب، ويقدم D.Maingueneau ستة تعريفات أو استخدامات مختلفة لمصطلح الخطاب.

1. أن الخطاب discourse مرادف لمفهوم الكلام parole عند سوسير بالمعنى المتعارف عليه فى علم اللغويات البنيوية، أى دراسة الكلام وليس اللغة بما يستتبع ذلك من وضع المتكلم فى الاعتبار دون الاهتمام باللغة كبنية وقواعد.
2. الاستخدام الثانى للخطاب لا يتم فيه الربط بين الخطاب وبين الفاعل، ولكن الخطاب يستعمل كوحدة لغوية ذات بعد يتجاوز الجملة، أى التعامل مع الخطاب كنص جاهز، كرسالة كلية، كمنطوق enounce.
3. أن يدمج الخطاب فى التحليل اللغوي، بحيث يوضع فى الاعتبار مجموع قواعد تسلسل الجمل المكونة للمنطوق، ويعد Harris.Z الأمريكى أول من اقترح ذلك.
4. وفقًا لما يمكن أن يطلق عليه المدرسة الفرنسية، يطرح مفهوم المنطوق بالتعارض مع مفهوم الخطاب فى تعريف واقعى للغاية، فالخطاب هو المنطوق من وجهة نظر نظام الخطاب (الميكانيزم الخطابي) الذى تحكم إنتاجه ظروف وشروط معينة، ومن ثم فإن النظر إلى النص من منظور بنائه كلغة يجعل منه منطوقًا، ومن ناحية أخرى فإن دراسة ظروف أو شروط إنتاج هذا النص ذاته تجعل منه خطابًا.
5. ثمة استخدام خامس لمفهوم الخطاب، وذلك بإدماج نظريات إنتاج المنطوق enunciation فى إطار مفهوم الخطاب. ووفقًا لهذا المعنى يقول Benevenist: إن إنتاج المنطوق يفترض التحول الفردى للغة لتكون خطابًا، وهو يقدم التعريف التالي: يجب استخدام الخطاب فى أوسع معانيه، أى من حيث هو كل إنتاج للمنطوق يفترض متكلمًا Acuter ومستمعًا auditor، بحيث يتوافر عند الأول قصد التأثير على الآخر بطريقة ما.
6. يعكس الاستخدام الأخير لمفهوم الخطاب بعض الفروق مع الاستخدامات الأخرى، حيث يطرح مفهوم الخطاب بالتعارض مع مفهوم اللغة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

المنطوق+موقف الاتصال= خطاب
تراث لغوى= خصوصية
معنى= دلالة

ويؤكد Paul Ricceur أن الخطاب هو عكس ما يطلق عليه اللغويون نظام أو كود لغة، فالخطاب هو حدث الكلام، وإذا كان الرمز (الصوتى أو المعجمي) هو الوحدة الأساسية للكلام، فإن الجملة هى الوحدة الأساسية للخطاب، ولهذا فإن التركيب اللغوى للجملة هو الذى يساند نظرية الخطاب كحدث.

وهناك أربعة مستويات للخطاب تميزه عن اللغة؛ هى:
1. أنه يتحقق دائمًا بشكل مادى وفى الحاضر، بينما نظام اللغة هو نظام فرضى وخارج الزمن.
2. أنه يشير إلى فاعله نظرًا لوجود مجموعة معقدة من الآليات، مثل: الضمائر، بينما اللغة لا تتطلب بالضرورة وجود أى فاعل.
3. يشير الخطاب إلى عالم هو الذى يقوم بصياغته والتعبير عنه وتقديمه، بينما رموز اللغة تشير فقط إلى رموز أخرى داخل نفس النظام، ومن خلال الخطاب تتجسد زمنيًا فى الحاضر الوظيفة الرمزية للغة، كما أن اللغة ليس لها عالم خاص، وتتجرد عن التجسيد وعن الذاتية.
4. بينما اللغة هى فقط شرط من شروط الاتصال لأنها توفر الرموز، فإن تبادل الرسائل يتم من خلال الخطاب فقط، بما يعنى أن الخطاب ليس له عالم فقط ولكن له أيضًا عالم آخر هو المتوجه إليه بالحديث.

ورغم تعدد وتداخل واختلاف مفاهيم الخطاب، فمن الثابت أن المصطلح يعتبر تاريخيًا مقولة من مقولات علم المنطق تعنى التعبير عن فكر متدرج بوساطة قضايا مترابطة، ثم أجيز بعد ذلك إطلاقه على العمل البحثى بدءًا من القرن السابع عشر، وكان ملتقى بن رشيق بالجزائر فى مايو 1980 قد تبنى مصطلح الخطاب بوصفه أفضل من الحديث أو القول أو أشمل من المقال، وأيسر من الأقاويل المستخدمة عند قدامى الفلاسفة العرب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة