«كريستوف» الذى صدرت روايته عن مصر وعن الإرهاب فى برلين عام 2006، احتاج لكتابتها سنوات من العمل والبحث فى تاريخ الجهاديين، بدأ منذ عام 1993 حينما زار مصر، وأقام بها بعدما اعتنق الإسلام، وبدأ يجمع مادة روائية عن الإرهابيين الذين ارتكبوا آنذاك أعمالًا إرهابية مروعة فى التسعينيات.. فى هذا الحوار الذى جاء على هامش احتفاله بإطلاق ترجمة روايته «حجرة فى دار الحرب» عن المركز القومى للترجمة، سألته عن المصادفة التى يعيشها الآن بزيارته لمصر مجددًا وهى تخوض معركة جديدة مع الإرهاب، تفوق المعركة التى شهد بعضًا منها، وجاءت قصص منها فى روايته، وكيف يرى هذا المشهد فى الواقع المصرى الآن.
حجرة فى دار الحرب
يقول كريستوف بيترس: مدهش جدًا أن أعود مرة أخرى فأرى الأماكن السياحية خالية تقريبًا من الزوار، كان هذا عكس المعتاد فى الأماكن السياحية، مثل الأهرامات وخان الخليلى، أعتقد أن المواجهة المستمرة لمصر مع الإرهاب لها عدة أسباب، فكرت فيها كالتالى، أولًا هى ليست مصادفة غريبة، فهناك أسباب أدت لهذه الأوضاع، لا يزال هناك العديد من المتعلمين الجيدين لا يجدون وظائف، فيلتحقون بجماعات إسلامية، كما أن هناك كثيرين ممن لم يحظوا بتعليم جيد يجدون فى الجماعات المتطرفة ملجأ لهم، وأعتقد أن المشكلة أن المتطلبات الحياتية للشباب لم تعد محلولة بشكل كاف، ما بين العهدين، ما بين تاريخ زيارتى الأول عام 1993، وتاريخ زيارتى الثانية هذا العام، بما يعنى أن المشاكل ستستمر، وربما ستنتج أجيالًا من المتطرفين، خاصة مع استمرار عقول الناس فى تبادل أفكار متطرفة تبثها جماعات متطرفة.. أنت بحاجة لمعالجة هذه الأسباب التى خلفها نظام مبارك، ونظام السيسى لم يزل طازجًا، ولا أستطيع أن أحكم كيف سيعالج هذه المشكلات.
بادرته قائلا: بدأت روايتك «حجرة فى دار الحرب» بمشهد شاب ألمانى اعتنق الأفكار المتطرفة، ويشارك فى عملية إرهابية بصعيد مصر، هل شعرت بالخوف من قارئك بينما تكتب هذه الرواية؟
- يقول «كريستوف»: عندما بدأت كتابة الرواية كانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 قد حلت، وكانت الناس تتحدث عن الأسباب التى تدفع أحدهم بالانخراط فى مثل هذه المجموعات المتطرفة، وعندما صدرت الرواية فى 2006، معظم النقاد تناولوها بفكرة هل أوضحت خطورة الجماعات المتطرفة أم لا، وكانت هناك مناقشات غير جادة وغير نقدية عن الإسلامى الجهادى، أو عن سبل تفكير الإسلام، على الرغم من أن روايتى كانت هى أول رواية ألمانية تصدر فى برلين خريف عام 2006 تتناول شخصية شاب ألمانى يتحول إلى متطرف، ويتورط فى تنفيذ عمليات إرهابية بالشرق الأوسط، كان هناك فقط بعض الكليشيهات عن الإسلام وعن الإسلاميين الأوروبيين، لكن لم يكن هناك نقد أدبى ألمانى عما هو إسلامى، أو سبل التفكير الإسلامى، كان كتابى هو أول عمل روائى يتناول هذا الجانب، ويسلط عليه الضوء، كانت هناك بعض الأعمال الروائية الغربية الأخرى بالطبع، لكن روايتى كانت الأولى فى أوروبا التى تتعامل مع هذه الفكرة قبل أحداث البرجين، نظرًا لأننى جئت من أسرة ألمانية وبعض أعضائها مصرى، وكنت خلال عملى على الرواية قد اتصلت بأحد أنصار أسامة بن لادن الذى جاء فعلًا إلى أوروبا بحثًا عن شباب يجندهم لتنظيم «القاعدة»، وعرض علىّ فعلا الذهاب إلى البوسنة والشيشان للجهاد.
مدرس يتحدث عن الإسلام
كيف كانت ردود فعل الصحافة والإعلام فى ألمانيا على روايتك؟
- لم يكن المجتمع الألمانى محبًا لقراءة عمل يتناول انحراف شاب من أبنائه للتطرف الجهادى الإسلامى، وكنت خائفًا من استهدافى بواسطة الجماعات المتطرفة الإسلامية، كذلك كنت خائفًا من الجماعات الليبرالية، وتمت مهاجمتى بواسطة الصحف بطريقة لم أتخيلها، فقد شنوا علىّ هجومًا قبيحًا ومروعًا فى مقالاتهم، كانت مقالات قبيحة جدًا، وغير متوقعة، ولم أظن أننى سأتخطاها لولا أننى لم آخذها بمحمل شخصى، وحينما كنت أقف على المسرح لأناقش القراء فى الرواية، كنت أشعر بأننى مدرس يتحدث عن الإسلام، ويدافع عنه، وكنت متهمًا دائمًا بأننى أروج لفكرة التطرف والإرهاب، وأننى لم أكن واضحًا تمامًا فى وصفى لهم فى الرواية بأنهم أشرار، ولا أعتقد أن هذا كان دورى، خاصة أننى أتعامل مع عمل أدبى.
كيف تمكنت فى النهاية من التعامل مع هذا الهجوم الحاد من الصحافة؟
- كنت مصدومًا من الصحفيين الذين شنوا علىّ مثل هذا الهجوم الذى لم يكن أدبيًا فى معظمه، بل كان حوارًا غير عميق أدى فى النهاية لما يشبه المقالات السياسية التى ليس لها معنى، ولم تسفر عن أى مناقشات جادة.
يجعلنى هذا أعود بك إلى بداية مناقشتنا، أنتم فى ألمانيا حللتم مشاكل عديدة من البطالة وغيرها، ومع ذلك لديكم شباب انخرطوا فى صفوف «داعش»؟
- إذا أردت أن تسألنى لماذا الألمان ينخرطون فى صفوف «داعش»، سأقول إنهم فى النهاية مجرد أعداد قليلة، وليسوا بالآلاف، وهناك عدة دوافع لهم، منهم من جاء من صفوف إجرامية، منهم أعضاء فى عصابات، ومنهم كذلك من لم يتلقوا تعليمًا جيدًا حتى من الألمان، وهناك أيضًا أبناء بعض الهجرات ممن لم يتخلصوا بعد من تقاليد بالية، وتورطوا فى أعمال عنف وجرائم وحرب عصابات شوارع، ولديهم مشاعر عدائية تجاه العالم، وإذا جاءهم شخص وقال لهم إنها ليست مشكلتكم، وإن عليكم أن تتحركوا تجاه الله، هؤلاء أيضًا يظنون أنفسهم أبطالًا، أو يطمعون أن يكونوا أبطالًا، بالنسبة للألمان الذين يتورطون فى الانضمام لصفوف «داعش»، بعضهم يرى أن الجهادية هى شكل من أشكال «الموضة»، كأن تصبغ شعرك بالأحمر، وتضع وشمًا ما على جسدك، وتصرخ فى الشوارع، وتتعاطى الكحوليات، وتخيف الناس منك، بعض الشباب الألمانى الذين يتعاطون المخدرات أو الكحوليات، ويرفضون العمل، ويرغبون فى أن يصدموا عائلاتهم بتحولاتهم الغريبة، سيجدون فى «الجلابية» مثلًا بغيتهم، أو وسيلة من أجل لفت الأنظار. الأجيال الجديدة فى أوروبا ترغب فى صدم المجتمعات، والتمرد عليها، والتحول لمجتمعات أخرى.
هل كان من السهل أن تعمل على هذه الرواية؟ هل تعرضت لمتاعب خلال كتابتها؟
- التقيت شخصًا من أنصار أسامة بن لادن، التقيته فى الحقيقة عدة مرات، وكانت مهمته البحث عن شباب لتجنيدهم، كان فلسطينى الأصل، وكانت تجربة لقائه مثمرة جدًا لكتابة الرواية، خضنا سويًا مناقشات عديدة حول الجهاد، وضرورة أن تضحى بنفسك من أجل الجهاد، تحدثنا عدة مرات، واكتشفت أننى موضوع تحت المراقبة، خاصة بعدما دخلت عدة مرات على صفحات ومواقع إلكترونية تتبع جهاديين، كان بحثًا خطيرًا ذلك الذى أجريته، لكنه جعلنى أطمئن ليقظة الأمن فى ألمانيا، حيث تعقبوا بحثى، وعثروا على ما كنت أتبادله مع هؤلاء الجهاديين، ذلك كان مطمئنًا لى على أن الأمن مستيقظ وواع، حتى أنهم دخلوا منزلى، وحصلوا على كتاب كنت أعمل عليه، وأسجل فيه ملاحظاتى، كنت لأشك فى قدراتهم على ملاحقة الإرهابيين إذا لم يصلوا إلىّ.
فى الرواية هناك شخصية سفير ألمانى كان فى شبابه معارضًا للنظام فى ألمانيا، ثم أصبح سفيرًا بعد ذلك، متخليًا عن أفكاره المعارضة، هل هى طريقة ناجحة لمواجهة الإرهابيين بمحاولة إدماجهم فى النظام؟
- النظام السياسى المعقد فى ألمانيا خلال السبعينيات خلق العديد من الحركات السياسية المناوئة لأمريكا، وبعضهم استخدم العنف، لكنهم لم يتورطوا فى ارتكاب جرائم، وزير خارجيتنا يوشكا فيشر نفسه كان على بعد خطوة من أن يكون إرهابيًا، لكنه لم يتورط فى ارتكاب جرائم لحسن الحظ.. إذا تورط الناس فى ارتكاب جرائم يجب أن تعاقبهم على جرائمهم، لا يمكن أن تفر من جريمة قتلك لأبرياء.
أنت كمسلم، ما أكثر شىء أخافك حينما بدأ تنظيم «داعش» الإرهابى يرتكب جرائمه؟
- هؤلاء الناس مجرمون، ويجب أن يتم عقابهم بأقصى قوة، حينما سمعت عن جرائمهم للمرة الأولى شعرت شخصيًا كمسلم بأن هؤلاء الناس يسيئون جدًا للإسلام ويدمرونه، شعرت بالغضب لأنهم يدمرون كل معنى إيجابى للإسلام، والوجه الحضارى له، ويعطونه وجهًا قبيحًا للأوروبيين الذين يظنون أن ممارستهم هى الإسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة