أرسل (ج) إلى "افتح قلبك" يقول: أنا شاب عمرى 38 سنة، لكنى أشعر وكأنى تجاوزت الثمانين من عمري، لأنى مررت بأكثر من تجربة صعبة فى حياتي، بداية من وفاة أمى وأنا طفل صغير، ثم تعثرى فى الدراسة، ثم زواج والدى من امرأة أقل ما يقال عنها إنها بلا قلب، إلى معاناة التخرج، ثم معاناة العثور على عمل، وأخيرا 3 تجارب فاشلة للارتباط.. عندما أراجع شريط حياتى أشعر كم أنا شقى، فها أنا وبعد كل هذا العمر بلا عمل مستقر، بلا زوجة، بلا أولاد، وما زلت أعيش مع والدى وزوجته فى منزله.
طالما حاولت التظاهر باللامبالاة، وكنت أجيد تمثيل دور الراضى جيدا أمام الآخرين، لكنى ولا أخفيكى سرا أشعر بغضب وحنق لا حد لهما بداخلي، صدقينى أنا غير راض بهذه المشاعر، فأنا أعرف أنها ستغضب ربى منى أكثر وأكثر، لكنى لا أستطيع أن أضحك على نفسى، و لا عليه، فهو عالم بما فى نفسى حتى وإن أخفيته عن الناس جميعا.
أتابع بابك منذ سنتين تقريبا، وتعجبنى ردودك جدا، لهذا قررت ولأول مرة أن أطلع أحدا على مكنون صدري، علّك تساعدينى فى تغييره، قبل أن أخسر الدنيا والآخرة أيضا.. فدائما ما يتردد فى ذهنى سؤال واحد، وهو (اشمعنى أنا؟)، بينما ينعم غيرى بنعم لا تحصى و لا تعد.. أرجو ألا تتهمينى بالكفر أو ما شابه كما سيتهمنى الكثيرون، لأنى (ما صدقت) أجد أحدا أصارحه بما فى قلبي، دون أن أكون مضطرا لتجميل موقفى أو مشاعرى.
وإليك أقول:
أتعرف يا سيدى ما هو أكثر شىء يجعلنا نجزع من مشاكل الدنيا؟، ونتحسر على ما فقدناه فيها؟، هو أننا لا نستشعر حقا أنها عابرة، وأنها ليست هى الحياة الحق، وأنها مجرد فصل من فصول رواية حياتنا..
تخيل معى حياة أى إنسان فينا، ستجدها تبدأ بالفصل الذى يعيشه فى بطن أمه، ثم الفصل الذى يعيشه فى الدنيا، ثم الفصل الذى يعيشه فى قبره (حياة البرزخ)، ثم الفصل الأخير.. فصل الخلود والحياة اللانهائية، والذى هو الأهم من بين كل الفصول، فمن فاز فيه كان ذلك هو الفوز الحق، كما ورد فى الآية الكريمة (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) 185 آل عمران.
فلو فرضنا أنك تقرأ رواية عانى بطلها فى أحد فصولها، ثم كوفئ على هذا العناء فى الفصل الأخير من الرواية، هل كنت ستقول عليه شقى وتعيس؟، أم كنت ستفكر فى أنه كان عليه أن يصبر ويتحمل فى ذلك الفصل العابر، طالما أنه سيفز ويفرح فى الفصل النهائى الذى لا شىء بعده؟.. هكذا حياتنا يا سيدي، فصول، وحياتنا الدنيا هى أقصر فصولها، لهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام (كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فعابر السبيل عندما يمر على مكان يعرف أنه لن يستقر فيه طويلا لا يهتم بهيئته، سواء كان جميلا أو كاملا أو مريحا أو لا، كل ما يهمه فيه هو أن يأخذ منه حاجته التى توصله إلى وجهته الأساسية وفقط.
لذا وجب علينا أن ننظر إلى دنيانا بهذه الطريقة، على أنها مجرد وسيلة للوصول إلى الحياة الحقيقية الأبدية الخالدة، فإن وجدنا بها نعم جعلناها تقربنا من الله عز وجل بالحمد والشكر، والبذل والعطاء منها، وإن وجدنا بها محن جعلناها تحملنا إلى الله بالذل والانكسار بين يديه، والدعاء والتودد إليه، فهناك مقولة رائعة تقول (إن الله ينشئ لنا الحاجات حتى يدفعنا دفعا إلى بابه)، فإن أكثر ما يشغلنا عن الله عطاياه، وليست بلاياه، فالنعم والمنح والعطايا تجعل الإنسان يشعر بالاستغناء عن ربه (كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) 7,6 العلق، (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه) 83 الإسراء، وهذا ما يحدث فعلا، فأغلبنا - إلا من رحم ربى - يفرح ويغفل ويلهو عن ربه طالما كانت الحياة ميسرة ومنعمة، ولا يتذكره ويعود إليه إلا حينما تضيق به، وتصعب عليه، فيكون التضييق على العبد رحمة له وبه، لأنه سيرده إلى الله رغما عن أنفه، فيقترب، ويتضرع، ويتذلل فتعلو درجاته ويثاب رغم أنفه أيضا، وهو الذى لم يكن بفاعل أى من هذا لولا الضيق والبلاءات، وهذا ما يقوله الحديث القدسى، الذى يخبر فيه الله عن نفسه (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى) فالله يريد لك أن يكون عندك، وما الذى يجعل القلوب تنكسر غير المحن والشدائد؟
فكّر لو أنه لن يدخل الجنة سوى العابدين لله حقا، المصلين القائمين الصائمين المتصدقين.. إلخ، ما كان أحد ليستحق أن يدخل الجنة إلا قليلين جدا، أليس كذلك؟، لكن الله أراد أن يمنّ على كثير من عباده بهذا الفضل العظيم، وهو إدخالهم الجنة، فجعل لكل واحد منهم بابه ووسيلته لدخولها، فهذا اختبره بالفقر، وهذه بالمرض، وهذا بموت الأحباب، وهذه بتأخر الزواج، وهذا بعدم الإنجاب وهذا وهذا وهذا.. فتكون الابتلاءات هى وسيلتهم لرفع الدرجات، ودخول الجنات، التى لم يكونوا ليستحقوها أبدا بأعمالهم وحدها.
لا تعتقد أنى أقول لك هذا الكلام وأنا أحسن منك حالا، أو أكثر منك إيمانا، وإنما جميعنا بشر نحتاج إلى من يذكرنا بين الحين والحين بحقيقة الدنيا، وبالسبب الحقيقى لوجودنا فيها، فهى (دار ممر) كما يقولون، أى أنها مجرد مرحلة تمر منها إلى وجهتك الأصلية، والتى ستلقى فيها جزاءك الحقيقى، فخذ منها ما يوصلك ويبلغك مرادك، وهو النعيم السرمدى، حيث لا ألم ولا مرض ولا فقر ولا حاجة ولا فراق ولا خسارة.
تسأل نفسك (اشمعنى أنا)؟ الآن، لأنه وقت البلاء والصبر عليه، لكن من المؤكد أنك لن تسأل نفس السؤال فى الآخرة، وقت الجزاء والأجر والفرح بهما.. صدقنى سترضى عن ربك تمام الرضا حينما تفكر فى حجم الأجر والثواب الذى ينتظرك فى الآخرة إذا نجحت فى الاختبار، وصبرت على ما مر بك، وعندما تدرك أن ما أنت فيه لم يكن إلا لتنال درجة ما كنت لتدركها بعملك أو بعبادتك يوما ما.
اقترب من الله، ادعُه، استعن به، وخذ بكل الأسباب التى تستطيعها حتى تغير من وضعك إلى الأحسن، لكن وأنت راض عن كل ما جرى، و ما سيجرى - أيا كانت النتائج - ومن أدراك لعل الله يجمع لك بين الحسنيين، فيفرج عنك فى الدنيا قريبا، ويفرح قلبك بالثواب فى الآخرة أيضا، (فمن رضى فله الرضا، و من سخط فله السخط).
الصفحة الرسمية للدكتورة هبة ياسين على "فيس بوك":
Dr. Heba Yassin
د.هبة ياسين
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلمه
بار ك الله فيكى
يا د / هبه أحبــــــــك فى الله
عدد الردود 0
بواسطة:
emy
رد مقنع ياد/ هبة
تحياتي لكي
عدد الردود 0
بواسطة:
ندى
فقدان الامل
عدد الردود 0
بواسطة:
Mahmoud
جزاك الله كل خير