أنت تحتاج إلى أمر ما مُلّح وضرورى ولا يمكن الاستغناء عنه، وقد تتوقف عليه حياتك، تعرف من يستطيع أن يساعدك لكنه ليس الشخص المناسب للمهمة، بل هو يعرف من يناسبها ومن يُمكنه تنفيذها، فيُخبرك أنه سيقوم بالاتصال به لتنفيذ مطلبك وجعله يتحول إلى حقيقة، تبتهج فى قرارة نفسك وتقول لها "فعلا الواسطة حلوة بردو" –لكن- "يا فرحة ما تمت"، لماذا؟! لأن الشخص الذى تعرفه يقوم بالفعل بالاتصال بالشخصية السحرية التى ستجعل حلمك حقيقة أخيرًا، ولأنهما صديقان لن يرفض طلب صديقه رغم أنه –سرًا- لا يُفكر فى القبول، وسيقول لصديقه اجعل صاحب الطلب يتصل بى حتى أتمكن من فعل اللازم، فيشكره صديقه على موقفه الطيب وسعة صدره، ويأتى لصاحب الحاجة مُسرعًا ليقول له اتصل به فهو فى انتظارك، فتفعل ما تؤمر به وتتصل، يأتيك صوت من الجهة الأخرى أقل وصف له أنه فى قمة التعالى والتكبر، يتحدث إليك وكأنه بيده مقادير حياتك ويُشعرك فى نبرة صوته أنه منقذك الذى لن تتمكن من عمل ما ترغب به دونه، يُقنعك أنه عليك إرسال طلب كذا على الإيميل الذى سيرسله لك، ومعه بعض الأوراق وبمجرد إرسالك المطلوب سيتحقق مرادك فورًا، وعندما تستبشر خيرًا بهذا الكلام رغم الإحساس الذى وصل لكَ عن عجرفته، تتصل بالوسيط تشكره على جميل صنعه، وتنتظر الإيميل على أحر من الجمر، يمر يوم، اثنين، ثلاثة، أسبوع ولا يرسل لك شيئًا، وهنا يأتى السؤال، هل من حق مسئول ما التهاون لهذه الدرجة بمقدرات الناس؟!، أليس هو موجود فى منصبه هذا من أجل خدمة غيره وتحقيق مأربه؟!، ولماذا لا يقول للوسيط كلمة "لا لن أقدر على فعل هذا الأمر"؟ هل لخوفه على صورته أمام صديقه حتى لا تهتز؟!، أم لتصوير نفسه بصورة المنقذ حلاّل الأمور المستعصية؟!، ثم ما ثمن الانتظار الذى طال؟ من سيدفع فاتورة التسويف وكل هذا الوقت المهدور؟ صاحب المسألة الذى وثق فى المسئول وبتلبيته لمسألته؟ أم المسئول نفسه الذى قال كلام فى "الهوا" لمجرد الطبطبة على ثقة صديقه، أم الوسيط الذى تحمّل مشقة توصيل الحاجة المهمة لمن بيده الأمر والنهى؟!!، لا أدرى أين الإجابة ولا أعرفها، كل الذى أعرفه أن ثقافة السلطة والنفوذ ستظل تتحكم فيمن لديه مصلحة ما، وعليه أن يُصدق أنها ستُقضى – حتى وإن لم يحدث ذلك – وعليه أن يظل يوّسط من يستطع أن يصل لصاحب كرسى المصلحة ولا يسأم ولا يمل، إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولا، إنها قصة قصيرة عن معاناة أصحاب الحاجات مع من يمتلكون السلطة والنفوذ، ولازالت القصة مستمرة.
ورقة وقلم - أرشيفية