إنه من ضمن المشكلات التى يتعرض لها من يقع على عاتقه تطوير التعليم فى عالمنا العربى هو المنهجية التى تحكم الفكر الذى يضع استراتيجية العمل المؤسسى للمنظومة التعليمية والتربوية المزمع تطويرها، فمن ناحية نجد أن البعض يؤيد توجيه الدفة نحو النموذج الغربى ومحاكاته كما هو ومقارنة ما يتم إنجازه بما وصل إليه الغرب، ومن ناحية أخرى يرى البعض أن النموذج الذى يجب أن نحاكيه يجب أن يكون نابعًا من تاريخنا القديم ومن العصور الوسطى حيث الإرث الثقافى للأجداد الذين صنعوا حضارة فى الماضى.
وفى حقيقة الأمر يظهر هذا الصراع بين وجهتى النظر فى جميع المجالات والتخصصات والمؤسسات فى مجتمعنا العربى، مما يجعلنا نعيش فى حالة صراع مع أنفسنا طوال الوقت بين فكر تقدمى متطرف يريد النهضة عن طريق محاكاة كل ما يأتى من الغرب وفكر رجعى ظلامى ينتشر فى كل المؤسسات نتيجة الجهل وأحادية التفكير وسطحية المنهج.
إن الفكر الرجعى المتطرف غالبًا ما يؤدى إلى تخلف المؤسسات وتحويلها إلى أوكار مظلمة تنتشر فيها موبقات الجهل وضيق الأفق والتشدد والاعتداد بالرأى والعداء مع كل ما هو مخالف أو مختلف، ومحاربة كل ما هو ناجح طالما يبعد عن المنهجية الرجعية الظلامية المتطرفة.
وكذلك أقول إن الفكر التقدمى الذى يسعى للتطوير عن طريق محاكاة النموذج الغربى كما هو لا يقل خطورة و تطرف عن الرجعية الظلامية، فالتغريبى عندما يحاكى النموذج الغربى ويستنسخ تجاربه كما هى ويسعى لكى يكون كل ما حوله غربى إنما هو فى الحقيقة يمسخ الوعى الثقافى العربى ويجعل الشعب مغتربا عن تراثه وبعيدا عن تاريخه وتائها عن تحقيق أهداف أمته.
لقد أوضح النبى صلى الله عليه وسلم وبين لنا المنهجية التنويرية السليمة الصحيحة التى يجب أن نضعها دائما نصب أعيننا ألا وهى المنهجية الوسطية التى تقف فى موضع التعارف والانفتاح على الآخر، فالله عز وجل جعل الاختلاف سنة الحياة ولو شاء لجعل العالم أمة واحدة وحضارة واحدة و لكن من حكمته سبحانه و تعالى أن نكون مختلفين كى نتعارف ونتآلف وتستفيد كل حضارة من الحضارات الأخرى التى تختلف عنها. لذلك فإن منهجية الوسط يجب أن تحكم التفكير الاستراتيجى الذى يدير المؤسسات، فلا استنساخ ونقل لكل ما هو غربى، ولا انغلاق متطرف نحو الماضى، لذلك أرى أن الرؤية والرسالة لأى مؤسسة يجب أن تضعها المؤسسة بنفسها وتكون نابعة من الأصول الثقافية والحضارية للمجتمع أما طريقة تحقيق أهداف هذه الرؤية والرسالة فيجب أن نستجلب لها خبراء من شتى أنحاء العالم كى نستفيد مما وصل إليه الآخر ونتعلم منه ونطور ما تعلمناه وبهذا تتحقق رؤيتنا ونحافظ على ثقافتنا دون مسخ أو تخلف.
عاشت مصر.. عاشت أمتنا العربية.
محمد محمد السعيد عيسى يكتب: التعليم بين الرجعية والتغريب
الجمعة، 03 أبريل 2015 12:04 ص
فصل دراسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة