نقلا عن العدد اليومى...
طبيب نفسى: يأخذها الشباب كمسكنات لآلام البطالة.. وأى شخص يمكن أن يصبح مدرباً فى 36 ساعة ويبدأ فى جمع الأموال من المخدوعين.. ومراكز وهمية تعتمد عرباً ومصريين
احجز مقعدك من الآن، الأماكن محدودة، فرصة لا تعوض ونحن تلاميذ الدكتور إبراهيم الفقى.. مئات الآلاف من الإعلانات والشعارات لكورسات بمئات الجنيهات، باتت معلقة على ناصية كل شارع بمصر، تدعو الطلبة والخريجين للتنفيس عن غضبهم من المجتمع الذى أصابهم بأمراض البطالة والوساطة والمحسوبية، بإعطائهم جرعة حماس مفرطة على يد مدرب تنمية بشرية أخذ لتوه 36 ساعة هى مدة برنامج تدريب المدربين TOT، يقنعهم أنه بدفع الفيزيتا أو ثمن الكورس، وجلوسهم وسط 100 طالب آخر أو أكثر لمدة 4 ساعات أمامه تنفتح بعدها لهم كل الأبواب المغلقة.. لذا وانطلاقاً من مبدأ البحث عن الحقيقة وحماية المجتمع كان لابد لنا أن نتحدث عن المسكوت عنه ونصل لماهية مراكز ومدربى التنمية البشرية فى مصر بين شقى العلم والخداع.
علم النفس: «مُسكن» من لا مهنة له
فى البداية يؤكد الدكتور «مينا جورجى» نائب مدير قسم التأهيل النفسى بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، أن كورسات التنمية البشرية بدأت تنتشر فى مصر بداية من عام 2003/2004، وبدأ مدربوها يلعبون على منطقة المقابلات الشخصية والسيرة الذاتية التى يقدمها الشخص للتقدم للعمل، ليقنعوهم بأن المشكلة ليست فى ضعف مؤهلاتهم أو مشكلة البطالة، وإنما فى عدم قدرتهم على التعامل، والذى يعنى تفسير الإنسان للألم Intellectualization، باستخدام علم منطقة الألم أو منطقته على أنه شىء طبيعى ليقل شعوره به، وقال «جورجى»: «هذه الكورسات مثل الترامادول أخذه الناس فى البداية كمسكن ثم تحول الأمر لإدمان، ويأتى لى يومياً مرضى حاولوا علاج الاكتئاب بأخذ هذه الكورسات دون جدوى، فأمنعهم منها فوراً وأؤكد لهم أن هذه الكورسات سبب رئيسى فى الاكتئاب، بسبب عدم مساواة الطموحات التى يبنيها مدرب التنمية بالشرية بالوهم داخل المتدرب بالواقع الحقيقى الذى يجده عقب ذلك».
وأضاف نائب رئيس قسم التأهيل النفسى: «مشكلة التنمية البشرية أنها بتطلع المشاعر لمستوى العقل فبتبوظها لأن المشاعر بتدفن القدرات الحقيقية للإنسان، وأخطر ما يفعله هؤلاء المدربون أنهم يستخدمون مبدأ دوس على الزرار، ويأخذون ساترا دينيا فى بعض أجزاء كورساتهم للتأكيد على أنه لا تعارض بين العقل والإيمان وللدخول نفسيا إلى الشخص الجالس أمامهم مع أن الأديان السماوية تطالب الإنسان بالسعى والعمل وليس مجرد التحفيز بالوهم».
خبير دولى: مراكز النصب باسم «التنمية» موضة
يؤكد الدكتور حسن وجيه خبير التفاوض الدولى، أن حمل لقب مدرب ليس سهلا كما هو الحال الآن فى مصر، حيث استطاع وجيه التدريب بعد حصوله على 2 ماجيستير ودكتوراه لـ100 ساعة فى تخصص التفاوض الذى يدرسه بعض مدربى التنمية البشرية دون اعتماد أو دراسة، وقال «وجيه»: «الدراسة مع الخبرة والتدريب هى المعادلة التى يجب أن تتوافر فى المدرب، ويجب أن يدرس كل منا فى تخصصه وليس كما يفعل بعض مدربى التنمية البشرية الذين يدرسون لأى شخص من أى مجال ومعظمهم غير مؤهلين، ويخرج المتدرب دون أن يستفيد شيئاً سوى بعض الحماسة والفكاهة خلال الكورس».
وأضاف أستاذ التفاوض الدولى: «هناك مراكز حقيقية ومعتمدة فعلا ومراكز أخرى تعمل بالتزوير والنصب، وللأسف ينساق المجتمع وراء التنمية البشرية لأنها الموضة فى هذه الأيام والناس تحب أن تمشى عالموضة».
«ليه تضيع 10 أيام.. لما ممكن تبقى مدرب معتمد فى 36 ساعة؟»
إذا كنت تشعر باليأس ووقعت أنت أيضًا ضحية لأزمة البطالة، وتريد أن تعرف طريقًا مختصرًا للنجاح، والشهرة والثراء «3 فى 1»، ستجد الحل فى «التنمية البشرية»، بدقة أكثر «الحل أن تصبح مدرب تنمية بشرية»، وهو الأمر الذى لن يتطلب الكثير من المجهود، حتى لن يتطلب منك 10 أيام كتعلم الإنجليزية «الدنيا بتتطور» ولكن يكفى أن تحضر «كورس» مدته 36 ساعة تدريبية فقط لتصبح مدربًا معتمدًا من جامعة القاهرة أيضًا، حسبما جاء فى أحد إعلانات مركز للتنمية البشرية.
الشهادة ليست كل شىء، فالأهم منها هو أن تخرج بصورة من تحت الأرض «أو من الفوتوشوب» تجمعك بالأب الروحى لعلم التنمية البشرية الدكتور «إبراهيم الفقى».
الخطوة الثالثة قد تكون مرهقة بعض الشىء، ولكن النتائج تستحق «انظر حولك كده»، المهمة هذه المرة هى تأليف أسماء عميقة لشهادات نلتها حتى لو من جامعات وهمية.
أما الخطوة الرابعة فهى أن تخرج بمقولة غريبة أو نظرية غير عادية، ولا مشكلة فى أن تكون غير مفهومة كذلك، وفجرها كالقنبلة على مواقع التواصل الاجتماعى.
لا تنس قبلها أن تنشئ صفحة على فيسبوك باسم براق وصورة احترافية، ولا بأس بأن ترسل قصة نجاح وهمية لإحدى الصحفات المتعطشة لـ«اللايك والشير» عن معاناتك وتحولك من «عاطل قد الدنيا» إلى مدرب تنمية بشرية «قد الدنيا برضو»، لتنهال بعدها عليك عروض تقديم محاضرات مجانية، ثم محاضرات غير مجانية، ثم ثالثة لتدريب المدربين لتبدأ فى تخريج دفعة جديدة من «مدربى التنمية البشرية المعتمدين».
الكارنيه بيجيب الجنيه
على غرار النقابات المهنية التى تجمع أصحاب المهنة الواحدة، لتعطيهم الشرعية والمصداقية أمام زبائنهم، تظهر نقابة جديدة تدعى «نقابة مدربى التنمية البشرية» والتى تسمح بانضمام مدرب التنمية البشرية إليها بـ3 شروط: أولها أن يكون له مؤهل عالٍ من أى تخصص، وثانيها أن يحصل على شهادة تدريب المدربين TOT وحتى لو لم يحصل عليه فبإمكانه أخذها فى النقابة قبل الدخول لها بأيام، والشرط الثالث أن يكون له فيديوهات وهو يدرس لتلاميذ آخرين، ويملئ المتقدم بيانات السيرة الذاتية فى مقر النقابة مع دفع رسوم رمزية قدرها 155 جنيها، وذلك وفق تصريح خاص من رئيس النقابة الدكتور عبدالمنعم عباس الذى يؤكد بأن نقابته معتمدة من وزارة القوى العاملة.
والسؤال هو ما المعايير التى يتم الفصل بها بين الفيديوهات المفبركة والحقيقية لبعض المتقدمين، وهل هذه شهادات كافية أصلا للدخول إلى نقابة تزعم مهنيتها بل وتوثق شهادات كورسات المدربين المنضمين إليها من وزارة الخارجية؟
البعض يراها «رحمة من ربنا» والآخر «فسكونيا»
بين السلب والإيجاب دخل الشباب الذين يمثلون الشريحة المستهدفة الأولى لمدربى التنمية البشرية فى متاهة حول رأيهم فى هذه الكورسات، ويقول أحمد ماجد «20 عامًا خريج كلية الإعلام»: لو قرأت كتابا عن علم النفس أو حتى مجلات ميكى سأستفيد أكثر من قراءة كتاب يقول لى «إنت حلو». قد تكون التنمية البشرية أقصر طريقة لكسب المال، فالناس تحتاج شخصا يقول لهم «انتوا كويسين وفى أمل وهتنجحوا»، أشياء أشبه بالمخدرات، والكورس يفعل ذلك، يجعل الناس تشعر أن الدنيا وردية وفى أول صدام بالواقع سيذهب تأثير الكورس، و«لو هنام فى بيتنا أفيد من كورس تنمية بشرية».
بينما تقول تقى حجازى «طالبة بالثانوية العامة» «بعد تجربة خاضها شخص قريب منى غيرت خلالها التنمية البشرية حياته فعلاً، اكتشفت أن التنمية البشرية طاقة رحمة من ربنا، خاصة علوم الطاقة والعلوم الصينية والشرق آسيوية عمومًا. ودورات التنمية لو أخذها الناس على محمل الجد يمكن أن تخرجنا من الاكتئاب العميق والمزمن، وأنا تخطيت بسببها مرحلة تعيسة من حياتى، ونجحت فعلاً فى إصلاح أشياء كثيرة فيها».
أما «جمال محمد» «30 عامًا مهندس معمارى» فيقول «التنمية البشرية فى رأيى أشبه بالمسكن الذى لا يعالج المشكلة ولكنه يوقف شعورنا بالألم مؤقتًا بينما تظل قائمة وتتضخم أيضًا، وأنا شخصيًا أفضل علم النفس الإيجابى لأنه فى النهاية علم وله أسس وأبحاث معتمدة».
وتعترف دعاء أبوصالح «20 عامًا طالبة بكلية تربية رياضية جامعة الإسكندرية» «فى وقت ما، كان إبراهيم الفقى بمثابة أبى الروحى، ولا أنكر تأثرى بكل كلامه، وفضله فى تكوين شخصيتى ولكن بعد وفاته توقفت عن الاستماع لأى مدرب تنمية بشرية فى مصر، وأصبحت أشعر أن الموضوع مبتذل والبعض يعتبره «سبوبة»، وقد يكون إبراهيم الفقى مختلفًا لأن له كاريزما مختلفة، ومن باب الإنصاف بعد أن «كفرت» نسبيًا بالتنمية البشرية وجدت أن كلامه يشبه بعضه فى معظم كتبه».
المتاجرة باسم الجامعات الحكومية.. والحساب بالـ«دولار»
عندما يكون الكورس تحت اسم أشهر الجامعات الحكومية لا يمكنك سوى التصديق والتسليم بما جاء فى الإعلان، حيث يعمل بعض المدربين والمراكز تحت غطاء جامعات حكومية شهيرة، مكتسبين مصداقية من جهة تعليمية ذات ثقل علمى كبير، كما يتم حساب الطلبة العرب بالدولار على هذه الكورسات بمبالغ تتراوح ما بين 100 و150 دولار للطالب الواحد والمصرينن من 355 إلى 555 جنيها، ويمكن للطالب اعتماد نفسه كمدرب تنمية بشرية فى 6 أيام فقط حسبما جاء فى الإعلان بل وتوثيق شهادته من وزارة الخارجية.
من أين يصطاد «حيتان» التنمية ضحاياهم؟
مثلما يجذب هرمون الخوف سمك القرش ويثيره، ينجذب «حيتان» التنمية البشرية إلى هرمون القلق وضعف الثقة بالنفس عند الشباب، فيتواجدون حيث يزداد القلق والخوف من المستقبل والرعب من الفشل، ليصطادوا زبائن فاقدين الأمل والرغبة فى النجاة كغريق يتعلق بقشة أخيرة، لذا غالبًا ما يصطادون ضحاياهم من الجامعة، وخلال الأنشطة الطلابية، حيث يمثل موسم الامتحانات فترة ذهبية لهم، خاصة بين طلاب السنة الأولى، فمن يقاوم إغراء شخص يعده بأنه سيحل كل مشاكله مع المذاكرة والدراسة وهو على شفا حفرة نار الامتحانات، وكيف يقاوم شاب على وشك التخرج إغراء إعلان يؤكد له أن سيساعده على اصطياد وظيفة وأن يحيا كالمليونيرات فقط بحضور المحاضرة.
إذا نجحت فى الإفلات من قبضة محاضرات التنمية البشرية المجانية فى الكلية، غالبًا ما ستجدها تطاردك من خلال أى جمعية خيرية، تتطوع بتقديم جرعات التنمية البشرية مجانًا للشباب.
أما «السمكة الذهبية» لمدربى التنمية البشرية فهى «فيسبوك» الذى لا يكلفهم أكثر من صورة احترافية واسم براق ومديرين لحوحين لصفحاتهم على «فيسبوك»، مع بعض الحكم العميقة التى تبدو لك أعمق وأهم من أن تفهمها.
مدربون يردون: «التعميم» غلط
ردًا على الانتقادات الموجهة لمدربى التنمية البشرية يعلق «أحمد سمير» المدرب والمدير العام للمدرسة المصرية للتنمية البشرية: «أتفق تمامًا مع أن بعض المدربين يستخدمون تقنيات للتنويم والبرمجة تعطى نتائج مذهلة مؤقتة مثل المخدرات تليها انتكاسة فادحة».
ويوضح سمير «التعريف الحديث للتنمية البشرية هو أنها أداة لتطوير القدرات الذاتية والاجتماعية والعقلية للإنسان السوى، أى أنها تستطيع تطوير بعض قدرات الإنسان السوى، ولكنها تفشل تمامًا فى التعامل مع المرض النفسى، فمثلاً إذا كان هناك إنسان سوى ولكنه يحتاج لتدعيم قدرات ذاكرته إذن علاجه فى التنمية البشرية، أما المصاب بمرض ألزهايمر فمكانه عند الأطباء؛ والمشكلة أنه بناء على هذا التعريف نجد التنمية البشرية تساوى مثلاً مراكز التدريب الرياضى، وبما أنه ليس لها غطاء قانونى، انكب عليها دخلاء كثيرون غير مؤهلين بأى مستوى علمى وكانت النتيجة أنهم كى يزيدوا من أرباحهم وشهرتهم ادعوا قدرتهم على العلاج النفسى».
ويضيف سمير: «بالنسبة للعب مدربى التنمية البشرية على معاناة الشباب فالحقيقة أنه نقد مقبول ولكن يعيبه التعميم، ليس كل المدربين كذلك ولكنها ظاهرة بالفعل والمشكلة هنا أن التعميم يؤذى عشرات المدربين المحترمين؛ ولكننى لا أتفق مع أن نحسب الكفاءة فى التنمية البشرية بالسنوات، فمناهجها تحتاج إلى تدريب لا تحسب بالسنوات، فأبطال العالم فى قوة الذاكرة مثلاً يخضعون لتدريبات محددة ثم يخوضون بطولات عالمية فى مجال الذاكرة ويصبحون خبراء وهم فى سن صغيرة فالشرط الكفاءة وليس عدد السنوات».
أقبل انتقاد أن أى شخص يأخذ دورة تدريب مدربين يصبح مدربًا، فهذا يحدث من باب التجارة والتربح، ولكن نلاحظ أن الاتجاه الحالى من المدربين الذين بدأ نجمهم يلمع فى 2014، يتجه لتلاقى هذه النقطة السلبية فغالبية مدربى الصف الأول الآن لا يعالجون أى مريض نفسى أو يستقبلوه أصلاً ولا يتاجرون بدورات إعداد المدربين ولا يلعبون على معاناة الشباب، وببساطة ستنتهى المشكلة إذا ركز الإعلام على مدربى الصف الأول الحاليين لأنهم ذوى كفاءة وخبرة.
أما مدرب التنمية البشرية «علاء فايد» فيعلق قائلاً: إن أى وظيفة فى الدنيا يمكن أن تستخدم بطريقين، الجيد والسيئ، بمعنى أننا يمكن أن نجد طبيبًا محترمًا، وآخر مضللا، وكذلك أى وظيفة، والحال نفسه ينطبق على التنمية البشرية.
ويضيف: «التنمية البشرية بدأت من أيام الرسول والصحابة وإن لم تكن بأسلوب مباشر، فيمكننا استنباط كورس فى القيادة الفعالة من شخصية عمر بن الخطاب، وكل الأمور التى تدعو للسماحة فى الإسلام موجودة فى كورسات التنمية البشرية ولكن بشكل متطور بما يتناسب مع أمور الحياة».
أما عن كيفية معرفة المدرب المؤهل، فيضيف «فايد»: «المدرب المؤهل هو الذى يعمل أكثر فى الحياة أكثر من التدريب ولديه معلومات ومبادئ وخبرات متطورة، إضافة إلى أنه يجب أن يدرس كورسات معتمدة، فالمشكلة أن الكثير من المدربين يأخذون كورسات غير معتمدة، وفى اليوم التالى يطلقون على نفسهم لقب «مدرب».
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
رد
في كل مهنة في العالم هناك من يحتال على الناس فهناك طبيب محتال ومهندس محتال ....الخ فلا يجوز تعميم تصرفات فردية على الكل والا لما سلمت المهن من الانتقادات على العموم التنمية البشرية ليست وهم وهناك مقاييس وتقارير صادره من الامم المتحدة بهذا الخصوص وتجارب اثبتت نجاحها في العالم ،اذا كان هناك من يبيع الوهم فلا تشتري منه .