نقلا عن اليومى..
- "فيس بوك" و"تويتر" و"واتس أب" وسائلهم لمعرفة مجريات الأمور فى مصر
- الصحفية تستغرق أسبوعين فى التخطيط للمغامرة للوصول للمطاريد.. وتحاورهم بمفردها فى مغارة بجبال أسيوط
أشخاص أقل ما يقال عنهم إنهم «بشر عاديون»، فمن الصعب أن تجد فى حديثهم دلائل على أن قلوبهم تحجرت، وماتت مشاعرهم يومًا، ومارسوا القتل والاتجار فى السلاح والمخدرات، وليس من السهل أن تقتنع أن هذا الإنسان الذى يتحدث أمامك عن الإنسانية وعن الفقراء، هو نفسه من يستخدم السم ويبثه فى عروق الشباب حتى يربح أموالًا طائلة.
ولا تنبئ الضحكات الصافية التى تقابلك وأنت تتكلم وتحادثهم أنك أمام فئة من أعتى المجرمين، ولا تقول ذلك حتى نظراتهم التى تظهر خلف أغطية وجوههم الملثمة، وتزوغ يمينًا ويسارًا، كأنهم يهابون اللحظة القادمة، ويخشون ما تحمل لهم الأقدار.
دائمًا ما تعطى لنا الدراما والسينما صورة ما عن حياتهم المليئة بالمغامرات والثأر والدم وتجارة السلاح والمخدرات، صورة ترسخت فى أذهان المصريين، يبدو أنها ليست دقيقة، أو على الأقل اختلفت فى عام 2015، وهذا ما يظهر من المغامرة المحفوفة بالمخاطر التى قامت بها «اليوم السابع» فى جبال أسيوط ومغاراتها، لمقابلة «مطاريد الجبل»، لرصد واقع وحياة المئات من الذين ضاقت بهم الدنيا، وخرجوا عن المألوف والحياة العادية ليختاروا أحد أصعب الأنماط الحياتية وأقساها.
تفاصيل كثيرة تمكنا من رصدها بالصور والفيديوهات مع المطاريد من محافظات وجه بحرى وقبلى، والذين فضلوا الحياة فى جبال أسيوط، ورغم تخوفهم فى بداية المغامرة لكنهم سرعان ما اتفقوا فيما بينهم على كشف جميع تفاصيل حياتهم، واختيار 7 ممثلين عنهم جميعًا ليرووا لـ «اليوم السابع» كيف يعيش مطاريد الصعيد، ويكشفوا أبعاد علاقتهم بالسياسة والتعليم وتجارة السلاح والمخدرات، وأسباب لجوء العشرات منهم لهذه التجارة، وهل ما تنقله وتصوره الدراما والسينما عنهم صحيح أم خيال.
كثير من الأسرار والمفاجآت أذهلتنا خلال الحديث مع المطاريد الذين فتحوا قلوبهم، وتحدثوا بصدق، وبصراحة متناهية، ومنها أنهم يملكون أسلحة تكفى لمواجهة دولة، وأنهم لا يهابون الموت فى أى لحظة، لكنهم يخشون المواجهات الأمنية ليس حرصًا على حياتهم، بقدر ما هو حرص على سكان المنازل القريبة منهم من أن يصابوا بسوء.
ومن هذه المفاجآت أيضًا ما تحدث عنه المطارديد الذين وجدنا من بينهم من هو حاصل على أعلى الشهادات الجامعية، وخريج كلية الهندسة والتجارة، عن حبهم لجماعة الإخوان الإرهابية، والرئيس المعزول محمد مرسى، مبررين ذلك بأن عصره كان أكثر أمانًا وحماية لهم، مؤكدين أن الوضع الحالى فى حكومة المهندس إبراهيم محلب هو الأكثر خطورة عليهم، حيث يداهمهم الأمن فى كل لحظة، وهو ما يدفعهم لعدم الاستقرار فى مناطق لفترات طويلة كما كان فى عهد الإخوان.
ولكن دعونا قبل الدخول فى تفاصيل المغامرة، والاستماع لحكاية المطاريد كما يرونها هم، أن نتحدث عن كيفية خوض هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، حيث لم يكن سهلا أبدًا الدخول فيها، واستلزم التخطيط لها أكثر من أسبوعين ما بين تحديد المكان، ومحاولة الوصول إليه، ومحاولة إيجاد وسيط يسهل عملية الوصول إلى هؤلاء الأشخاص الذين اعتدنا رؤيتهم فقط فى التليفزيون والسينما، وتم تصويرهم لنا على أنهم «قتالين قتلة» لا يرتدون إلا الجلباب.
وبعد تجاوز حالة من التفكير العميق والخوف معًا التى انتابتنى قبل خوض تلك المغامرة، بدأت أفكر كيف لى أن أصل إلى ذلك المكان الذى يعيش فيه هؤلاء الخارجون على القانون، والمتهمون فى قضايا عديدة لا تقل أى منهما عن القتل والسرقة والسلاح، وأقلهم مطلوب حيًا أو ميتًا، وعندها بدأت تلوح أول خطوط الأثر، حيث أكد بعض المقربين أن جبال أسيوط تجمع مطاريد هاربين من عدة محافظات مختلفة، ويمكن أن تصلى لهم فى حالة إيجاد وسيط.
البحث عن وسيط
ومن هنا بدأت البحث عن الوسيط، وبالفعل وصلت لأحد الأشخاص الذى طلب منى مهلة ليست بالكبيرة، للرد ومحاولة إقناع المطاريد بزيارتهم، ورغم أنه شخص موثوق فيه بالنسبة لى شخصيًا ولأسرتى أيضًا، إلا أنه طلب مبلغا ماليا، حتى يستطيع طمأنة الخارجين على القانون، وإقناعهم، وبالفعل حصل منى على ذلك المبلغ، واستطعت من خلال ذلك الوسيط الذى يعرفهم عن قرب ويعلم جيدًا أماكن إقامتهم وتنقلاتهم، أن أتصل بأحد الأشخاص منهم، وفى النهاية وافقوا على استضافتى بينهم وإجراء المقابلة ولكن بشروط، وأنهم سيخبروننى بالميعاد فى أقرب وقت، حرصا على سلامتهم وسلامتى.
ما وجدته فى هذه المكالمة من الأسلوب المتناهى فى الذوق من قبل المتحدث، طمأننى، حيث لم أشعر أنه حديث شخص هارب من عقوبة جنائية.
المطاريد يختارون وقت صلاة الجمعة لإجراء المقابلة
لم يدم انتظارى كثيرا، حيث كانت تلك المحادثة يوم الثلاثاء، وفوجئت بمهاتفتهم لى يوم الخميس، يخبرونى بانتظارهم غدًا لى فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا تحديدًا، وقبل أن أسارعهم بالسؤال، لماذا ذلك الميعاد تحديدًا، جاء رد الطرف الثانى «ده أنسب ميعاد عشان صلاة الجمعة وها يكون الطريق خالى وده أفضل لعدم لفت النظر لينا»، وهو ما اقتنعت به، وقبل أن أسرح بخيالى فيما سيحدث غدًا، جاء رده مقاطعا «بس إحنا لينا شروط» أجبته «اتفضل شروطك إيه»، والتى جاءت كالتالى: «أولا هاتيجى وحدك مش ها يكون معاكى غير «الوسيط» عشان لو حصلت حاجة أو حد عرف المكان يبقى مفيش غيرك، ثانيا ما تجيش بأى مواصلة خاصة بيكى هاتكون فى عربيه فى انتظارك أول ما توصلى للمكان (س) والمكان (س) ده اللى المفروض هنتقابل عنده عشان أوصل للجبل، ثالثا نفس العربية هاترجعك للمكان اللى نزلتوا فيه».
من هنا تبدأ الحكاية
بعد انتهاء مكالمة المطاريد، بدأت أعد الساعات والدقائق، حتى جاءت الساعة الثانية عشرة يوم الجمعة، وكان بالفعل معى الوسيط، وخرجت من المنزل واستقليت «توك توك»، حتى وصلت إلى المكان المحدد، قبل أن تأتى إلينا سيارة «نبيتى ماركة تويتا ملاكى» استقلناها، ومررنا فى طريقنا وسط الجبال الشاهقة، ثم بطرق زراعية، ثم طرق جبلية وعرة، وطوال المسافة التى قطعتها لم يجب السائق الذى يرتدى جلبابا رمادى اللون، وأحاط حول رأسه لفافة شال بيضاء بأى سؤال طوال فترة استقلالنا السيارة معه، بل وأوحى لى أنه «غير مسموح» له بالرد علىّ، حينما سألته «إحنا قدامنا كتير»، فى حين أنه رد على العديد من المكالمات طوال الطريق، ولم أستطع أن أفهم منها شيئا، حيث كانت كلها عبارات مشفرة غير مفهومة.
الوصول إلى المغارة
بعد فترة طويلة من التحرك بالسيارة فى وسط الجبال، أخيرا توقفت، إذن فنحن وصلنا إلى ذلك المكان المهيب، والذى كان «مغارة» لا تشعر أمامها إلا أنها تفتح فمها لتلتهم كل ما يقف أمامها، مكان تحوطه الوحشة من كل جانب، وعلى الرغم من أننا نقف فيه فى «عز الظهر»، إلا أن سكوتا مريبا يحيط المكان، فيما تخرج أصوات الوطواط عالية، وتقدمت قليلا منها، وفجأة اختفت السيارة.
أخرجت على الفور الآيباد الخاص بى، وقمت بالتقاط بعض الصور لذلك المكان، وظللت أواصل التقاط الصور، وأنا أرتفع شيئا فشيئا متسلقة الجبال على بداية المغارة، حتى وصلت إلى مدخلها، وأثناء انشغالى بالنظر والتصوير، ومشاهدة الكهوف الصغيرة، سمعت خلفى صوتا لم يكن غريبا على فقط سمعته قبل يومين فى مكالمة هاتفية، قائلا لى: «أهلا وحمد لله على السلامة».
لفت وجهى للخلف ورأيت شخصا نحيفا بعض الشىء، يرتدى ترنج كحلى اللون، ملثما بكوفية بنى، يحمل فى يديه 3 هواتف محمول، وسلاحا معلقا بكتفه، وتلتف حول معصمه ساعة صفراء اللون، ولفت انتباهى حينما نظر إليها، وقال لى: «ميعادك مظبوط»، فأشرت له بإيماءة صامتة.
الحديث مع المطاريد واحدًا تلو الآخر
بعد ذلك بعد هذا الشخص فى الحديث، قائلا: «أنا مازن مش ها ينفع ننزل نقابلك كلنا مرة واحدة، الدنيا نهار وبنبقى على قمة الجبل عشان نراقب الدنيا، وممكن يكون حد ماشى وراكى، وقبل أن أرد قال لى «أنا عارف إنك مش ممكن قولتى لحد وإنتى جاية تعملى شغل، وإحنا مانعرفكيش، لكن واثقين فى الأخ اللى معاكى، لكن ممكن نقابلك، مرة، واتنين، حتى تنتهى من اللى محتاجاه، إنتى طبعا عايزة تعرفى قصة كل واحد فينا»، وهو ما أجبته «أيوه»، فقال لى: «مش ممكن كان فى حد ها يقدر يوصلنا ونسيبه يوصل هنا حى، لكن إنتى جايلنا من طرف ناس عزيزة علينا، وليها عندنا واجب كبير، هانقولك كل حاجة بس لازم الناس تعرف إن منا ناس مظلومة، وناس اتخدت غدر، وناس اتحكم عليها ظلم، وفى ناس اتورطت فى تجارة مخدرات، لأنها مش لاقية تأكل ولادها وكل ده ها تعرفيه».
حينما اندهش «الذئب»
اختفى مازن قليلا وأنا أقف فى فم المغارة، وفجأة ظهر لى ما لم أكن أتوقعه، ولم أكن أعلم أن كان ذلك المخلوق الذى يقف أمالى ثعلب أو ديب، لكنه فى الغالب حيوان يسكن الجبال أصبح أمامى بحوالى متر ونصف، وظل يتأملنى لمدة لا تقل عن الدقيقتين، وكأنه مندهش لزيارتى، أو لأنه لم يعتد رؤيتى من قبل، ففتحت الآيباد سريعا والتقطت له صورة وهو ينظر لى محملق العينين، اقتربت منه قليلا، ورغم أن ذلك الشخص «الوسيط» كان يقف بجانبى وحذرنى من الاقتراب خوفا من هجومه.
وحينما حاولت الاقتراب أكثر فوجئت به يقفز قفزة سريعة إلى جانب المغارة، ولكن لم يكن اقترابى السبب فقد جاء مازن خلفى وراءه الديب، وأخبرنى بأن تلك المخلوقات بريئة لا تأذى شخصا قبل أن يهم فى البداية بإيذائها، وأن الذئاب والثعالب تعيش معهم، وقال لى، إن الذئب لم يكن ينظر لى مندهشا، ولكنه كان يؤكد لنفسه أنه لم ير ذلك الوجه من قبل وإن لم أظهر أنا فى الوقت المناسب، كان قد انقض عليك بعد تلك النظرات الطويلة.
الدخول إلى المغارة وثقافة «مازن»
دخلنا إلى المغارة وقمت بالتقاط عدة صور بالداخل، وبدأ ماذن يخبرنى كيف اختاروا ذلك المكان، وكيف تجمعوا فيه واعتادوا على العيش فيه، وما لفت نظرى فى حديث مازن الثقافة العامة والمصطلحات العلمية التى يتكلم بها، كما لا يخلو حديثه معى من استخدام ألفاظ «يا فندم وحضرتك»، وحين سألته هو أنت متعلم، جاء رده كالصاعقة، أنا «خريج هندسة قسم عمارة».
«سر السلاح».. المكان المحرم دخوله
بدأت أجرى المقابلات مع المطاريد شخصا تلو آخر، وتناقشنا فى عدة موضوعات منها زوجاتهم والسياسة، وكيفية قضاء يومهم، وعلاقتهم بالشرطة، وفوجئت بإلمامهم بكل تفاصيل العالم الذى يبعدون عنه فهم يحملون أجهزة موبايل وتابلت، وشكوا لى من ضعف شبكات المحمول التى لا تمكنهم من الدخول على النت بشكل منتظم.
وقمت بزيارة سريعة لأماكن إعاشتهم العامة، ورفضوا أن أقوم بزيارة أماكن أخرى منها مكان «سر السلاح» كما يسمونه، والذى أكدوا لى أنه غير مصرح لهم جميعا بدخوله، وأن القائم على «السر» شخصان فقط، وحين قمت بزيارة عابرة لمكان الطعام رفضوا قيامى بالتصوير، مؤكدين لى أن هناك منتجات لا تباع إلا فى أماكن قريبة منهم وأن ظهور تلك المنتجات فى الصور سيدلل على مكانهم.
وبعد انتهاء الجولة، أشار لى «مازن» أن السيارة التى اختفت منذ نزولى منها، فى انتظارى، واستقليت السيارة وعدت بالفعل إلى نفس المكان الذى ركبت منه ثم استقليت توك توك، وعدت إلى المنزل.
موضوعات متعلقة..
- 15مشهداً ترصد حياة المطاريد فى الصعيد بين السياسة والتعليم والبرلمان.. يتواصلون من خلال"فيس بوك"و"واتس آب"..ويلبسون أحدث موضة.. وحاصلون على أعلى الشهادات الجامعية..ويساندون نائب المنيا للوصول للبرلمان
- حكايات "جبل المطاريد".. أجرأ 7 حوارات مع ذئاب الجبل..مازن"مهندس المطاريد": أتواصل مع زوجتى وأبنائى بالمحمول و"فيس بوك".. و"عمرو": المطاريد أعمامى.. و"ناصر": قتلت ابن خالى انتقاماً لشرف أختى
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر هلال
ربنا يحفظك
عدد الردود 0
بواسطة:
م ب
تحية للصحفية ضحى صالح
أحييكي على هذا التحقيق الصحفي الشيق
عدد الردود 0
بواسطة:
زيزو
ذئاب الجبل
عدد الردود 0
بواسطة:
جو
بدون عنوان
ربنا يصلح حلهم
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق صليب
مطاريد الجبال ام مطاريد الحياة
عدد الردود 0
بواسطة:
عاشقةمصر
مطاريد يعني مجرمين ..لازم يحبوا مرسي