الإسراء والمعراج معجزة اختص الله بها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، تكريمًا له، وبيانًا لشرفه صلى الله عليه وسلم، وليطلعه على بعض آياته الكبرى، قال الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، فالرحلة التى قام بها صلى الله عليه وسلم فى إسرائه إلى بيت المقدس، ثم معراجه إلى ما فوق السماوات السبع، لينتهى به المطاف عند سدرة المنتهى فى زمن محدود، ليعود فيجد فراشه مازال دافئًا، أمر لم يتكرر مرة أخرى مع بشر. هذا إن دل على شىء فيدل على مدى تميز هذه الحادثة عن بقية التاريخ الإنسانى جملة وتفصيلًا. فتلك الرحلة تحمل العديد من الدروس والعبر، أولها أن الأمة الإنسانية أمة واحدة، ويتوج حدث الإسراء والمعراج هذا المعنى، إذ التقى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء، وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها، إشارة إلى أن هذه الأمة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم، وجعل الله سبحانه وتعالى الأمة واحدة من لدن آدم إلى يومنا هذا: «وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين». وفى الحديث الشريف عن أبى هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين».
وبالنظر إلى حوار خاتم الأنبياء والمرسلين مع إخوانه من الأنبياء نجدهم قد أقروا بنبوته صلى الله عليه وسلم، إيمانًا منهم، وحرصًا على إتمام هذه الرسالة التى جمعتهم فى سلسلة واحدة، وهدف واحد، إذ مصدرها من الله، وهدفها التحقق بمراد الله، وغايتها الوصول إلى مرضاة الله، فالأنبياء جميعًا إخوة فيما بينهم، كل منهم يؤدى دوره الذى أُنيط به، ويكمل شريعة الله بما يتفق والزمان والحال الذى أُرسل فيه، حتى أتى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليكون اللبنة الأخيرة فى هذا البناء الربانى، والكلمة الأخيرة فى خطاب الله للعالمين.
لقد أظهرت حادثة الإسراء والمعراج حالة الحب والاحترام والتوقير بين الأنبياء جميعًا، وأنه لا اختلاف بينهم فى أصول دينهم، وأن همهم واحد وغايتهم واحدة، وهى عبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس، والأخذ بيد الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور العلم والرحمة والهداية، وهو أحوج ما تكون البشرية إليه اليوم، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يعود كل أصحاب دين إلى ما كان عليه نبيهم من صلاح، وقيم، وإرساء الحب والاحترام بين أتباع الأنبياء جميعًا.
ولقد أنعم الله تعالى على نبيه فى هذه الرحلة بنعمة النظر إلى وجهه الكريم، وأجمع العلماء أن متعة النظر إلى الله سبحانه وتعالى هى أجلّ نعمة للإنسان، فلا مزيد عليها فى التمتع الحسى والمعنوى، وهو ما يتمثل فى قوله تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»، قال العلماء: الزيادة هى النظر إلى وجهه الكريم. كما أن الله تعالى أخّر النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهور الكونى فقدمه فى الظهور المعنوى، فعلى الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء إلا أنه صلى بهم إمامًا فى ليلة الإسراء والمعراج، وهذا يجعل المسلم يتدبر فى هذا الأمر، فهو لا يعرف أين الخير! قد يعطيه الله عز وجل فى الدنيا، ثم يمنعه بهذا العطاء فى الآخرة؛ فيفرح اليوم، ولا يدرى ماذا يخبئ الله له غدًا، وأحيانًا يمنعه فى الدنيا فيتبرم، ولا يدرى أن هذا المنع عطاء، وفى المعاملة مع الله يجب على المسلم أن يفهم عن الله، وهذا ما سيؤدى به إلى الرضا والتسليم.
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: دروس من رحلة الإسراء والمعراج.. الأنبياء أقروا بنبوة النبى محمد.. والله تعالى أنعم على نبيه بنعمة النظر إلى وجهه الكريم
السبت، 16 مايو 2015 08:38 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة