"20 جنيهًا قيمة اشتراك نادى الليونز، 3 جنيهات ونصف سعر شارة النادى للسيارة، وعلبة السجائر تكلف جنيه و55 قرشًا، أما كحك العيد فشرائه كلف 14 جنيهًا، إضافة إلى أجر الشغالة 6 جنيهات، وتكاليف السحور مع نادى الليونز فى مركب بالنيل 40 جنيهًا، لا يوجد خلل بهذه الأرقام، ولا تعود إلى السبعينات مثلاً ولا الستينات ولا أيام أجدادنا، بل هى أرقام ترجع إلى العام 1994 من واقع ما دونته السيدة "ابتسام عباس" بشكل يومى فى أجندتها التى تحمل فى ورقات معدودة صورة كاملة عن الحياة الاجتماعية فى مصر فى ذلك الوقت.
التفاصيل المدهشة والملاحظات الدقيقة جدًا بصفة يومية دفعت "اليوم السابع" إلى تتبع هذه "الأجندة" المنمقة للغاية، ليصل إلى أخرى تخص السيدة نفسها وترجع للعام 2000 وثالثة تخص العام 2001، تدون فى كل منها بدقة وانتظام والتزام مدهش بالتفاصيل، كل منها تحمل فى الصفحات الأولى الاسم كاملاً وتفاصيل البطاقة الشخصية ورخصة القيادة ومحل السكن، ثم فى المكان المخصص لأرقام الهاتف تجد عددًا من الأرقام الأرضية، بعدها تتوالى التفاصيل المدهشة عن حياتها والتى تكتشفها فقط من خلال قائمة يومية بالمصروفات.
رقم هاتف بعد آخر قادنا إلى السيدة "ابتسام" شخصيًا، التى نكتشف بالمصادفة أنها شقيقة الفنان القدير "أسامة عباس"، الذى أكد أنها "من يومها غاوية الحكاية دى"، ويعلق على الأسعار المدهشة بالنسبة لنا قائلاً "الموضوع نسبى جدًا، يعنى إحنا بالنسبة لنا الأرقام دى كانت غالية جدًا".
أما السيدة "ابتسام" التى تخطت الثمانين من العمر، والمغرمة بالتدوين من قبل عصر الإنترنت والمدونات، فلا تذكر تحديدًا السبب الذى دفعها لتدوين مصروفاتها للمرة الأولى، رغم أنها كانت تحرص حتى وقتٍ قريب جدًا أن تدون كل تفاصيل حياتها يومًا بيوم، رغم انشغالها بالواجبات الاجتماعية والندوات وحفلات السينما والرحلات، إضافة إلى دورها كزوجة وأم. وتخمن "أكيد المصروف خلص منى وكنت عايزة أعرف راح فين"، ولكنها تذكر السبب الذى دفعها للتوقف فتقول "بطلت أكتب لما انتقلت للإقامة مع بنتى ومافيش مصروف فى إيدى علشان أكتب راح فين".
ببساطة وعفوية شديدتان تتحدث السيدة عن "الزمن الجميل" أيام "جاردن سيتى" حين كانت زوجة للمرحوم الفنان والكاتب "أنور أحمد" وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية الأسبق، حين كانت تستضيف فى بيتها الموسيقار "محمد عبدالوهاب" والكاتب الكبير أنيس منصور وغيرهم من الفنانين والكتاب، وتشهد حفلات "أم كلثوم" "لايف" فى بيوت الأصدقاء، ثم تتحدث بحنين أقل عن السنوات بعد رحيل الزوج حين تغيرت الأحوال ولكن هونتها "رحلات الليونز اللى لفينا معاه مصر كلها" والندوات وحفلات السينما مع شقيقتها، وتحكى "ما كناش بنقعد يوم فى البيت.. كل يوم بنزور حد وبنروح فى مكان مش زى دلوقتى"، وتقارن بسخط بين المناسبات العائلية فى ذلك الوقت والوضع الآن "زمان كنا نحتفل مع بعض ونتجمع، دلوقتى أعياد الميلاد والأفراح كلها تنطيط ودوشة ومالهاش ريحة الطعم"، ويتواصل سخطها على الوضع الحالى "دلوقتى كل الناس حاطة وشها فى تليفونها ومافيش حد بيكلم حد".
كانت السيدة ابتسام تحيط أجندات يومياتها ومصروفاتها بخصوصية بالغة، وتقول "ماحدش كان بيشوفها ولا حتى زوجى ولا أولادى، لأنها تخصنى لوحدى يشوفوها ليه"، نسألها إن كانت تضايقت لوصولها لأيدينا فتعرب بخجل عن اندهاشها من كيفية ضياعها ثم تجزم بأنها تسربت أثناء عمليات النقل المتتالية من "جاردن سيتى" إلى مدينة نصر وغيرها من الأماكن، لكنها لم تمانع فى نشر هذه التفاصيل عن الزمن الجميل.
365 ورقة من مذكرات إحدى هوانم "جاردن سيتى" تكشف حياة التسعينيات.. 6 جنيهات حساب الشغالة وكحك العيد بـ 14 جنيها.. وتتحسر: زمان كنا نحتفل مع بعض ونتجمع أما فى عصر الهواتف الذكية فـ"ماحدش بيكلم حد"
الخميس، 21 مايو 2015 07:21 م
ابتسام عباس
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة