نقلا عن اليومى
رائحة كريهة تزكم الأنوف بمجرد أن تطأ المكان، وتزداد كلما ترجلت داخله، قبور متراصة إلى جانب بعضها البعض ضاقت بساكنيها فلفظت بعض عظامهم الآدمية خارجها، المشهد السابق يلخص الوضع الذى وصلت إليه المقابر فى منطقة حدائق حلوان.
المقابر فى هذه المنطقة تم تأسيسها منذ حوالى 70 عامًا، إلا أن غياب الرقابة عنها كان سببا رئيسيا فى فوضى البناء داخلها، مما تسبب فى حالة تكدس شديدة، لدرجة أن بعض الأهالى لا يتمكنوا من دفن ذويهم بها.
التجول داخل المقابر يكشف مدى الإهمال، فالعظام الآدمية ملقاة، وهناك آثار لزجاجات خمر و«سرنجات» تعاطى المخدرات، بالإضافة إلى أن بعض المقابر القديمة ردم حولها بأتربة ورمال كثيرة، وهو ما فسره بعض الأهالى بأنها محاولة للتغطية على المقابر القديمة، التى لا يأتى أحد لزيارتها للبناء فوقها والاستفادة بمكان جديد.
كما أن بعض المقابر وخاصة القديمة منها التى تم بناؤها منذ سنوات عديدة أصبحت مهدمة، والبعض الآخر تم بناؤه حديثا على مدار السنوات الماضية.
دفن غير شرعى
بعد جولة داخل المدافن التقينا الشيخ «السيد الطيب»، إمام مسجد الميدان، أكبر مسجد بمنطقة الحدائق، الذى قال لـ«اليوم السابع» إن الرائحة الكريهة سببها أن الدفن يتم بشكل خاطئ وغير شرعى، لافتا إلى أن كل ما يقوم به «التُربية» يتمثل فى فتح الغرف المخصصة للدفن ووضع الجثث على سطح الأرض وتركها دون ردمها.
وأضاف: «التُربى» يغلق الباب الحديد الخاص بالمدفن، وبالتالى بعد مرور يومين أو ثلاثة تتحلل الجثة وتتعفن، وهو ما يتسبب فى انتشار رائحة كريهة فى المكان خاصة وأن كل المدافن بها أبواب حديدية مفتوحة من الأجناب، وهو ما يؤدى إلى انبعاث الروائح بشكل كبير، وهو ما لا يعد شرعيا ولا آدميا بالمرة فى التعامل مع الموتى.
وأضاف «من فترة قريبة ذهبت لدفن أحد المقربين للعائلة، وبعد مرور أسبوع رغبت فى زيارة قبره فذهبت إلى المدافن ولكنى فشلت فى الوصول إلى مكان القبر، وبعد فترة من التجول داخل المكان فشلت فى الوصول إلى القبر وقررت المغادرة».
وعن مساواة بعض المقابر القديمة بالأرض وردمها للاستيلاء عليها قال «الطيب» إن بعض المقابر مملوكة منذ عشرات السنين، ومن الممكن أن يكون مالكوها انتقلوا إلى أماكن أخرى، أو سافروا، وانقطعوا عن زيارة المكان، و«التُربى» نتيجة معرفته الجيدة بكل الأماكن من السهل عليه أن يستولى على هذه المقابر بردمها والبناء مكانها وبيعها لآخرين، خاصة وأن سعر المقبرة فى المنطقة وصل إلى 30 ألف جنيه.
ونفى ما تردد عن استيلاء «التُربية» على أجزاء من مقابر الصدقة المخصصة للفقراء، والتابعة لمسجد الميدان، لافتا إلى أن المقابر المخصصة للمسجد جرى إحاطتها بسور ولها باب، بحيث يتم إغلاقها وفتحها فى حالة وجود حالة للدفن.
وأوضح «الطيب» أن كل الاستغلال الذى يمكن أن يقوم به «التُربية» فى حالة مدافن الصدقة هو طلب مبلغ كبير من أهل المتوفى فى الدفن، لافتا إلى أنه فى مرة جاء إليه رجل يشكو من أن «التُربى» طالبه بدفع 600 جنيه لدفن أحد اقربائه فى المدافن المخصصة، وهو ما دفعه إلى التدخل لتخفيض المبلغ، لأنه لا يحق له أن يأخذ كل هذا المبلغ فى الدفن فقط، خاصة وأن هذا الجزء من المقابر مخصص للفقراء.
واعتبر أن الفوضى التى تشهدها هذه المقابر ناتجة عن غياب الرقابة عليها لأنها بعيدة عن أعين الدولة متسائلا: «من سيراقب على مدافن؟»، واعتبر أن الحل الأمثل لهذه المقابر هو أن يتم إغلاقها نهائيا، ولكن لابد من إيجاد بديل للأهالى الذين يملكون مقابر هناك خاصة، وأنه لا يمكنهم شراء مدافن جديدة على طريق «الأوتوستراد» أو فى مدينة 15 مايو.
«سرقة المقابر»
واقعة سرقة المقابر أكدتها عائلة «الزعاتنة» إحدى العائلات التى تملك مدافن خاصة بها فى هذه المنطقة لكنهم دخلوا فى مشكلات ومشادات مع التربية بعد الاستيلاء على أجزاء منها.
«مرزوق دخل الله» أحد أفراد العائلة قال لـ«اليوم السابع» إن «التُربية» أخفوا المعالم الخاصة بمدافن عائلتنا لبناء مدافن جديدة بديلة وبيعها بمبلغ 40 ألف جنيه».
وأوضح «دخل الله» أن الأمر انكشف أثناء زيارتهم لمدافن عائلتهم فى الحدائق، لافتا إلى أنه فى كل مرة يذهبون لزيارة موتاهم يجدون أحد معالم المكان اختفت وتغيرت وبعض المدافن تم الردم عليها»، مضيفا «آخر مرة وجدنا مدافن جديدة تم بناؤها، وحينما سألنا «التُربى» أنكر وقال إنها مدافن صدقة».
نفس الأمر أكده «حمادة أبو سالم» من نفس العائلة الذى قال إن «التُربية» تعمدوا إلقاء القمامة على المدافن الخاصة بهم حتى تم ردمها بالكامل وقاموا ببناء مدافن جديدة محلها لبيعها والاستفادة منها.
وأضاف: «عائلتى كبيرة جدا ولها أكثر من مدفن هناك وتعرف أماكنها جيدا، إلا أن «التُربية» ينكرون قيامهم بطمس معالم بعض المدافن لبناء أخرى جديدة، متحججين بأن المدافن التى تم بناؤها مدافن صدقة، وذلك غير صحيح لأن مدافن الصدقة التابعة للمسجد مكانها محدد ومعروف».
بيت جحا هو الوصف الذى أطلقه «وليد فكرى «رئيس جمعية حدائق حلوان الجميلة على هذه المقابر، موضحا أنه على مدار الأسبوع الماضى حضر أكثر من حالة لدفن أهالى بهذه المقابر الموجود بنهاية شارع الميدان، والمقامة منذ ما يزيد على 70 عاما، إلا أن الازدحام الشديد حول المكان إلى دهاليز وممرات تتوه فيها الأهالى وتجد صعوبة فى الكشف عن أماكن المقابر الخاصة بهم.
وأشار «فكرى» إلى أن «التُرَبيّة» المسؤولين عنها باعوا شوارعها الداخلية ووصل سعر المقبرة لثلاثين ألفا، الأسوأ أن الدفن أصبح سطحيا وأعلى من سطح الأرض فى عيون وأدوار غير محكمة الغلق.
وأضاف «اعتدت فى قريتنا أن يكون الدفن الشرعى فى لحد محفور فى الأرض، الآن تجد عيونا بأبواب حديدية وأقفال.. والأبواب هذه غير محكمة مما يسبب تسريبا للروائح جعلتنا نجرى بالنعوش لنتفاداها!، أعرف أن السبب هو ضيق المساحة ولكن أن يتم بناء مقابر فى الممر الذى يتحرك فيه المشيعون دون رقيب لأنها مقابر أهالى فهذا عبث».
وأضاف: «حل هذه الأزمة من وجهة نظرى يتمثل فى مطالبة الحكومة بإنشاء حزام بمقابر جديدة فى صحراء المعصرة على «الأوتوستراد» يستوعب الأعداد المتزايدة أسوة بمقابر مايو».
الأهالى يجدون صعوبة فى الوصول لذويهم.
«سمر قنديل» من أهالى الحدائق قالت إن عائلتها تملك مدافن داخل هذه المقابر وان الازدحام الشديد حاليا الذى نتج عن استمرار البناء داخل المقابر دون رقابة أدى إلى صعوبة وصول الأهالى للمدافن الخاصة بهم.
التعدى على بعض المساحات داخل هذه المدافن لبناء مقابر هو ما أكدته سمر، لافتة إلى أن أسعار المقبرة منذ عشر سنوات كانت تصل إلى ثمانية آلاف جنيه كحد أقصى إلا أن أسعارها حاليا تضاعفت وتزايدت بشكل كبير وتزايد معها التعدى على الأرض والبناء فيها بمقابر جديدة.
وأضافت «والدتى مدفونة فى وسط المقابر ونحتاج إلى دليل حاليا للدخول داخل المقابر وتحديد مكان المدافن الخاصة بنا هناك بسبب التكدس والازدحام الشديد، وما يميز المقبرة الخاصة بعائلتنا هو وجود شجرة مزروعة هناك وفى حالة قطع هذه الشجرة مثلا من الممكن أن نفشل فى الوصول إليها، هذا فضلا عن أن الرائحة هناك أصبحت كريهة إلى حد كبير بسبب تكدس المكان».
نفس الأمر أكده «محمد الخياط» الذى تملك عائلته مدفنا فى هذه المقابر، حيث يقول «الخياط» إن مشكلة المقابر عامة وتضر أهالى المنطقة كلهم، لافتا إلى أنه منذ سنوات كانت الممرات المفتوحة داخل هذه المقابر إلى حد يسمح بدخول السيارات أحيانا، وكل هذه الممرات تم إغلاقها حاليا بسبب البناء العشوائى داخلها».
استغلال «التُربية» إحدى النقاط التى تحدث عنها الخياط أيضا، مشيرا إلى أنه على الرغم من كون الدفن «مجانى» إلا أن «التُربية» يطالبون بدفع 150 أو 200 جنيه.
وفى السياق نفسه أكد «الخياط» أن غياب بعض الأهالى عن زيارة مقابرهم لفترات طويلة يسمح لـ«التُربية» باستغلالها وبناء مدافن جديدة للاستفادة منها وبيعها.