كم هو عجيب أمر البشر!! الكثير منهم يسيرون فى الحياة دون هوية، لا يعبئون بالوقت المار من أعمارهم بعد أن أصابتهم عدوى التوهان والسلبية بدرجات متفاوتة، ومات الحماس فى نفوسهم بالسكتة القلبية، وتكسرت ضلوع الأحلام فى جسد أيامهم!
يرغبون فى تغيير وضعهم، لكن دون حراك يذكر.. فتأخذهم الطرقات من هنا وهناك؛ باحثين عن المزيد من الفراغات فى دروب المتاهة بعد أن فقدوا القدرة على الفصل بين الأبيض والأسود، ولم تعد البصيرة لها أى دور فى حياتهم!
صارت وجوههم خالية من كل التعابير الإنسانية.. يفصلون القول حسب أمزجتهم الملونة ومعتقداتهم الخاطئة، ويحللون المواقف حسب أهوائهم التى لا تخلو من الغرض لكى يشبعوا حاجات نفوسهم التى لا تشبع، ويبيحون لأنفسم ما لايباح دون انتهاء!
كم هى أنيقة أشكالهم.. لكنها كأناقة الطاووس؛ الكثير من الريش الملون على جسد خاو، يحملون الزهور، لكنها زهور ميتة وبلا رائحة، يزيفون حقيقتهم التى هم عليها، فى محاولة منهم للعيش فى واقع لا يمت لهم بصلة!
تاهت الثوابت من قاموس أيامهم بعد أن ابتعدوا عن نور اليقين بالله، والثقة بأنفسهم فتاهوا فى ظلام ذواتهم دون دليل يضىء لهم دروب الحياة!
لقد انتحر الزمن فى أرواحهم بعد أن فقدوا المحبة، ولذة الانتماء إلى الحياة العامرة بفاكهة العشق الجميل، واستبدلوا طقوس الروح بطقوس الجسد التى أفقدتهم نعيم الوجود!
فى دفتر حياتهم اليومية.. تجدهم تائهين كأوراق الخريف التى سقطت على الأرض، واختلطت مع بعضها، حتى إنهم نسوا إلى أى شجر ينتمون، بعد أن تاهت منهم مواسم الحنين، وفقدوا كل مايرقرق أرواحهم، ويرقى مشاعرهم التى أهملوها وتركوها تعانى القحط فى مواسم الربيع!
أرسلت لهم الدنيا الكثير من الآيات والعلامات كى يتفادوا السير فى طرق التيه، لكنهم لم يتعلموا، ومضوا قدمًا دون أن يغيروا بوصلة أفكارهم.. فتاهت خطاهم فى طرق الخسارات التى باعدت بينهم وبين الحب والأمان.. وظلوا يراقبون موتهم البطئ فى مقاعد المشاهدين!
يلعنون سوء الحظ ويتقنون لغة الظروف والأعذار التى يحترفونها كى يعللوا لأنفسهم بأنهم على صواب مرتدين ثوب الغرور الذى لا يستر أرواحهم من سنين العمر الذاهبة إلى الزوال.. فتاهوا فى غربة الأيام.. ولا عزاء لهم.. لا عزاء!
ورقة وقلم