د. فاطمة الزهراء الحسينى تكتب:" ميلاد الأسطورة"

الإثنين، 01 يونيو 2015 04:00 م
د. فاطمة الزهراء الحسينى تكتب:" ميلاد الأسطورة" صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حرارة داخلية تخرج من باطنى .. أكاد أن أحترق .. كمادات المياه الفاترة ليست ذات جدوى وخافضات الحرارة لا تسطيع خفض حرارتى .. وجسدى يفور ويغلى .. الهلوسة بكلام غير مفهوم .. والعرق الذى يشهد على الكارثة .. على لحظة التحول الغير مسبوقة .. "اطفئوا الأضواء .. وأغمضوا أعينكم .. من سينظر ستحل به فاجعة".. وحدها هذه الكلمات المفهومة من بين الهلاوس .. هذه الحقيقة التى لم أستطع فضحها يوما .. هذا السر الذى لا ينبغى على أن أفضحه وإلا أصابت الكارثة من يسمعنى والغضب من يرانى.

منذ صغرى .. لم أكن يوما عادياً .. كنت أتبع الخوارق وأصدق الأساطير .. كنت أختفى وحدى فى القبو المظلم بحثا عن خارقة تحدث لى .. كانت أعظم أمانى أن أتحول إلى أسطورة عظيمة ..

كنت أريد حياة غير عادية .. مهمش فى الوطن .. مكروه فى المنزل .. عائل حتى على نفسى .. كنت أبحث عن الحرية من عالم يزدرينى ويبغضنى .. أرى فى الوجوه المحيطة بى .. نظرة تقول .. لم أنت بيننا .. لم أنت هنا .. عليك أن تكون فى مكان آخر .. حتى جدتى التى ترعانى بين الفينة والفينة تتمرد على صمتها .. وتضربنى بعكازها الذى لا يفارقها .. وأنا لا حيلة لى سوى الصبر على ذنب لم أفعله .. والحساب على جريمة تحكى تفاصيلها الندبة التى فى وجهى .. لماذا لم يقتلنى الأشرار فى تلك الليلة .. لماذا تركونى أتنفس العذاب فى كل يوم أحيّاه فى هذه الحياة ..

قصة مررت من قصها مراراً وتكراراً على مسامع جدتى .. حتى تكتفى .. تسمعها منى لتشحن طاقة الكره التى فى داخلها تجاهى .. تسمعها لكى لا تنسى .. أننى السبب وراء فقدها عائلتها .. أنا السبب .. صاحب الخمس سنوات .. بربك كيف يكون السبب.

فى ليلة لا أذكرها .. أصابنى الأعياء الشديد واستوطنت الحمى جسدى .. فبدأت أهذى بكلمات لا أذكرها .. وقتها حملنى أبى وأمى إلى الطوارئ فى رحلتنا الأخيرة فى سيارتنا المحبوبة سابقا المنكوبة حاليا .

أسرع يا حسام وألا فقدنا الصغير هكذا قالت أمى بصوتها المبحوح .. كان طريقا طويلا شاقا فى رحلة الموت.

بدأ العد التنازلى .. ليس لى ولكن لمن اقترب منهم الأجل .. كنت أتمنى أن أكون واعيا بما يكفى لأودعهم .. لأشم رائحتهم .. لألقى النظرة الأخيرة .. كنت أتمنى أن أكون واعيا بما يكفى لأذهب معهم ولا أتركهم .

فى حالة من الهرج والمرج كانت تضج المشفى ببعض الفوضويين .. "البلطجية" الذين لم يسلم من شرهم الأطباء والمرضى .. الأطباء تحت تهديد السلاح .. هيا أخرج الرصاصة بسرعة .. 10 غرز هنا أيها الطبيب و10 هناك .. لا تمسح العرق .. دعه يتساقط .. أكمل عملك ليكون لديك متسع من الوقت تقضيه مستقبلا بين عائلتك .

هنا صرخ والدى .. لازلت أسمع صراخه يدوى فى أذنى .. لازلت أسمعه يستجدى الأطباء .. ويبكى .. لكن لا مجيب بعد وقت قصير وصل جدى وعمى إلى المشفى .. لماذا لازلتم هنا .. صرخ أبى مرة أخرى .. وأخرى لا جدوى .

لم يتحكم من الغضب الهائج فى نفسه .. لا أذكر ماذا قال ولا ماذا فعل .. لا أتذكر حتى كيف شقت هذه الندبة طريقها فى وجهى .. لا أتذكر شيئا .. سوى خيالات .. معركة أودت بحياة أبرياء كل من بالمشفى تحولوا إلى جثث هامدة بسكين غاضبة شقت الأجساد وأزهقت الأرواح .. من كثر لومى بدأت أصدق أننى وحدى سبب هذه المجزرة.

يومها لم ينج غير الطبيب الذى تجمد العرق على جبهته وصبى صغير .. يُدعى براء.

إنه أنا المنسوب إلى البراءة والمتخلية عنه البراءة .. أحتاج واقعاً يكف عن اتهامى .. أشخاصاً لا يرونى لعنة .. ألا يكفينى الحرمان الذى جبلت عليه .. ألا يكفينى الألم الذى عانيته .. ليأتى على الجميع دون رحمة .. وليتهمونى بأبشع تهمة .. تتخلى فيها البشرية عن إنسانيتها "القتل".

حتما فرّ الجانى من العدالة والتصقت التهم بأمثالى الذين لا يعرفون الحكاية .. لتغلق القضية .. ولتولد الأسطورة ..التى ما جاءت إلا لتحقق العدالة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة