أحمد أيمن يكتب: الفلاح ضمير الأمة

الثلاثاء، 02 يونيو 2015 10:11 ص
أحمد أيمن يكتب: الفلاح ضمير الأمة فلاح فى حقله - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن النهضة الصناعية لا تقوم ولا تحدث تطورًا مجتمعيًا ينعكس على الوضع الداخلى اقتصاديًا وسياسيًا بدون ظهير زراعى يحمى الإنتاج ويوفر له احتياجاته وموارده من المواد الأساسية الخام. وهنا فإنه تبقى كلمة واحدة منها نبدأ وبها ننتهى وهى "الفلاح"، أين هو هذا الفلاح؟ ما وضعه؟ وما مصيره فى خضم مرحلة الانتقال الاقتصادى التى نوجد بها.

إنه لا يخفى على أحد أبدًا أن الفلاح المصرى حقق ثورة فى عالم الزراعة منذ آلاف السنين ضاهت التقدم الزراعى فى أى دولة نظيرة للدولة المصرية القديمة، ولقد أتى لنا من عصر من عصر الدولة القديمة وثيقة "الفلاح الفصيح" وهى- فى نظرى- الأهم للتأريخ للفلاح المصرى وأيضا كمبدأ لدساتير وقوانين تحفظ الحقوق جميعها وكانت دلالة كبيرة واضحة على مدى عمق الفلاح واطلاعه بمسئولياته وإدراكه لدور الحاكم ومسئوليات الحكم والإدارة وفى رأيى إنها لخصت ثلاثة محاور مهمة ليست فقط فى شئون الزراعة وهى:

1- ميزان العدالة وانضباطه
2- علاقة الحاكم والمحكوم
3- مسئوليات الحكم ودور الحكومة

دعونى أتطرق إلى بعض العبارات المهمة التى وردت من النصوص التسعة لرسائل الفلاح الفصيح فقد أتى منها "إنك أب لليتيم وزوج للأرملة وثوب الذى لا أم له"، "أليس من الخطأ ميزان يميل وثقل ينحرف ورجل مستقيم يصير معوجا.. أنت الدفة فلا تنحرف وأنت الميزان فلا تميل.. كن معينا حتى تظهر قيمتك واضحة"، "لا تميلن فإنك الاستقامة"، "إن عادل لا وجود لعدلك"، "لقد نصبت لتسمع الشكاوى وتفصل بين المتخاصمين وتضرب على يد السارقين"، "لا حياة لفقير مالم تكن له فى قلب العدالة منزلة"، "أقم العدل لرب العدل".

وهنا نجد دليل واضح لا يقبل مجالا للشك على مدى ما كان عليه الفلاح من ما يؤهله ليقود الاقتصاد ويشكل ضمير المجتمع وقدرته فى السمو نحو العدالة.

هنا يطرح سؤال مهم نفسه، هل الفلاح المصرى المعاصر الذى امتلك من الوسائل التكنولوجية والعلمية تضاهى ما استخدمها سابقا فى عصر الدولة القديمة بالإضافة إلى أنه يعيش فى عصر الإنترنت والثقافة والعلوم لديه كم الوعى والثقافة التى امتلكها الفلاح الفصيح؟

وبالتأكيد الإجابة لن تكون بالقدر الذى يرضينا ويجعلنا مطمئنين على حال هذه الدولة وقدرة الفلاح على الشعور بواجبه الوطنى.

ودعنا نضع مشاكل الفلاح فى صورة نقطا لا يختلف عليها اثنان فى القطر المصرى وكانت ولا زالت وستظل إن لم يكن هناك قرار حقيقى بحلها:-

1- عدم وجوده على الخريطة كأحد المكونات الاجتماعية باحتسابه بعيدًا لوجوده خارج إطار الإقليم القاهرى وانشغاله بأرضه.
2- عدم وجود تعليم زراعى حقيقى علمى وأكاديمى يؤهل الفلاح للتعامل مع أرضه بل يتولى رعايتها بالوراثة عن أجداده معتمدا على خبرات قيل عنها حديثة فى زن مضى.
3- عدم وجود هيئة مؤسسية حكومية تستطيع التعاطى مع الفلاح بالشكل المناسب وتحدد السياسة العامة الزراعية العليا.
4- اعتبار الفلاح مجرد رقم أو كتلة أو طائفة ممثلة فى بعض اتحادات ونقابات الذين يستدعون بالتعيين فى البرلمان أو فى مناصب شرفية بالدولة أو لقاء هنا أو احتفال هناك مع العلم أن الفلاحين ليسوا كتلة سياسية بل اقتصادية يجب أن توجد فى الحقول والمزارع ومؤسسات الزراعة فى مصر وليس مؤسسات البروتوكول والسياسة.

أيضا هناك قضية أخرى أضرت بالفلاح المصرى وهى قانون الإصلاح الزراعى الذى صدر بعد ثورة يوليو 1952، يجب أن أشير فى البداية أننى لست ضد السيطرة على التوسع للاقطاعى الذى مارسه بعض الباشوات والأمراء السابقين على الأرض الزراعية المصرية، ولكن فى نفس الوقت أنا ضد التفتيت المدمر للأرض الزراعية، فالفلاح أصبح لديه مطلق الحرية فى زراعة ما يشاء وهذا علميا يؤثر على التربة ويضر بها ويقلل من قدرتها الإنتاجية، وبشهادة علم الاقتصاد فإن ضعف الإنتاج المصرى الزراعى وعدم كفايته هو التقسيم غير الصالح للأرض فلا يصح أن يزرع أرضه برسيم على سبيل المثال وعلى حدود الأرض المجاورة له يوجد ذرة، أيضا الفلاح تحول من كونه مزارعًا يقوم بدور اقتصادى هام إلى تاجر هدفه زراعة محصول لبيعه وبالتالى دوره الوطنى والمجتمعى والاقتصادى والتاريخى تحول من دور يتسم بروح المبدأ إلى دور تجارى بحت.

لقد ظن الظانون أن كرامة الفلاح وازدهاره تأتى بتملكه لأرضه وحريته فى اختيار المحصول الذى يزرعه، لكن يجب يجدر الإشارة أن الفلاح صنع عصوره الذهبية فى وقت لم يكن فيه متملكًا لأرضه وكان فلاحًا فصيحًا مثقفًا شاعرًا بروح العدالة ومؤشر الثقة بينه وبين الحاكم.

إن كرامة الفلاح من كرامة الاقتصاد المصرى وهى شىء مهم للغاية من أجل قدرتنا الإنتاجية، إن كرامة الفلاح المصرى تكمن فى حفظ ضمان اجتماعى وتقديم التعليم والتدريب والمهارات المناسبة لأداء دوره بشكل أفضل.

إن كرامة الفلاح المصرى تكمن فى وضع خطط استراتيجية قومية تستهدف الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الأساسية والاستراتيجية كالقمح والذرة والشعير والأرز وقصب السكر والفول والعدس خلال آجال معينة، هنا سيوجد هدف يتحرك من خلاله الفلاح.

الفلاح يجب أن يزود بالحد الأدنى الكافى من الثقافة والمعرفة والدراية ليس فقط فى مهنته ولكن أيضا فى المجالات المختلفة حتى يصبح واعيا بمشاكله ومطالبه وحقوقه وواجباته. نحن اقتصاد زراعى تقوم صناعتنا على زراعتنا إن لم يكن الفلاح على قدر القدرة ليتحمل مسئولية بناء الدولة فنحن إنتاجنا القومى والمجتمعى فى خطر مزمن.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة