وهكذا بدأت يومى بعيون طفلى الصغير التى ظلت متعلقة بصورتى فى المرآه وأنا أستعد للذهاب للعمل، فعيونه تعلقت بملامحى التى ظلت تتحرك على سطح المرآه وأنا أكمل استعدادى لذهابى لعملى كما تتعلق عيون فتاة حالمة بنجوم السماء فى ليلة صيف صافية، واستوقفتنى تلك النظرة التى سكنت ملامحه للحظة وتذكرت كيف تعلقت عيونى بأحلام كثيرة فى الماضى ولم تتحقق وظلت عيونى وتبخرت الأحلام، وما عدت أعرفها ولا تعرفنى ايضا تلك النظرة التى ذكرنى بها طفلى هذا الصباح، وربما أخجلتنى براءته فكان يتطلع إلى صورتى فى المرآة بنقاء إستفز كل المشاعر الإنسانية بداخلى وأطاح بجمودى بعيدا وعلقنى بعيونه مثلما تعلقت عيونه بصورتى المتحركه على سطح المرآه .
وبين عيونه وداخل عيونه وخلف عيونه تبعثرت كل عباراتى وتشككت فى جميع المفردات، فما عدت أعرف كيف أعبر عن ما شعرت به وأذاب جمودى هذا الصباح .
ومرت دقائق كثيرة وأنا شاردة بأفكارى ومازالت عيونه عالقة بى، فلا هو تعبت عيونه ولا انا قويت على أن أسكن مساحة أخرى غير عيونه، فكيف أتخلى عن هذا الصباح البرىء وبكل بساطه أتركه وأرحل لتنصهر وتحترق بنار الشمس كل مشاعرى الإنسانية من جديد مع أول خطوه أخطوها خارج المنزل وتتصلب شرايينى مثل صلابة أسفلت الطريق...كيف أتخلى عن دماء جرت فى تلك الشرايين وأترك سفينة حريتى التى وجدت مرساها فى بحر عيون طفلى وأصبح أسيرة لقانون الطريق، وأكتب بكامل إرادتى نقطة النهاية لهذا الصباح الجميل .
وعلى الفور نظرت مباشرة إلى عيون طفلى فلا داعى للمرآه الآن، فهذا صباحنا نحن، وابتسم طفلى بعد أن مسكت يديه، فهذا الصغير صاحب الحروف المتلعثمة أدرك بذكائه أنه لا ذهاب للعمل اليوم، وتلذذ بإنتصاره على بعد أن قيدتنى نظراته وأوقفت عالمى المتحرك وصرت انا طفلته هذا الصباح .... فالقرار قراره والإرادة إرادته .
وبدأت معه حديث ربما لن يدركه ولكن لم أشعر يوما أن احدا ما يستحق ان يسمعه مثلما يستحق هو أن يسمعه " وإن لم يفهمه" .
وتساءلت لما تتعلق عيوننا بشىء دون باقى الأشياء ؟، وما هى تلك الكيميا التى تغزو حدقة العين وتستوطنها، أهو شغف حقيقى أو مجرد إحتياج لحالة من الحالات.
وشطحت بخيالى لدقائق وتصورت لو أنهم يدرسون فى كليات الطب "علم العيون الروحانى" فيصبح طبيب العيون قادر على أن يقرأ ما بداخلها ويحررها من كل شىء يأسرها ولا يقتصر علمه فقط على بعد النظر وقصر النظر ومشاكل البصر، بل يصبح قادرا على تحليل وتشخيص ما هو أبعد من النظر، وبغض النظر إن كنت شطحت بخيالى أو أن خيالى سيصبح يوما ما حقيقة، أتمنى لك يا ولدى راحة العيون، فلا هى تجن ولا تأسرها الشجون .
فعادة ما ندعو براحة البال، ولكن أول دعائى لك هو راحة العيون فمنها يبدأ كل شىء، الحلم والفكرة والهدف والشغف والرضا والقبول كله يبدأ بنظرة واحدة من العيون، وربما أراك يوما ما طبيبا للعيون لديه أدواته الخاصة التى تختلف عن أى طبيب
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة