يتقدم الحارس إلى غرفة السجن، يمد يديه بقنينة من سُم "الشوكران"، ويقول:إليك ياسيدى، تعلم ما عليك فعله، وباكيا يكمل "لم أعرف فى هذا المكان رجلا أنبل منك"، فيرد سقراط بسحبما روى عن مشهد النهاية الذى جمعه بحارس السجن: وأنا اتمنى لك حظا سعيدا، ثم يتجرع السُم ويموت.
سبق ذلك المشهد عدة مشاهد أخرى قبل سجن سقراط كان آخرها ذلك الذى وقف فيه أمام المحكمة قائلا:"يا رجال أثينا لست أعرف كيف أحسستم حينما كان متهمى يتكلمون، لقد كانوا يبعثون على الإقناع، وأوشكوا أن ينسوا من أكون، رغم أنهم لم يتكلموا بكلمة واحدة من الحق، إنى أحبكم ورغم هذا سأطيع الآلهة بدلا من أن اطيعكم ما دام فى صدرى نفس يتردد، وفى قلبى قوة فلن أكف عن ممارسة الفلسفة، وسوف أشجع كل رجل على الحقيقة والخير، سواء لدى أن تطلقوا سراحى أو لا تطلقوه فلن تغيروا موقفى حتى لو حكمتم على بالموت عدة مرات"، كان ذلك المشهد الذى انتهى بالحكم على سقراط بالإعدام لاتهامه بالهرطقة والإساءة للتقاليد الدينية وإفساد الشباب بأفكاره.
وسجن سقراط بعد العداوة التى نشأت بينه وبين حكام اليونان، لأنه كان يقوم بمحاولات مستمرة لتغيير المفاهيم التى كانت سائدة فى ذلك الوقت، ومن بينها مفهوم "العدل" الذى لم يكن متحققا فى مجتمعه، وكانت آخر معاركه مع حكماء اليونان عن مفهوم "الحكمة"، فبحسب الواقعة التى ذكرها الفيلسوف أفلاطون فى دفاعه، جمع سقراط رجال مدينة أثينا الحكماء وطرح عليهم بعض الأسئلة التى جاوب عنها كل منهم دون أن يتشكك فى صحته إجابته، وكشفت هذه الإجابات لسقراط أنهم قليلى المعرفة، وأن الحكمة ليست من صفاتهم، واعترف وقتها أنه هو نفسه غير حكيم على الإطلاق، ثم أخبرهم أنه بعد اعترافه بجهله يصبح أحكمهم، وعندما واجه الحكماء بهذه الحقيقة اتهموه بالإثم.
وولد سقراط الذى يعتبر أحد مؤسسى الفلسفة الغربية سنة 470 قبل الميلاد، وأجبره أبوه الذى كان يعمل نحاتا على ترك مدرسته فى سن الرابعة عشر من عمره، وعمل مع أبيه فى النحت، ثم بدأ بعد ذلك فى الالتفات لاهتماماته الخاصة، فى الفسلفة والمنطق، أسس منهج الجدل الذى عرف فيما بعد بـ"المنهج السقراطى"، وهو الذى يقر بأنه عند وجود أى مشكلة لا بد من تقديم مجموعة من الأسئلة تساهم الإجابة عنها فى حل المشكلة.
خاض سقراط عدة معارك ضد السوفسطائيين أيضا، الذين أرادوا تبديل قواعد الحق والباطل فى المجتمع، واعتمدوا فى ذلك على براعتهم فى قلب الحقائق، وحارب أيضا كل من تمسكوا بالخرافة والجهل وأرادوا نشرها فى مجتمعه، وتوفى عام 399 قبل الميلاد.
ولسقراط عدة مقولات شهيرة، من بينها "الطريق الأعظم للعيش بشرف في هذا العالم هو أن تكون ما تريد أن تبدو للعالم"، و" داوِ الغضب بالصمت، وداوِ الشهوة بالغضب، فإن من غضب على نفسه من تناول المساوئ شغل عنها".
موضوعات متعلقة..
أفكار قتلت أصحابها..الدولة العباسية تختبر قسوتها بـ"شواء" ابن المقفع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة