لغوياً يفسر التهوين بأنه تخفيف الأمر وتبسيطه بمعنى تسهيله أما عن التهويل فهو المبالغة والتضخيم فى الأمور ليصل الأمر لحد التخويف والتهديد.
وما بين هذين المعنيين تتلخص بإيجاز حقيقة ما نعيشه فى مصر تلك الأيام.
فتختلط العديد من الأمور والقضايا التى هى بالأساس واضحة وضوحاً جليا.
لا يحتمل الخلط أو الخطأ وقد حُسمت أبعادها وجوانبها وآثارها المختلفة منذ سنواتٍ عدة.
إنها بالأساس قضايا مجتمعية مختلفة توارثتها أجيال عدة عبر سنوات تحولت فيها مصر من دولة ليبرالية منفتحة إلى دولة تبدو فى ظاهرها كذلك وأن كانت تعقدت فيها الأمور واختلطت حتى أصبحنا نبدو أحيانا بلا طعم أو رائحة.
إن المتأمل والباحث فى الشأن المصرى ليدرك حجم التغير الذى شهدته مصر مع مطلع القرن التاسع عشر على يد محمد على وانفتاحها على المجتمات الأوروبية حينئذاً.
بعدما عانت قرونا ظلامية فى غياهب العثمانيين والمماليك وإن كانت أكثر حظاً فى العصر المملوكى عن ما آلت إليه من جهل وتخلف مع العثمانيين وهو ما يحاول أحفادهم تكراره هذه الأيام.
ولأن إرساء قواعد الحداثة فى مجتمع شرقى كمجتمعنا المصرى يخضع لمؤثرات تقليدية قويه فإن المؤثرات الحضارية لا تبدأ إلا بعد أن تهدأ الحروب والثورات والصراعات.
ولا أريد أن أطيل فى تلك المقدمة والتى كان لابد منها حتى ندرك ما آل إليه حال أمتنا المصرية طوال الـ44 عاماً الماضية
فقد كنا نعيش خلال هذه السنوات على المظاهر فقط فى كافة مناحى الحياة.
فنتحول مع منتصف السبيعنيات إلى مجتمع الانفتاح دونما أن نملك صناعة قوية راسخة أو تجارة قائمة على منافع متبادلة حتى لا يختل ميزان المدفوعات.
كنا نشدو بالأغانى الوطنية فى كل المناسبات ونحن دون أن ندرى نهدر قواعد مواطنة بدعاوى التخلف والرجعية التى هبت علينا من خارج الوطن ووجدت من يساندها بالداخل فتطور إرهاب الفكر إلى ارهاب القتل والتفجير والاغتيالات، كنا نتظاهر كثيرا بالتدين الشكلى الخارجى الخادع بمظاهرة.
الكاذبة والصادم بجوهره الفارغ. والمسيس. والقائم على إشعال الوطن وتفتيته حتى كدنا بل وأصبحنا لا نخشى الله حتى فى أبسط تعاملاتنا اليومية.
استحدثنا مناهج تعليمية وكدسنا بها الكتب وعقول الأبناء كل فترة ونحن لا نضع استراتيجية واضحة لبناء عقلية علمية مصرية متطورة تواكب العصر وتكتشف المبدعين والمجتهدين من بناء الوطن بل تطردهم إلى الخارج بحثاً عن الفرص الضائعة داخل الوطن .
كنا نفتتح صروحاً طبية ومستشفيات كثيرة بالملايين تارةٍ والمليارات تارةٍ دون اهتمام بإعداد طبيب مؤهل تأهيلاً مواكباً للعصر وانما كنا اكثر جدارةٍ لاستقبال أصعب وأشد انواع الامراض من فيروسات واورام وفشل كلوى وكبدى.. وبالطبع كانت هذه النتيجه الطبيعيه لإهمال الرقابة على الغذاء والصحه بشكل عام مع فساد عقول وضمائر وذمم .
شيدنا قصوراً وابراجاً بتجريف أراض ومخالفات بناء ودون تخطيط علمى مدروس لإحداث توازن بيئى بين الريف والحضر.. ومن جانب آخر تركنا غول العشوائيات يتسرطن بين جنبات الوطن ويخرج لنا عالماً آخر من الجريمة، وغيره الكثير والكثير، وما بين التهوين والتهويل أضعنا الأكثر خلال تلك السنوات.
أما آن الأوان بعد كل ما مررنا به وبعد أن اكرمنا الله بالفرج بعد الشده وعبرنا بثورتين مُصقلين بخبراتٍ عدهَ.. وعرفنا حجم وقيمه وطننا الغالى.. أم أن الاوان أن نضع الامور فى نصابها الحقيقى ونخرج خارج اطار الدائره المفرغه العقيمه فما نملكه من خبرات حياتيه وحضاريه يكفى لبناء وطن يملك من مقومات التقدم والرقى كنوزاً لا تفُنىَ ولا تنضُب ولكن كل ما ينقصنا هو المواجهه والاراده مع تلك الحقائق . حتى نسير فى ركب الكبار وسوف نفعلها يوما.
ولتحيا مصر.. رغم أنف الحاقدين
شنودة فيكتور فهمى يكتب: ما بين التهوين والتهويل
الثلاثاء، 21 يوليو 2015 08:12 م
ورقة وقلم - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة