وبحسب المعلومات، فإن ظاهرة زواج القاصرات تظهر بصورة كبيرة بمنطقة جنوب الجيزة، خاصة بقرى طموه فى أبو النمرس وبعض قرى مدينتى الحوامدية والبدرشين، حيث يزحف الأثرياء العرب إلى هذه المناطق الفقيرة للزواج من القاصرات لعدة أيام، وفى الغالب الأعم يتم هذا الأمر بواسطة محامين أو سماسرة معروفين بهذه المناطق، حيث يحضر الثرى العربى ويتم عرض مجموعة من الفتيات عليها فى موقف أشبه بسوق العبيد يختار منهن ما يشاء.
وتقول المعلومات إن الثرى العربى يتزوج الفتاة القاصر بموجب ورقة يبرمها المحامى مقابل "حفنة من المال" على أن يعيش معها عدة أيام، ويتركها عقب ذلك ويعود إلى بلده، وتتفاقم المشكلة بوجود حمل بعد هذا الزواج وعدم وجود عقد رسمى، ومن ثم يلجأ بعض الآباء إلى تسجيل أحفادهم بأسمائهم.
إحدى ضحايا زواج قاصرات
وتسرد "ماجدة.م" ربة منزل إحدى ضحايا زواج القاصرات معاناتها من هذا الأمر، فتقول: كنت فتاة صغيرة أجمع العرائس لألعب بها فى منزل جدرانه متهالكة وسقفه اقترب من الأرض كثيرا، برفقة أب عاجز عن توفير لقمة عيش لنا، وأم تنهش الأمراض فى جسدها دون أن نجد ثمن العلاج، «هو إحنا يا بيه كنا لاقين نجيب عيش حاف عشان نجيب علاج».
ووسط هذه الحياة الصعبة القاسية أضافت ماجدة: كنت أحلم باليوم الذى أكبر فيه وأخرج إلى سوق العمل لأحصل على المال وأساعد والدى وأرسم الفرحة على وجهه وأمى.. وذات يوم استقيظت من نومى على أصوات مجموعة من الأشخاص يجلسون مع والدى، ومن خلف باب حجرتى شاهدت أحدهم يرتدى جلبابا أبيض و«شال» على رأسه «زى بتوع الخليج» ولهجته غير مفهومة، وتركوا أموالا لوالدى وانصرفوا بعد قرابة ساعة، وشاهدت الفرحة لأول مرة على وجه والدى، وفى هذه الليلة لأول مرة أكلنا لحمة، وأكلت كثيرا لدرجة إن «بطنى وجعتنى أصلى مش مولفة على اللحمة»، ولم يتحدث والدى معى فى شىء.
وتابعت الضحية: مر أسبوع على زيارة الرجل العربى إلى منزلنا المتواضع.. تلك الزيارة التى غيرت معالم حياتنا تماما، ودخلت أمى غرفتى ودموعها تسبق حروفها وبعد مقدمات طويلة عرفت منها أننى سأتزوج هذا الرجل العربى الذى كان عمره يتخطى الستين عاما مقابل أموال كثيرة سيقدمها لأسرتى.. لم أكن ساعتها أدرك ماذا يعنى الزواج، لكن على كل حال عرفت من أمى أن هذا الأمر فيه خير لأسرتى فوافقت فى الحال، ومرت أيام قليلة وحضر الرجل بسيارة وذهبت معه بعدما جاءت سيدة إلى منزلنا وجهزتنى.
وعن كواليس حياتها مع العربى قالت الضحية: دخلت برفقته شقة فارهة فى القاهرة استأجرها لعدة شهور، وتناولت معه العشاء، وبعدها لاحظت أنه يتناول كميات من الحبوب، فاعتقدت أنها أدوية وعرفت فيما بعد أنها أقراص منشطة جنسيا، وطلب منى خلع ملابسى، لكننى رفضت، مع أن أمى شددت على بأن أنفذ له ما يشاء، وبعد قرابة نصف ساعة من الحديث فشل الرجل فى إقناعى، فتحول إلى شخص شرس جردنى من ملابسى بالقوة، حتى أصبحت عارية تماما، ثم أحضر «حبال» وربطنى فى السرير، وعاشرنى جنسيا بقوة حتى كدت أفقد الوعى، وكرر هذا الأمر لمدة 3 أيام حتى أصبحت لا أطيق نفسى، وبعدها توسلت إليه أن يتركنى فأعطانى أموالا وعدت إلى أسرتى مرة أخرى.
واستكملت الضحية طويلة القامة بدينة الجسد سمراء الملامح حديثها قائلة: مرت سنوات على بعد هذه الواقعة البشعة دون زواج حتى اقترب العمر من الثلاثين، وعندها تقدم شاب للزواج منى اشترط على أسرتى أن يكون الزواج عرفيا لمدة معينة ثم تحويل الأمر بعد ذلك إلى زواج رسمى فوافقوا، وتزوجته وطلب منى عدم الحمل حيث إنه لا يرغب فى الإنجاب حاليا، وعشت معه عدة أشهر، كان لا يشغله فيها سوى المعاشرة الجنسية، وعانيت من والدته التى كانت تقطن معنا بنفس الشقة بالمقطم فى القاهرة وكانت تتحكم فى حياتنا بصورة غير طبيعية، ورغم تشديده على عدم الحمل إلا أننى شعرت أن جنينا يتحرك داخل أحشائى، وعندما عرف ذلك جن جنونه وطردنى من الشقة ومزق ورقة الزواج العرفى برفقة والده، وساومنى على إجهاض الحمل مقابل الاستمرار فى الزواج لكننى رفضت.
واستطردت الضحية: اسودت الدنيا فى عينى مرة أخرى، وبدأت الديون تتراكم على ولم أستطع العمل بسبب الحمل، ومع شدة الجوع الذى عطل تفكيرى ذهبت إلى سيدة وطلبت منها الحصول على المال مقابل أى شىء، فأخذتنى إلى شقة بالقرب من ميدان التحرير كان يجلس فيها رجل بمفرده وطلبت منى أن أعاشره مقابل حصولى منه على المال ولم أخبره أننى حامل، ومرت الأشهر ووضعت ابنى، وتوسلت إلى والده أن يساعدنى بالمال لكنه رفض ولم يعترف بالطفل، وبدأ الجوع ينهش أجسادنا أنا والطفل فعرضت فلذة كبدى للبيع، نعم قررت أبيع ابنى من أجل المال، «أصلى ما حدش جرب الفقر.. دا ممكن يخلى الواحد يبيع نفسه»، وبعدها بدأت أتغلب على الجوع وتراجعت عن تفكيرى وعدت بابنى إلى شقة استأجرتها بـ400 جنيه وأعمل خادمة فى المنازل لجمع المبلغ شهريا حتى أوفر لقمة العيش لطفلى وأحمى جسدى وابنى من البيع، «ربنا يكفيكم شر العوز».
إحصائيات: الحوامدية تتصدر قوائم زواج القاصرات بنسبة 8.3 %
أرقام وإحصائيات مخيفة عن زواج القاصرات فى مصر، الذى بدأ يزداد بصورة مخيفة فى الآونة الأخيرة خاصة مع زيادة الفقر والبطالة، حيث بدأ ظهر الأمر يتفشى فى العديد من القرى الفقيرة على مستوى الجمهورية كان أبرزها قرى جنوب محافظة الجيزة التى احتلت رقم واحد فى زواج القاصرات. احتلت محافظة الجيزة المركز الأول فى زواج القاصرات، وتتصدر الحوامدية القائمة فى تزويج الفتيات قبل سن 18 عاما بنسبة 8.3 بالمائة، ثم أبو النمرس بنسبة 6 بالمائة، والبدرشين بنسبة 3.4 بالمائة، وذلك وفق دراسة أجراها المركز الديموغرافى بمعهد التخطيط القومى، وأوضحت الدراسة أن متوسط دخل الأسرة التى تلجأ إلى بيع بناتها بين 850 جنيها إلى 1000 جنيه شهريا مقسما على عدد ثمانية أفراد، بمتوسط إنفاق أقل من دولارين فى الشهر، وهو ما يعنى دخول هذه الأسر فى نطاق حد الفقر حسب توصيف الأمم المتحدة، الأمر الذى زاد من زواج القاصرات بهذه المناطق.
قانونيون: عقوبة زواج القاصرات تصل للسجن 15 سنة
ويؤكد الدكتور سمير صبرى المحامى، أن المأذون الذى يجرى عقد زواج القاصر يقدم للجنايات لمخالفته للقانون، حيث يتعين عليه أن لا يجرى العقد إلا بعد بلوغ السن القانونية، ومن يخالف ذلك يقدم للمحاكمة الجنائية وتصل العقوبة فيها إلى 15 سنة حد أقصى و10 سنوات أدنى.
وأضاف قانونيون أن قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، منع زواج القاصرات أقل من 18 سنة باعتبارهن أطفالا، لكن للأسف بعض المحامين من أجل المال يلجأون إلى تزوير شهادات الميلاد حتى يتم كتابة الطفلة بتاريخ قديم يظهر كبر سنها للتزوج على يد مأذون بصورة طبيعية.
علماء الدين: زواج القاصرات لأيام محددة باطل لأنه نكاح متعة
قال الدكتور على الخطيب الأستاذ بجامعة الأزهر، إن النبى -صلى الله عليه وسلم- شدد ألا يكون الزواج إلا عن طريق ولى، لافتًا إلى أن الشخص الذى يزوج ابنته لمدة أيام أو وقت زمنى محدد من ثرى عربى من أجل المال، يطلق على هذا الزواج فى الإسلام "نكاح المتعة" وهو باطل شرعا، كما أن الإسلام حرص على تقدير المرأة وزواجها بشكل يليق بها وليست كرقيق تباع وتُشترى.
الموروثات الخاطئة والجهل سبب تفشى الظاهرة
وقالت الدكتورة مرورة الدرديرى خبيرة العلوم الاجتماعية والنفسية، إن أسباب زيادة زواج القاصرات يرجع إلى الفقر والجهل وغياب الوازع الدينى وانعدام الثقافة، ووجود بعض الموروثات الخاطئة، حيث إن هناك من يرى أن "البنت مالهاش غير بيت جوزها" مهما كان الأمر، و"الراجل ما يعبوش غير جيبه" فيزوجوا الفتاة القاصر لكهل ثرى من أجل المال.
وأضافت خبيرة العلوم الاجتماعية، أن الفتاة التى تتزوج قاصر تحرص على أن تعيد الأمر مع بناتها فيما بعد، وبذلك يتم تدمير أجيال وتتحقق الكارثة، ومن ثم يتطلب الأمر جهود جميع مؤسسات الدولة بما فيها الأزهر والأوقاف والإعلام والأمن وغيرها لوقف هذه الظاهرة والحفاظ على بناتنا من هذا الخطر.