ها هو البحر لأخيرًا..
كيف حالك يا صديق؟! كيف حال أمواجك وأصدافك وغضبك؟!
مضى زمن ليس بالقصير منذ اللقاء الأخير.. لكنك لا تعرف أى ريح عاصفة أقتلعتنى من جذورى وقتلت تمردى!.. ولا تدرى أى سعادة قذفتنى لتصطدم رأسى بالسماء السابعة !..
لقاؤنا كلقاء الأصدقاء القدامى.. أزورك بدون حقائب كثيرة.. وأنا جئتك فارغة من كل شىء إلا أوراق بيضاء وقلم رصاص وشغف يملأ قلبى وغيوم تملأ سمائى، سمائى التى لا تمطر ولا تصحو.. أتعلم أننى أفضل القلم الرصاص لأن أخطائه سهلة الإزالة والنسيان!!
دائمًا تحدثنى بلغة أفهمها.. ما بالك اليوم تخبرنى أشياء صعبة.. أم تراه الملل صار يحجب عنى كل شىء حتى حديثك الأزرق الساحر.. أنا أسمعك بكل حواسى، فتحدث إلى أرجوك.. اخبرنى شيئًا ما عن المستقبل، فسر لى شيئًا ما مما مضى.. فأنت أقدم وأوسع.. أنت تسافر فى كل الموانى حتى المهجور منها.. أنت هزمت كل البحارة والسفن وسخرت من بُصلتهم.. الديك شيئًا ما أهزم به ملل يأكل وجدانى؟!
أنا أحيانا يزورنى ملل يعصف بسكونى، ملل يُسكت كل أفكارى ويقيدها.. حينها تصير كل الأشياء باهتة جدًاـ وأرى كل شىء ينتمى للعدم، عدا حزن قديم يهمى على قلبى، حزن قديم أقدم من قلبى ذاته.. حينها يزورنى البكاء كصديق عائد من سفره البعيد.. فلا تعود تطربنى أغنية ولا تبهرنى رقصة الفراشات ولا قصة البلبل.. أرى كل الألوان سكوت وكل الحكايات سكون..
وأحيانًا تسقط السعادة على روحى كالطيور المهاجرة، فافتح غرفتى وأخرج أشيائى الصغيرة من رفوفها، وتأتى بعض النغمات الحائرة كجنيات سحرية لتمسكنى بأشرطة حريرية ملونة تنزعنى من اليأس.. تبحث فى قلبى عن بدايات الحكايات .. تزيل أتربة الملل عن كل أوراقى وتخرج الأشعار القديمة من دفاترى.. فأعود لامسك بقلمى لأكتب رسالة جديدة تفوح منها رائحة الحنين.. وأضيف بعض السطور لقصتى.. وأغنى لقمر لم يحين موعد اكتماله.. ترى أنى أتبدل وأتغير مثلك؟!
بحر