(أوضاع أهل السنة فى إيران) .. موضوع شائك ومشوش دار حوله كثير من الجدل فى البلاد الإسلامية السنية خارج إيران خلال السنوات الأخيرة، حاولت طهران أن تلقى الضوء عليه من خلال فيلم وثائقى مدتة 60 دقيقة، مستعينة بشاب مصرى يدعى "أحمد مصطفى" رصدت له ولطاقم العمل إمكانيات ضخمة، ضمن له الانطلاق من العاصمة طهران وصولا إلى أبعد نقطة حدودية فى البلاد، فى رحلة عمل امتدت لأكثر من 11 ألف كيلو متر، من الغابات الخضراء على سواحل بحر قزوين، حتى صحارى خرسان وبلوزستان وجبال كردستان، وشملت محافظات (طهران ،وكلستان، وخراسان رضوى ، وسيستان بلوشستان ، وهرمزكان،وكردستان وآذربايجان الغربية).
ورغم الإمكانيات الكبيرة التى رصدت لطاقم الفيلم، الذى وضع السيناريو له "إسماعيل على زادة" وأخرجه المخرج الإيرانى (إسلام زادة)، والمجهود الكبير الذى بذل للخروج به بمثل هذه الصورة، إلا أن ضخامة الموضوع الذى يحتاج توثيقه بالفعل إلى ساعات، جعل صناعه يفقدون التركيز فى القضية الأساسية، ويمرون المحافظات الإيرانية التى يعيش فيها السنة بشكل عابر وسريع، دون الإجابة بشكل كاف عن كل ما أثير فى العالم حول أوضاع أهل السنة فى إيران، وما نشر عن تعرضهم للاضطهاد والاعتقال ونقص فى الخدمات والبنية التحتية فى المناطق التى يعيشون فيها.
وأستطيع القول إن الطبيعة المبهرة، والعبق الخاص الذى يأسر العقول للأسواق والشوارع والمساجد فى المدن الإيرانية، والتى تتميز بطبيعة وسحر خاص يميزها عن مثيلاتها فى العالم، قد صرف صناع الفيلم بشكل كبير عن القضية الأصلية، حيث طافت الكاميرا مع أحمد مصطفى فى كثير من الأسواق والشوارع والمزارات، بشكل جعل الفيلم يسوق سياحيا لإيران أكثر من مناقشة أوضاع أهل السنة فى البلاد.
كما كان الأولى بصناع الفيلم أن يبدأوا لقطاته بالحديث عن القضية الأساسية والتعريف بأهل السنة فى إيران، وتعدادهم، والمدن التى يعيشون فيها ، وما يتردد فى الخارج عن تعرضهم للاضطهاد، ثم الانتقال إلى سياق العمل بشكل مكثف من خلال لقاءات مع رموز المذهب السنى فى المناطق الإيرانية المختلفة، مصحوبة بلقطات سريعة لتلك المدن تعطى دلالة فقط على أن هؤلاء الأشخاص يعيشون فى تلك المدن ، وهو (ما لم يحدث) على الإطلاق، حيث بدأ الفيلم بلقطات من مصر حاول من خلالها "أحمد مصطفى" أن يصدر للمشاهد فكرة أن موضوع الفيلم جاءت بناء على فكرة من مصرى شخص "سنى المذهب" غير إيرانى الجنسية عارضا لحظة وصولة إلى مطار طهران، ثم الانتقال بالمشاهد إلى معرض (القرآن الكريم) الذى يقام فى شهر رمضان من كل عام بالعاصمة الإيرانية طهران، وجميعها مشاهد خارجة تماما عن سياق موضوع العمل، وكان من الممكن اختزالها بـ (إشارة مكتوبة) تعرض على الشاشة لثوان بعد استعراض أسماء صناع العمل فى البداية، يقال فيها إن فكرة العمل جاءت من (شخص سنى المذهب، مصرى الجنسية ،اسمه كذا، وهو من سيتولى التعليق على الفيلم).
كما غاب عن طاقم العمل أنهم يقدمون فيلما وثائقيا عن قضية بعينها ، وأنه لابد من استثمار كل لحظة من الفيلم لإضافة معلومة جديد عن تلك القضية.. إلا أن الفيلم كان ينتقل بنا بين الحين والآخر فى جولة لمعلق الفيلم فى سوق، أو طريق ، أو معلم من معالم المدن التى زارها ، أو رقصة شعبية ، أو حفل غنائى ، أو غيرها من المشاهد البعيدة تماما عن سياق العمل ،وهو ما جعل المشاهد ينصرف فى أغلب أوقات الفيلم عن القضية الأصلية.
وهو ما حدث مع بداية الفيلم عندما انتقل طاقم العمل فى أول زيارة له إلى الأماكن السنية فى محافظة (كلستان) بشمال إيران.. حيث ظهر أحمد مصطفى مع محافظ الإقليم التركمانى فى جلسة ضمت عددا من المسئولين والأصدقاء ، دون أن يشير إلى مذهب أى منهم، أو إثارة أى من قضايا أهل السنة فى المحافظة .. وعندما انتقل بنا المشهد إلى مدينة (كندر قابوس) ظهر أحمد مصطفى وهو فى ضيافة عدد من التركمان السنة على مائدة إفطار ، دون أن يتحدث أيضا مع أى منهم عن أى من قضايا أهل السنة .. ثم انتقل فجأة إلى استعراض رقصة شعبية من المأثور الشعبى للمنطقة.
وحتى عندما انتقل بنا الفيلم إلى مدينة (بندر تركمان) التى تقع جنوب بحر قزوين، بدأها بجولة يقوم بها أحمد مصطفى فى سوق المدينة ..وعندما دخل بعد ما يقرب من 15 دقيقة فى سياق القضية الرئيسية للعمل بزيارة أحد رموز السنة التركمان فى المدينة ، لم يناقشه فى أوضاع أهل السنة ، بل ظهر الشيخ العجوز يناشده فى أن تصل الإذاعة المصرية بأحكام القرآن إليهم، لأنهم لا يعلمون أحكام القرآن ، مشيرا إلى أنه قام بتفسير القرآن خلال 31 عاما ، وأن هذا التفسير قد نفذت طبعته السادسة.
وفى المرة الأولى التى يقترب فيها الفيلم من جوهر القضية ، ظهر أحمد مصطفى وسط سوق مع مجموعة من التركمان السنة ، حيث أكدوا أنهم يعيشون بين أشقائهم الشيعة فى خير وأمان .. وأنهم شاركوا فى الحرب ضد نظام صدام حسين إلى جوار إخوانهم من الشيعة .. ثم انتقل لزيارة والد أحد الشهداء السنة ، الذى استشهد فى الحرب العراقية الإيرانية ،فى تدليل غير مباشر على تماسك النسيج الوطنى بين الشعب الإيرانى من شيعة وسنة .
ويبدأ الفيلم بعد ذلك فى عرض لقاءات متعددة مع عدد من مشايخ أهل السنة فى إيران ، دون استثمار لمناقشة قضاياهم ، والاكتفاء بعرض القضية على استحياء .. وهذا ما حدث فى استعراض لحياة أهل السنة فى مدينة (مشهد) بمحافظة خرسان ، وكذلك فى مدن (شهرستان ـ و بندر عباس ـ وجابهار ـ كومانشاة باوة .
وفى لفتة ذكية لصناع الفيلم ، لإبراز رأى القيادة السياسية فى إيران فى قضية أهل السنة فى إيران (دون إقحام) ألقى أحمد مصطفى الضوء على أعمال الفنان التشكيلى الإيرانى الدكتور(هادى ضياء الدين) صاحب التمثال الشهير بميدان الحرية بمدينة (ستندج) بمحافظة (كردستان) ودخل من زاوية التمثال والميدان لعرض لقطات لمرشد الثورة الإيرانية وهو يلقى خطابا جماهيريا من داخل نفس الميدان الذى يوجد به التمثال ،ويؤكد من خلاله على محاولة البعض استغلال السنة والشيعة لضرب الوحدة القومية الإيرانية.
ولعل أفضل ما قدمه أحمد مصطفى وإسلام زادة فى هذا الفيلم هو لقطة الختام، التى عرض فيها مسجدين متلاصقين أحدهما سنى والآخر شيعى ، وقد انطلق من داخلهما صوت الآذان للتدليل على وحدة وتداخل أبناء المذهبين فى البلد الواحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة