فوزى فهمى محمـــــــد غنيـــــــــم يكتب: البورصة الدنيويـــــة

الخميس، 13 أغسطس 2015 02:00 م
فوزى فهمى محمـــــــد غنيـــــــــم يكتب: البورصة الدنيويـــــة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والله لو أن قلوبنا سليمة لتقطعت أسفاً من الحرمان، ما أكثر الساعات التى تمر بنا ونحن نحرم منها لا نستفيد منها تذهب سبهللة والعمر والزمن أغلى من الثمن، أغلى من الذهب، وأغلى من الفضة، الذهب والفضة لو ذهبت يأتى بدلها شىء، لكن العمر والزمن لا يأتى بدله شىء إذا ذهب ذهب.

( ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ).

ترى هل لنا نحن البشر أيضاً بورصة وأسعار تنخفض وترتفع ويبور الواحد منا أحياناً وتفلس قيمته أحياناً أخرى. إنى أرى الطفل الرضيع ابن المليونير تتخاطفه العصابات وكأنه قطعة من الماس وتطلب فيه الملايين فدية.. ثم أرى نفس الشخص فى شبابه إنساناً متلافاً مستهتراً.. ثم أراه فى رجولته مجرماً وقاطع طريق.. ثم أراه فى شيخوخته معلقاً على حبل مشنقة ولا أحد يعبأ به. وأرى طفلا آخر يبدأ حياته فى ملجأ للأيتام.. ثم أرى نفس الطفل فى شبابه وقد أصبح فناناً ونجماً متألقاً. وأرى الطفل البليد فى المدرسة يصبح أينشتين.. وأرى فان جوخ الذى عاش ومات شحاذاً يتحول بعد موته إلى بورصة متحركة من الملايين يتسابق تجار اللوحات ولصوص التحف على تركته الفنية التى لا تقدر بثمن ويصبح توقيعه المزيف أغلى من توقيع مليونير حقيقى.. وأرى السجين فى زنزانة لا يسأل عند أحد يصبح بين يوم وليلة زعيماً مثل لينين يحكم نصف العالم بنظرياته ثم أراه يموت فتتحول جثته إلى صنم معبود. وأرى الراهب ستالين يتحول إلى الملحد ستالين ثم إلى الحاكم الجبار الذى يحرك التاريخ والدكتاتور الفرد الذى يعز ويذل ويخفض ويرفع بإشارة من يده، ثم أراه بعد الموت ينتكس إلى مجرم ويدينه شعبه وينبش تابوته.

وتلك أسعارنا بين الهبوط المجنون والارتفاع المجنون فى تلك البورصة الدنيوية التى وكأنها العبث. ولكنها دائماً بورصة خادعة لا تدل تقلباتها السعرية الظاهرية على قيم الناس. ذلك السعر التشريفى الرفيع لرجل لا يدل على شرف صاحبه عند الله. وإنما هى قيم ظاهرية. وإنما هى بعض ما تتقلب فيه النفس أثناء عملية تمحيصها بالغليان والتبخير. ولا تنكشف القيم الحقيقية للنفوس إلا بالاستخلاص من الأخير لجواهرها وإخراج مكوناتها فى ذلك اليوم الهائل يوم بعثنا الله بعد موت.. يوم تبرز حقائقنا عارية بين يدى خالقها فى تلك الساعة الرهيبة التى وصفها الله بأنها ستكون (خافضة رافعة) حيث تعود فتخفض ملوكاً جبارين إلى حضيض الهاوية وترفع رجالا صالحين كانوا فى حياتهم خاملين مغمورين لا يساوون شيئاً إلى قمم العزة والكرامة.. لا ينجو حتى الأنبياء من هذا التقلب فى الأحوال بين البسط والقبض.

وحينذاك.. وحينذاك فقط.. تثبت الأسعار إلى الأبد فالأعلون يظلون فى عليين والأسفلون يظلون فى الأسفلين وتصبح مكانة كل شخص دالة عليه.. فذلك هو عالم الحق.. حيث كل نفس انكشفت منزلتها الحقة... وبلغت رتبتها الحقة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة