"حلوة بمريلة بنى.. وجهها القمرى متدل من أعلاه ضفيرتان مذيلتان برباطين من أسفل.. تتوّجه شعيرات منثورة فوق رأسها تتراءى للمحيطين كـ هالة حول الشمس".. هكذا يتذكّرها جارها عند إيابها من المدرسة وخداها حمراوان يعكسان حرارة عالية.. خطواتها تعكس دلالا ورشاقة بجسد نصف ممتلئ.. يتركها من معها فى دقائقها الأولى بالمنزل بعد كل يوم مدرسى، لعصبيتها غير الموجهة فكانت تثور على من أمامها وتتفجر على أهون الأمور.
صاحبة الجلباب الكحلى فى مرحلتها الثانوية.. يراها هو وردة تتضوع حسنا وجمالا.. يعرفها من بُعد بابتسامتها المرحة.. عهدها الجميع حسناء لا ترى جميلا غيرها.. مرغوبة لا ترغب.. أصدقاؤها قلة اللهم إلا رفيق العمر "أوس أوس" الدمية الوفية.. لا تثير الجدل إلا عند انشغال من حولها عنها.. وقتها تثير الجلبة وتفتعل مشكلات لتلفت إليها الأنظار.. فبعد منتصف كل ليل يتجمع أفراد عائلتها.. ويسرد كل منهم تفاصيل يومه.. غالبا تسكت وأوقات أخرى تتمرد: "اسمعونى".. فيتجاهلونها لمغالاتها فى وصفها.. لما لديها من خلل فى ميزان الحقيقة.. والشىء البسيط الذى يحذرونه فقط تراه هى خطرا تقوم له الدنيا.
تقابلا قدرًا فى حديقة الأوبرا المطلة على شط النيل.. حيث كان هو يعتاد الاختلاء بنفسه ليرتب أفكاره.. وهى تذاكر دروسها فى ذات الحديقة وعند فراغها تتصفح كتابا عن علم الأبراج.. ومع تكرار اللقاء غير المرتب تآلفت روحاهما وأُعجب هو بها.. وبادلته نفس الشعور وازداد إعجابها به حينما علمت أنه ولد فى برجها نفسه "الميزان" بل فى اليوم ذاته.. حيث كانت تعتقد فى علم الأبراج.
"مزرعة سعيدة بعيدة عن الناس.. أرعى ألطف الحيوانات الصغيرة وأزرع أجمل الورود والخضراوات".. هذا ما تحلم به .. وأكملت سرد حلمها ونظرها أفقى مركّز على نقطة التقاء السماء والماء: "حياتى بسيطة مثل بنات الميزان.. فأرجوحة من خوص النخل أصنعها بنفسى تغنينى عن قصور مشيدة.. مثبتة بين شجرتين عاليتين أتمايل بنغم.. السماء قبلتى والسحاب بين يدى أرسم به ما يحلو لى.. على يمينى الحصان مستلقى على كومة من القش.. وهناك حمائم على جزع شجرة تستمع لغنائى.. وأمامى "بوجى" العنزة الصغيرة البيضاء تصدر صوتا عندما تجوع فأطعمها اللبن فى ببرونة.. أليس حلمى بسيطا.. فقط لا أريد أشخاصا حولى.. فلا مكان للخطط ولا جدوى من تهالك أفكارى.. لا أحب المفاجآت.. واستنكر صوت الصياح الصاخب.. أكره العتاب وأكره الحسد.. الاجتماعيات لا تهم.. كل شىء لا يهم.. فقط أعيش فى سلام الزرع فرشى والسماء غطائى".
وقتها أحس هو بهشاشة أفقها وفضاء وجدانها.. واستنكر عليها اهتمامها المبالغ بعلم الأبراج.. فكان شخصا جادا واقعيا اجتماعيا لا يحب الوحدة ولا يطيل الحلم حيث يصل إلى هدفه بسرعة فى طريق مستقيم.
ورغم رجاحة عقله واتزان أفكاره "إلا" أنها نجحت فى استمالته واستقطابه لعالمها البسيط غير المعقد.. وذات يوم التقيا فى الحديقة فأخذ كتابا خاصا بدراستها يلخصه لها.. فأحس بتوريط نفسه فى شىء يجهله حيث كانت دراسته أدبية ولم يعهد أن درس نظريات علمية.. عالج الوضع بحنكة.. فالدرس الذى لم يفهمه يرسم جانب صفحته "وردة" بقلمه الأحمر.. ودرسا آخر لم يستوعبه فكتب: "حين ألقاكِ تسكن حواسى كالكائنات من حولى.. فالسكوت فى حرم الجمال جمال".. وصفحة أخرى زينها بقلوب وأسهم تحمل حروف اسميهما.
فرحت هى جدا ببساطة تعبيراته واهتمامه بها.. وتفاجأت بالتغيير السريع فى طباعه وسلوكه وقالت له: أنت دبلوماسى وفنان ومسالم مثل المهاتما غاندى.
وقتها أدخل هو يده فى جيبه وأخرج لها هدية.. ففتحتها.. فوجدت خاتما مرصعا بحجر "الفيروز" المفضل لأصحاب برج الميزان.
الحب - أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حلوة
الجنان هو اللى ماشي اليومين دول
فوق