إسرائيل خططت لقصف السد العالى فى أسوان.. وواشنطن حذرت من رد فعل عنيف من جانب "السوفييت"
يديعوت واشنطن تحرجنا بتسريب الوثائق ردا على ضغوط إسرائيل على الكونجرس لإحباط الاتفاق النووى مع إيران..
كشفت وثائق أمريكية نشرتها الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة منذ عشرات السنوات أن إسرائيل كانت تنوى استخدام أسلحتها النووية ضد مصر خلال القترة ما بين عام 1969 وحتى عام 1972 وهى الفترة التى شهدت "حرب الاستنزاف" بين الجانبين وتكبدت خلالها تل أبيب خسائر فادحة من جانب القوات المسلحة المصرية، ولكن واشنطن منعتها من ذلك.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التى هاجمت الولايات المتحدة، إن واشنطن ردت على الضغوط الإسرائيلية المكثفة التى تمارسها فى "الكونجرس" الأمريكى عبر اللوبى اليهودى لإحباط موافقته على الاتفاق النووى الإيرانى، بنشر تلك الوثائق كاملة والتى تضم 1156 صفحة لإحراج تل أبيب والتأكيد على أنها غضت الطرف عن برنامجها النووى لأكثر من مرة.
علاقة نشر الوثائق بمناقشة الاتفاق النووى الإيرانى بالكونجرس
وأضافت يديعوت أنه فى الوقت الذى تحاول فيه إسرائيل إحباط موافقة الاتفاقية النووية الإيرانية فى الكونجرس الأمريكى، تسمح حكومة واشنطن بنشر تلك الوثائق المتعلقة بسياستها بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية خلال "حرب الاستنزاف"، والتى تكشف كيف أن الأمريكيين منعوا إسرائيل من تطوير أسلحة نووية واستخدامها خلال المعركة، كما كشفت تهديدات الاتحاد السوفيتى فى حال استخدامها ضد القاهرة.
وأوضحت الصحيفة العبرية أن الوثائق التاريخية التى تعود للحكومة الأمريكية المتعلقة بتطوير الأسلحة النووية الإسرائيلية فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينات من القرن الماضى، كشفت أن وزارة الدفاع الأمريكية حذرت أنه فى حالة استخدام الأسلحة النووية ضد مصر قد يتدخل الاتحاد السوفيتى لمهاجمة إسرائيل.
الوثائق تعود من الفترة 1969 حتى 1972
الوثائق التى تعود للفترة ما بين 1969 – 1972، تناولت عرضا للقاءات سرية حول تطوير إسرائيل لصواريخها أرض- أرض من طراز "أريحا" المزودة برؤوس نووية، والقرار الأمريكى لإجبار إسرائيل على وقف تطويرها.
وكشفت الوثائق أن إدارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون أنشئت لجنة متخصصة للنظر فى تلك القضية، ومناقشة مسألة كيف يمكن للولايات المتحدة التعامل معها على أنها جزء من محادثات السلام الإقليمية، التى شنتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.
محاولات إقناع إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووى
وتنص إحدى أوراق الوثائق أن اللجنة التى شكلت قالت: "هدفنا هو إقناع إسرائيل للانضمام إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) بحلول نهاية العام الجارى – عام 1967 (لم توقع إسرائيل على معاهدة عدم الانتشار حتى الآن، ولكن إيران هى إحدى الدول الموقعة عليها)، وأن لا تكون إسرائيل أول من يدخل السلاح النووى فى الشرق الأوسط".
وأوضحت يديعوت أن هذه الورقة علقها سكرتير مجلس الأمن القومى الأمريكى ومسئولين حكوميين والبنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية، وكانت بمثابة اجتماع خاص لمناقشة القضية النووية الإسرائيلية، ولكن تم إلغاء الاجتماع من جانب الرئيس نيكسون واقترح خطة بديلة بعد اجتماع لمسئولى مجلس الأمن القومى مع الوزير الإسرائيلى فى ذلك الوقت اسحق رابين لبحث القضية النووية.
واشنطن تضغط لعدم تطوير صواريخ "أريحا"
وتناولت وثيقة سرية إحدى اجتماعات اللجنة والتى جاء فيها: "إنه على إسرائيل أن تعطينا تأكيد خطى بأنها ستتوقف عن إنتاج أو نشر صواريخ أريحا أو الصواريخ الاستراتيجية الأخرى ذات القدرات النووية، ويجب أن تصدق فى وقت مبكر على معاهدة حظر الانتشار النووىNPT، وهذا سيعد أفضل أساس للثقة فى نوايا إسرائيل الدولية".
طمأنة إسرائيل فى حال توقيع اتفاقية حظر الانتشار النووى
وكشفت ورقة أخرى من الوثائق السرية أن الولايات المتحدة أكدت لتل أبيب أن توقيع الاتفاق على حظر الانتشار النووى لن يدخل حيز التنفيذ على الفور بسبب الإجراءات الروتينية التى تصل لمدة ستة أشهر إلى سنة، وأيضا بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيكون هناك ستة أشهر أخرى للتفاوض مع الوكالة بشأن التدابير الأمنية و18 شهرا أخرى لاستكمال المحادثات.
وتنص الوثيقة أن الولايات المتحدة بحاجة لضمان متبادل لتغطية الفترة الانتقالية قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، مشيرة إلى أن الهدف الأمريكى من ذلك وقف إنتاج أو نشر الصواريخ الاستراتيجية من جانب إسرائيل وليس فقط معالجة قضية برنامجها النووى.
ضغوط أمريكية ضد البرنامج النووى الإسرائيلى
وأضافت الوثيقة: "يجب علينا بذل جهود حثيثة فى البداية على الأقل، من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن إذا أظهر الإسرائيليون نزعة لعدم مناقشة معنا القضية النووية وعدم تطوير صواريخ أريحا، فيمكننا الضغط عليها لعدم استكمال برنامج الإنتاج الصاروخى السرى".
وقدمت مذكرة لمجلس الأمن الوطنى الأمريكى جاء فيها: "المكان المناسب لعقد المحادثات مع الإسرائيليين فى واشنطن"، حيث عقد السفير الإسرائيلى مباحثات مع المسئولين فى مجلس الأمن القومى بمشاركة إسحاق رابين وريتشارد نيكسون، وقدمت وثيقة الولايات المتحدة التى نصت على إلزام إسرائيل بعدم تطوير قدرتها النووية ورد المسئولين الإسرائيليين بتقديم وعد بحل للمشكلة النووية.
وجاء فى مذكرة الولايات المتحدة ما يلى: "نريد من إسرائيل الموافقة على عدم انتاجها أسلحة نووية، ونود أن نسأل ما هو الغرض من تطوير ونشر الأسلحة النووية وتطوير الصاروخ أريحا الذى يمكن أن يلقى ظلالا من الشك على وعود إسرائيل".
وقالت الوثيقة إن فى حال إقدام إسرائيل على امتلاك السلاح النووى كأول من يدخل هذا السلاح فى الشرق الأوسط، ستعبر الولايات المتحدة فى هذه الحالة عن استيائها وتحديد اجتماع آخر بعد بضعة أيام لمواصلة الحوار معها، وتم تحديد اجتماع بين رئيسة وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت جولدا مائير ونيكسون.
الخوف من انتاج إسرائيل لأسلحة نووية سرا
وفى 19 يوليو 1969 كتب مستشار الأمن القومى هنرى كيسنجر للرئيس نيكسون، استنتاجاته كشفتها إحدى الوثائق جاء فيها: "علينا أن نحدد أن عرض الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط يزيد من خطورة الأوضاع هناك على أى حال، لذلك لن يكون من مصلحتنا أن يكون لدى إسرائيل 12 خط إنتاج صواريخ أرض- أرض التى قدمتها فرنسا ليكون بحلول نهاية عام 1970 فى حيازة إسرائيل حوالى 30 صاروخ ذات رأس نووى".
تحذيرات تدخل السوفيت فى حال بدأت إسرائيل بعدوان نووى
وحذر كيسنجر الرئيس نيكسون من هذا الوضع قائلا كما جاء بإحدى الوثائق: "يمكن أن يسبب امتلاك إسرائيل لسلاح نووى أو استخدامه ضد مصر غضب السوفيت وفى هذه الحالى قد يتدخلون ويمدون حلفائهم العرب بالأسلحة النووية أيضا لتعزيز قبضة السوفييت على الشرق الأوسط وتحجيم دورنا هناك".
وأضاف كيسنجر: "السوفييت قد يتراجعون عن هذا المسعى فى حال أقنعنا إسرائيل بتوقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، غير أن هناك الكثير قد تفعله إسرائيل لإنتاج رؤوس حربية نووية فى السر"
رد أمريكا فى حال شن هجمات سوفيتية
وكشفت وثائق أخرى من سجلات وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة بحثت كيفية الرد فى حال شنت القوات البحرية السوفياتية هجوما على إسرائيل خلال "حرب الاستنزاف" مع مصر.
غرفة عمليات البيت الأبيض
وناقش كل من نيكسون ومستشار الأمن القومى هنرى كيسنجر وهيئة الاركان المشتركة للجيوش الأمريكية مسألة هجوم سوفيتى على إسرائيل، خلال اجتماع خاص لمسئولى الإدارة الأمريكية كما ناقشوا الآثار المترتبة على الصراع العربى الإسرائيلى الذى وصل ذروته فى ذلك الحين.
ولمدة 3 ساعات، عقد نيكسون فى 1 فبراير 1969 مع مسئولون فى مجلس الأمن القومى ووزير الخارجية روجرز، ووزير الدفاع ملفين ليروى، ورئيس هيئة الأركان المشتركة ايرل ويلر، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية، ريتشارد هيلمز وغيرها اجتماع مطول بغرفة العمليات فى البيت الأبيض.
وعرض هيلمز خلفية العلاقات بين العرب وإسرائيل، والقومية العربية، وخريطة تنظيمات المقاومة، والنداءات العربية بأنه لا حل آخر سوى تدمير إسرائيل، وتأثير ذلك فى فرص أى دولة عربية قادرة على التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل، كما أكد أن أى تأجيج للأوضاع بالشرق الاوسط سيثير احتمال نشوب نزاع أكبر.
وأوضح رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قائلا خلال الجلسة: "إن العرب يريدون فرض السلام، وهذه الأهداف العربية هى السبب الرئيسى لتأجيل خطة إسرائيل، وأن العداء العربى تجاهنا آخذ فى الازدياد، حيث يرى العرب أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، ولكن الإسرائيليين يرونا كما يرونا العرب ولذلك يميلون إلى الاعتماد على أنفسهم فقط".
خيارات المواجهة بين السوفييت والأمريكان
وبعد انتهاء حديث هيلمز قال الرئيس نيكسون: "أنا أتفق أن المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ضئيلة"، وهنا قاطعه كيسنجر متسائلا: "ماذا لو هاجمت اسرائيل السد العالى فى أسوان، ثم تعرضت مدينة اسرائيلية لهجوم من قبل البحرية السوفيتية، ماذا سنفعل حينها؟".
وحينها رد يلر قائلا: "نحن تدرس ردا بهجوم الولايات المتحدة على سيبيريا السوفيتية، أو أسطول السفن السوفيتى الدائر فى الشرق الأوسط"، فقال نيكسون: "هل ترون ما نقوم به بشكل غير مباشر من خلال إسرائيل هو سبب وجود الأسطول السوفيتى بالبحر المتوسط؟، نحن بحاجة إلى أن نكون مستعدين ببرنامج عسكرى شامل".
فرد قائد الجيش الأمريكى: "فى المقام الأول وجود الأسطول السوفيتى سياسى، ولكن وجود تحول موانئ عربية لموانئ سوفيتية، يعطى هذه الشواطئ مظلة للاتحاد السوفييتى، وبالتالى فإن الأسطول له استخدامات عسكرية".
كما ناقش المسئولين الأمريكيين خلال الاجتماع مسألة هجوم على إسرائيل، حيث قال رئيس هيئة الأركان المشتركة "فى هذه اللحظة سيمكننا تحديد هوية المهاجمين والرد عليهم"، فرد نيكسون: "وماذا يمكننا أن نفعل تجاه القوات السوفيتية المتجهة إلى القاهرة أو دمشق؟"، فأوضح ويلر مدى الصعوبات فى إنزال قوات عسكرية فى المطارات فى جزيرة كريت وإيطاليا واليونان وتركيا، قائلا: ""اننا يمكننا أن نتحرك من البحر الأسود خلال ثلاثة أيام لبحر البلطيق فى غضون 13 يوما".
فقال نيكسون إن على إسرائيل أن تعلم أنه فى حالة عدوانها على دولة عربية مجددا سيكون من الصعب للغاية بالنسبة لنا للمضى قدما وإنقاذها، فرد روجرز: "لنفترض أن السوفييت يسخنون الأوضاع هناك ليخوفننا، ولكن على أى حال فلن يستخدم السوفيت الأسلحة النووية، وقد أكد لى رابيين أن إسرائيل لا تريد احتلال المزيد من الأراضى".
جانب من تقرير يديعوت احرونوت حول الوثائق الأمريكية
جولدا مائير وهنرى كيسنجر والسفير الإسرائيلى السابق بالولايات المتحدة سميحاه دينجيز عام 1973
الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون
جولدا مائير ووزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر
مفاعل ديمونا الإسرائيلى بالنقب وصواريخ "أريحا" بعيدة المدى
من اليسار إسحاق رابين والرئيس نيكسون وهنرى كيسنجر
جانب من التقرير الإسرائيلى
جانب من الوثائق الأمريكية حول أسلحة إسرائيل النووية
جانب من الوثائق تعود لفترة 1969 حتى 1972
جانب آخر من الوثائق