نقلا عن العدد اليومى...
أغلب من التقت بهم جريدة «اليوم السابع» فى محافظة سوهاج، خلال 4 أيام من التجول بالمحافظة، أجمعوا على كونهم غير مقيمين بشكل دائم فى المحافظة، بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة، وأن أغلبهم يعملون بأعمال البناء أو المقاولات، فى منطقة العمرانية والهرم، الأمر أيده لنا الشوارع الرئيسية لمدينة سوهاج، التى تشبه الطراز العمرانى للهرم والعمرانية، من حيث لافتات المحلات، والواجهات الزجاجية للفترانات، المكتظة بكل المنتجات الاستهلاكية، والعشوائية التى بدأت تطول شوارع المحافظة النظيفة.
نجاح قرى الظهير الصحراوى، كان من شأنه الحد من ظاهرة مزاحمة أبناء المحافظة لسكان القاهرة، والاتجاه إلى تطوير محافظتهم فى المقابل، وتعميرها، فى حالة توفر فرص عمل مناسبة، تستوعب الأيدى العاملة الشابة، «اليوم السابع» زارت قرى الظهير الصحراوى، لتكشف عن حالها المتردى، وتواجه المسؤولين بسبب توقف تنمية تلك القرى، وهجر سكانها، وتحولها إلى مدن للأشباح.
بيت و5 فدادين، حلم راود المئات من الفلاحين الفقراء بقرى محافظة سوهاج، بمجرد إعلان الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك عن بناء 400 قرية بالظهير الصحراوى، لاستصلاح مليون فدان، بتكلفة 10 مليارات جنيه، بعدد من المحافظات ضمن برنامجه الانتخابى لعام 2005.
وكانت قرى الظهير الصحراوى بمحافظة سوهاج، ضمن المرحلة الأولى بالمشروع، التى تم طرحها بالفعل خلال عام 2006، وتم تسليمها عام 2008، ولكن الأحلام بتحسين حال الفقراء سرعان ما أكلتها رمال الصحراء، فى ظل نقص الخدمات، وعدم تسليم الأراضى الزراعية الملحقة بتلك القرى، لمستحقيها.
وصممت شركة المقاولون العرب القرى وشيدتها، على أن تتكون كل قرية من 100 بيت ريفى، ومدرسة، ومسجد، ومخبز، ومبنى سنترال، وشرطة، وسوق تجارى، ووحدة صحية، إضافة إلى محطة تنقية مياه، وكان من المفترض أن يتم تسليم كل قرية إلى المحافظة التابعة بها، على أن تتولى كل محافظة تنميتها، وتطويرها، لتصل إلى قرية متكامله، تضم 15 ألف نسمة.
«اليوم السابع» زارت ثلاثا من قرى الظهير الصحراوى بمحافظة سوهاج، هى قرية بيت خلاف بمركز جرجا، وقرية الأحاوية شرق بمركز أخميم، وقرية عرابة أبوعزيز بمركز المراغة، وكشفت عن خلو القرى الثلاث من الخدمات الأساسية، وعدم توفر السلع الغذائية اللازمة.
وكذلك خلو الوحدات الصحية من الأطباء، وتوقف المخابز عن العمل، وانقطاع المياه المتكرر، وعدم وجود أمن لحماية ممتلكات الأهالى هناك، فضلا عن عدم توفر المواصلات اللازمة، الأمر الذى جعل العديد من سكان تلك القرى، يهجرون بيوتهم الجديدة، لتتحول إلى مدن أشباح تصفر فيها الرياح.
أراضى عرابة أبوعزيز فى قبضة البلطجية
تتبع قرية عرابة أبوعزيز الجديدة، إحدى قرى الظهير الصحراوى، مركز المراغة، حيث لا يعرفها الأهالى بنفس الاسم المتداول فى الأوراق الحكومية، ووسائل الإعلام، بل يعرفونها كونها إحدى القرى التابعة لتقسيم الشيخ مسعود، وقد كلفنا الوصول إلى عنوان القرية بضع ساعات من البحث وسؤال الأهالى، فقليلون من يعرفون قرية الظهير الصحراوى تلك.
عند قرية عرابة أبوعزيز القديمة، توقفت عربة الميكروباص المتهالكة، ليخبرنا سائقها أنه لا يستطيع توصيلنا لأبعد من ذلك، فالعرابة الجديدة، التى تتبع قرى الظهير الصحراوى لا تقع فى خط سير عربات الميكروباص التى تمر فى الطريق إلى تقسيم الشيخ مسعود.
الوصول إلى قرية الظهير الصحراوى الجديدة يحتاج إلى تأجير توك توك، لضمان استمرار سائقها معك طوال مدة زيارة القرية، والعودة مرة أخرى إلى القرية القديمة، حيث تنقطع المواصلات عن القرية تماما، بطريقة تجعلك تتساءل: لماذا لم تسع المحافظة لدعم قرى الظهير الصحراوى بأتوبيسات تنظم رحلتين يوميا على الأقل، من وإلى القرية، لنقل السكان وزيادة الحراك بالقرية الجديدة؟
استغرقت رحلة التوك توك للوصول إلى أبوعزيز، بأقصى سرعة ممكنة، ما يقرب نصف الساعة، كان خلالها الطريق شبه ممهد، بينما ظهرت على جانبيه مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية، كانت تكتسى باللون الأصفر، لرمال الصحراء، كلما اقتربنا من القرية.
تتكون القرية من 110 بيوت، تحيط بكل منها قطعة أرض خلاء، كحديقة خارجية، وملحق بالبيوت وحدة صحية ومخبز ومدرسة وقسم شرطة لا يعمل، ورغم المظهر الجيد للمنازل فى الخارج، فإن الأثاث المتواضع الرث فى الداخل يشى بحالة سكانها من الفقراء الذين كانوا يحلمون بتغير حالهم، عندما هاجرو إلى قرية الظهير الصحراوى.
سيد طه، أحد سكان القرية، كان منشغلا بملء جركن من الماء، قبل انقطاع المياه عن البيت، الذى يستمر لعدة ساعات يوميا، يقول سيد إنه استلم الشقة والأرض منذ أربع سنوات، نتيجة فوزه بقرعة على مساكن المحافظة، وعند استلام الشقة قام طه بالتوقيع على عقد انتفاع بإيجار 150 جنيها شهريا، ودفع مبلغ 5 آلاف جنيه، كمقدم للأراضى الملحقة بالقرية، التى كان من المفترض أن تكون بمساحة 5 فدادين، إلا أن الأراضى المخصصة لطه كانت مساحتها لا تتعدى الـ3 فدادين ونصف الفدان، لكنه رضى بذلك ولم يعترض.
يضيف سيد طه، أنه بالرغم من انتهاء الإجراءات الخاصة بتملكه الأرض الملحقة بقرية عرابة أبوعزيز، فإن فأسه لم يلمس أرضه الجديدة بعد، بسبب الاستيلاء عليها، من قبل واضعى اليد، الذين يرفضون تركها، وقد تعرض طه وعائلته للاعتداء من قبل واضعى اليد، وحرر محضرين بالواقعة، برقمى 17672، 176022 لسنة 2014.
ويؤكد سيد طه أنه عند ذهابه إلى المحافظة، لتقديم شكوى رسمية، أكد له المسؤولون أن المحافظة لن تتدخل، لأنها «مشكلة بين الأهالى»، على حد قول طه.
نفس الأمر يؤكده أحمد شحاتة، أحد سكان القرية، الذى انتقل بعائلته المكونة من 9 أفراد إلى القرية الجديدة، أملا فى سد احتياجات الأسرة، عن طريق زراعة الفدادين الملحقة بالقرية، والعيش من رزقها.
أم محمد، زوجة أحمد شحاتة، حدثتنا عن معانة أبنائها الـ6 اليومية، للذهاب والعودة من المدارس، حيث يضطرون إلى السير على الأقدام لأقرب المدارس، وتحمل مشاق الطريق، الذى يمتلئ بالبلطجية، فى ظل عدم وجود شرطة لحماية الأهالى، وإغلاق نقطة الشرطة الملحقة بالقرية، رغم الانتهاء من بنائها منذ 10 سنوات، وقد اضطرت زينب، كبرى بنات العائلة، إلى التوقف عن الدراسة بعد المرحلة الإعدادية، بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية قريبة، وخوف الأسرة من تعرض الفتاة للخطف والمضايقات.
ووفقًا للأهالى، لا يزيد السكان المستقرون بشكل دائم فى قرية عرابة أبوعزيز على 10 عائلات، بينما فضل الملاك الآخرون الهروب من جحيم الصحراء، التى تأكل أجسادهم من العطش وقلة الرزق، فى ظل عدم وجود أى محاولة لتطوير الخدمات بالقرية، من قبل المسؤولين.
الجوع يحاصر أهالى بيت خلاف
مشهد من الكوميديا السوداء، عايشه أهالى مساكن قرية بيت خلاف الجديدة، أثناء زيارة رئيس الوزراء إبراهيم محلب للقرية، منذ بضعة أشهر، خلال زيارته لسوهاج، فقد حضرت عربة الإسعاف، وبدأ المخبز فى العمل، ودبت الحياة فى الوحدة الصحية، وبدا المشهد معدا تماما لاستقبال رئيس الوزراء، وبمجرد الانتهاء من الزيارة القصيرة، عاد وضع المساكن كما هو، ووجد الأهالى أنفسهم مرة أخرى، ملقين فى صحراء، بلا خدمات.
وتعد مساكن بيت خلاف، امتدادا لمساكن قرية الظهير الصحراوى الأولى، التى تم تسليمها للأهالى خلال عام 2008، كأول مدن الظهير الصحراوى بالمحافظة، التى يتحقق خلالها البرنامج الانتخابى للرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، ولكن تلك المنازل التى تم تسليمها بداية العام الحالى، تبعد عن قرية الظهير الصحراوى من جانب، ومن جانب آخر تبعد عن قرية بيت خلاف القديمة، مما يطرح عددا من التساؤلات الملحة، عن اختيار مكان بناء الوحدات تلك، الذى لا يفيد قرية الظهير الصحراوى بزيادة سكانها، وفى نفس الوقت لا يربط سكان المساكن بالقرية القديمة، فيحملهم مشاق التنقل بين المساكن والقرية، لقضاء حاجتهم.
يقول ناصر محمود، أحد سكان المساكن، إن وزارة الإسكان سلمت لهم الشقق بداية العام الحالى، بناء على قرعة أجرتها المحافظة، ونبهت عليهم أنه فى حالة عدم الانتقال إلى الشقق الجديدة خلال 6 أشهر فسيتم سحبها، ففضل عدد من الأهالى الامتثال إلى التعليمات، خوفا من سحب مساكنهم، بينما امتنع آخرون، بسبب نقص الخدمات بالمساكن.
المواصلات من أكبر الأزمات التى يتعرض لها أهالى المساكن، إذ إن تكلفة الانتقال بين القرية الجديدة والقديمة، تصل إلى 20 جنيها فى المرة الواحدة، وهو ما يثقل كاهل الأسر الفقيرة، ما يدفعهم إلى الخروج من القرية مرة واحدة فقط أسبوعيا، توفيرا للنفقات، ليصبحوا خلال باقى أيام الأسبوع، رهائن لدى الصحراء، تحيط بهم من جميع الجهات.
يعلق ناصر على ذلك مؤكدا أنه بات يذهب إلى القرية، ويقيم بها لعدة أيام، يعمل خلالها، لإعالة أسرته، ثم يعود إلى مسكنه يستريح لعدة أيام أخرى، يتوقف خلالها عن العمل، توفيرا لمصاريف الانتقال.
وتشكو إقبال محمود، من سوء جودة مياه الشرب التى كثيرا ما تنقطع، مضيفة أن المساكن تتحول ليلا إلى وكر للبلطجة وتعاطى المخدرات، وقد اصطحبتنا إقبال إلى عدد من الشقق فى نفس العقار الذى تسكن به، لمشاهدة محاولة البلطجية والخارجين عن القانون، اقتحام الشقق واستغلالها للمبيت ليلا وشرب المخدرات.
منى خلف، إحدى القاطنات بالمساكن، تؤكد أن طبيب الوحدة الصحية لا يحضر إلى القرية، إلا يومين فقط أسبوعيا، وتخشى منى أن يتعرض أحد أبنائها الأربعة لحادث، وبخاصة لدغ العقارب، ولا تجد من يسعفه، وقد طالب الأهالى المستشفى المركزى أكثر من مرة بتوفير المصل الخاص بلدغة العقرب، لدى من لديه خبرة بالإسعافات الأولية من الأهالى، ولكن إدارة المستشفى رفضت.
ويعانى أهالى قرية بيت خلاف الجديدة من توقف الفرن البلدى، مما يتركهم عرضة للجوع فى الصحراء، وهو ما دفع عادل سعد، أحد السكان، إلى الشروع فى بناء مخبز بلدى بالساحة الممتدة بين البيوت.
يقول عادل، إن الفرن البلدى توقف منذ بضعة أشهر، ومن ساعتها والأهالى يتضورون جوعا، ويضطرون إلى شراء الخبز بواقع ربع جنيه للرغيف الواحد، حيث يستغل أحد الباعة نقص الخدمات فى القرية، ويحضر لبيع الخبز فى الـ10 مساء، عادل يخشى أن تقوم البلدية بإزالة فرنه الحديث، لكنه لا يجد حلا آخر لإطعام عائلته كبيرة العدد.
ويشكو الأهالى رفض الحى ترخيص بناء الأكشاك لهم، وكذلك الامتناع عن طرح المحال الخاصة بالمساكن للإيجار، وذلك حتى يتم تعمير المنطقة، وتوفير السلع الرئيسية لأهالى المساكن.
كما يطالب الأهالى بتوزيع أراض عليهم، حتى وإن كانت فدانا واحدا لكل عائلة، كما يؤكد علاء محمد، الذى كان يأمل فى حياة جديدة بالمساكن، ورزق يكفيه هو وعائلته، إلا أنه فوجئ بأن المسؤولين يلقون بهم فى تلك المساكن، ذات الطريق المقطوع، دون رعاية ومتابعة.
البحث عن الأحاوية شرق فى صحراء أخميم
فى مركز أخميم، يطل عليك تمثال ميريت آمون، ضمن عشرات من المواقع الأثرية الموجودة بالمركز، التى تحول المركز إلى متحف مفتوح للآثار الفرعونية والإغريقية.
قرية الأحاوية شرق الجديدة، لم تكن من القرى المشهورة فى ذلك المركز، رغم أهميتها، كنافذة جديدة لشباب المركز من أجل الحصول على فرصة عمل، وحياة جديدة، فى ظل الصراع الذى تشهده المدينة التاريخية، بين تجار الآثار من جانب، وقوات الأمن وهيئة الآثار، لحماية الإرث التاريخى بالمدينة.
الوصول إلى قرية الأحاوية القديمة، استغرق ساعة ونصف الساعة، أما القرية الجديدة فلم يتسن لنا الوصول إليها، حيث تنقطع الموصلات إليها تماما، ويتطلب الذهاب إليها حجز عربة نصف نقل، أو ميكروباص، حيث يصعب على التوك توك الذهاب إلى قرية الظهير الصحراوى، بسبب وعورة الطريق.
وعلى الرغم من انتظارنا 3 ساعات، فى محاولة لإقناع أحد أصحاب عربات النقل، أو الأهالى، بنقلنا إلى القرية الخالية، فإن الجميع كانوا يؤكدون خوفهم من الصعود إلى القرية، التى تخلو تقريبا من السكان، وتعد منطقة خطرة، بسبب انتشار قطاع الطرق والبلطجية، وطبيعة المنطقة الجبلية.
فى النهاية قررنا البحث عن أصحاب مساكن بقرية الأحاوية شرق الجديدة، ممن تركوا منازلهم، وعادوا إلى قريتهم القديمة بسبب نقص الخدمات، حيث أكد لنا عابد أحمد على، أحد سكان القرية، أنه رغم حصوله على المسكن والأرض منذ عام 2010، فإنه بالكاد يذهب إلى هناك، بسبب نقص الخدمات، وعدم استلامه للأراضى بشكل فعلى، وكأن الحكومة ليس لديها رغبة حقيقية فى تعمير قرية الظهير الصحراوى، وفقا لتعبير عابد نفسه.
ويضيف عابد أن الأهالى قرروا الامتناع عن دفع الإيجار الشهرى للأرض والمساكن، الذى لا يتعدى الـ150 جنيها، أملا فى أن يمثل ذلك إحدى وسائل الضغط، لدفع المسؤولين لتسليم الأرض للأهالى، مؤكدا أن الأهالى حاولوا تنظيم أنفسهم لإبعاد واضعى اليد عن الأراضى الملحقة بقرية الظهير، وتقسيم الأراضى فيما بينهم، إلا أن الخلافات سرعان ما دبت بينهم، حيث إن الحى لم يقم بعد بتحديد الأراضى المخصصة لكل واحد منهم، وهو ما جعلهم يتوقفون عن محاولتهم، فى انتظار الكلمة الأخيرة للمسؤولين.
يقول مشهور عمران، إنه اضطر إلى التوقيع على ورقة تؤكد امتناعه عن التقدم للوظائف الحكومية، مقابل الحصول على الفدادين الخمسة والمنزل الملحق بها، بالقرية الجديدة، وبالفعل تم استلام الأرض منذعام 2008، وحضر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، لافتتاح القرية الجديدة، والتقطت صورة لمشهد مصافحته للرئيس.
وعند انتهاء مراسم تسليم الأراضى، تبخرت الوعود فى الهواء، فالماء والكهرباء وسائر الخدمات بالقرية، لم تتوفر، رغم مرور سبع سنوات على استلام الوحدات، كما لم يتم تسليم الأرض، ولم يتم مدها بالترع ووسائل الرى، ربما هذا يفسر إحباط الأهالى من الحديث عن القرية الجديدة، وعزوفهم عن نقلنا إليها، مرددين عبارة «هو كل واحد ييجى بقميص وبنطلون، ويوعدنا يحل، ومفيش حاجة بتتغير».
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد المصرى
الكرهة هيفضل عامى قلوبكم
عدد الردود 0
بواسطة:
مغترب
اي مصري يشتاق لزمن مبارك
عدد الردود 0
بواسطة:
كبير في السن
? تتدخلوا