استمرارًا للخدمات التى يقدمها "اليوم السابع" لقرائه، بنشر الفتاوى الواردة على موقع دار الإفتاء فى القضايا التى تهم المواطنين، سأل أحد الأشخاص، شاهدت العديد من المسلمين لديهم شعر طويل للغاية، فما حكم تطويل الشعر شرعًا؟
وكان رد دار الإفتاء المصرية بأن اتخاذ الشعر وإطالته فى أصله فعل مباح بالنسبة للرجال؛ لأنه من العادات والأمور الجِبلِّية، وقد روى أبو داود فى سننه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْكِبَيْهِ (رواه البخارى)، لكن مع هذا فقد تتغير الأعراف والأحوال الملابسة لهذا الفعل فيخرج حكمه عن أصل الإباحة إلى الكراهة أو التحريم، كما لو أصبح فى زمان معين أو مكان معين علامة دالة على الفسق أو التخنث أو الشذوذ، بل إن الشىء إذا كان مستحبًا فى نفسه ثم صار شعارًا لأهل المعاصى علامة عليهم صار التلبس به ممنوعًا، ولهذا قال العلماء بأنه إذا اختص أهل الفسق بلباس معين منع لبسه لغيرهم، وذلك لِما جاء في الحديث الشريف عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ (رواه أبو داود)، وأيضا لأن فى التشبه بأهل الفسق تعريض النفس للتهمة وظن السوء، قال الشيخ على القارى فى مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح [7/ 2782، ط دار الفكر]: أى من شبه نفسه بالكفار مثلا فى اللباس وغيره، أو بالفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار (فهو منهم): أى فى الإثم والخير.
ويقول الحافظ المناوى فى فيض القدير [6 / 104، ط المكتبة التجارية الكبرى]: لا يجوز الآن لبس عمامة زرقاء أو صفراء -يعنى: فى زمانه- كذا ذكره ابن رسلان وبأبلغ من ذلك صرح القرطبى فقال: لو خص أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم فقد يظن به من لا يعرفه أنه منهم فيظن به ظن السوء فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه .
وفى خصوص مسألة إطالة الشعر للرجل إذا صار فيها تشبها بالسفهاء يقول الحافظ الفقيه ابن عبد البر فى التمهيد [6/ 80 -81، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب]: صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم حتى صار ذلك علامة من علاماتهم وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء وقد روى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم أو حشر معهم فقيل من تشبه بهم فى أفعالهم وقيل من تشبه بهم فى هيئاتهم وحسبك بهذا فهو مجمل فى الاقتداء بهدى من الصالحين على أى حال كانوا والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئا وإنما المجازاة على النيات والأعمال فرب محلوق خير من ذى شعر ورب ذى شعر رجلا صالحا وقد كان التختم فى اليمين مباحا حسنا لأنه قد تختم به جماعة من السلف فى اليمين كما تختم منهم جماعة فى الشمال وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم، الوجهان جميعا فلما غلبت الروافض على التختم فى اليمين ولم يخلطوا به غيره كرهه العلماء منابذة لهم وكراهية للتشبه بهم لا أنه حرام ولا أنه مكروه وبالله التوفيق .
ومذهب الحنابلة أن اتخاذ الشعر سنة وأنه لا بأس بأن يجعله الرجل ذؤابة (ضفيرة) ومع هذا ذكر العلامة ابن مفلح بأنه ينبغي تقييد الحكم بألا يترتب عليه شهرة، أو نقص مروءة، أو إزراء بمن فعله مخالفا لعرف المجتمع الذي يعيش فيه، قال في الآداب الشرعية [3/ 329، ط عالم الكتب]: فصل (فيما يسن من اتخاذ الشعر وتسريحه وفرقه ومن إعفاء اللحية). يسن أن يغسل شعره ويسرحه ويفرقه ويجعله الرجل إلى منكبيه, أو إلى فروع أذنيه, أو شحمتيهما ولا بأس أن يجعله ذؤابة وينبغي أن يقال: إن لم يخرج إلى شهرة, أو نقص مروءة, أو إزراء بصاحبه ونحو ذلك كما قالوا: في اللباس اهـ. وبعض الحنابلة ذكر مثل هذا التقييد في إعفاء شعر اللحية كما نقله المرداوي في الإنصاف [1/ 122، ط دار إحياء التراث العربي] قال ويعفي لحيته. وقال ابن الجوزي في المذهب: ما لم يستهجن طولها .
وقد روي في مثل هذه المسألة بعض الروايات عن السلف الصالح، فمن ذلك ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التواضع والخمول [ص 86، ط دار الكتب العلمية حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: قَالَ لِي أَيُّوبُ: احْذُ نَعْلَيْنِ عَلَى نَحْوِ حَذْوِ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: فَفَعَلْتُ فَلَبِسَهَا أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَهَا فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْبَسُونَهَا اهـ. وروى ابن أبي شيبة في المصنف [6/ 81، ط دار الفكر]: عن الحصين قال: كان زبيد اليامي يلبس برنسا, قال: فسمعت إبراهيم عابه عليه, قال: فقلت له: إن الناس كانوا يلبسونها, قال: أجل, ولكن قد فني من كان يلبسها, فإن لبسها أحد اليوم شهروه وأشاروا إليه بالأصابع.
إذًا فأمور الهيئة والثياب تخضع للأعراف والتقاليد، وتحكمها قواعد عامة: كوجوب ستر العورات، وتحريم التشبه بأهل الفسق والفجور، وتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، وتحريم التكبر والخيلاء والإسراف، فمتى روعيت الأعراف والقواعد العامة جاز للرجل إطالة شعره وإلا لزم مراعاة العرف.والله سبحانه وتعالى أعلم.
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد
تطويل الشعر سنة عن الرسول
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحيم حموده
ردا على الجلباب واللحية اذا اشتهر بها الفساق .