"ومن السحر رسول بيننا" هكذا كانت العلاقة بين الموسيقار رياض السنباطى وعوده الذى طالما ضمه بين جوانحه وراح يدندن وهو فى حالة توحد روحانى "القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين".. رياض هذا الراهب السارح فى ملكوت الألحان حتى ابيض شعره وبرع فى تصوير شجن وعذاب الشعراء ولعل أبرزهم إبراهيم ناجى عندما قدم لحنه الخالد "الأطلال" وقامت بغنائها كوكب الشرق أم كلثوم والتى تعد من أصعب ما غنت أم كلثوم.
الصدفة وحدها هى التى جمعت بين أم كلثوم والموسيقار الكبير رياض السنباطى الذى تحل ذكرى رحيله الـ34 عندما كان رياض مع والده السنباطى فى محطة سكة حديد قرية "درين" مركز نبروة وكانت أم كلثوم ووالدها وشقيقها وأولاد عمها يغنون فى أحد الأفراح هناك وكان رياض السنباطى هو ووالده يتبادلان الغناء فى فرح وانتهى الفرحان فى وقت واحد متجهين إلى المحطة فى انتظار القطار، وأشار السنباطى الكبير لابنه رياض وقال له "أم كلثوم التى يتحدثون عنها" ونظر رياض السنباطى لأول مرة فى حياته ليجد أم كلثوم، ولم يكن قد سمع لها، وإنما سمع عنها فقط وكانت ترتدى بالطو رجالى وتلف رأسها بالعقال والذكاء كان يطل من عيناها كانت فى ذلك الوقت فى الثانية والعشرين من عمرها وكان رياض السنباطى مطرب ناشئ ويقدم بعض الوصلات الغنائية فى الإذاعة وظل هذا اللقاء العابر محفورا فى ذهن رياض السنباطى وبعدها بحوالى 15 عاما قامت أم كلثوم بالاتصال بالسنباطى ليتفقا على العمل سويا.
وقدما سويا حوالى 107 أغانٍ ما بين أغان رومانسية خفيفة مثل "افرح يا قلبى" و"يا ليلة العيد" وغلبت أصالح" و"عودت عينى" ومن القصائد "سلو كئوس الطلا" و"قصة الأمس" و"ثورة الشك" و"أراك عصى الدمع" وبعد وفاة أم كلثوم عام 1975، قال عنها السنباطى "أم كلثوم هى قصة حياتى"، كما تعاون السنباطى أيضا مع كبار نجوم الطرب منها "شفت حبيبى" لمحمد عبد المطلب و"لعبة الأيام" وردة و"مين يشترى الورد " لليلى مراد و"لحن الوفاء" للعندليب عبد الحليم حافظ.
ولد رياض السنباطى عام 1906، فى مدينة فارسكور بمحافظة دمياط، لأب مطرب وعازف عود هو الشيخ محمد السنباطى، وكان وحيدًا بين شقيقاته البنات، انتقل مع عائلته إلى مدينة المنصورة وتعلم فى مدارسها وظهر شغفه بالموسيقى والغناء منذ طفولته فتعلم العزف على القانون أولًا، وتعلم من والده الأدوار والموشحات القديمة، كما رافقه فى سهراته التى كان يحييها فى الريف المصرى، واتجه رياض إلى تعلم العود وبدأ يحيى الحفلات حتى ذاع صيته ولقب ببلبل المنصورة وبدأ مشواره فى عالم الموسيقى.
وكانت علاقة السنباطى بالتمثيل غير جيدة حيث اشترك فى بطولة فيلم وحيد وهو "حبيب قلبى" لكنه لم يكرر التجربة حيث رأى أن التلحين هو عالمه وليس التمثيل إلا أن العلاقة بينه وبين السينما ظلت مستمرة من خلال تلحينه لأغانى العديد من الأفلام، والتى وصلت لما يزيد عن خمسين فيلمًا، منها "شادية الجبل" و"رابعة العدوية" و"ثورة المدينة" و"الحبيب المجهول" و"لحن الوفاء" و"خطف مراتي" و"بنت الأكابر"، وحصل السنباطى على عدة تكريمات خلال مشواره الفنى منها تكريم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر له وحصوله على وسام الفنون كما قام السادات بمنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وحصل السنباطى أيضًا على جائزة اليونسكو العالمية عام 1977، باعتباره "الموسيقى المصرى الوحيد الذى لم يتأثر بأى موسيقى أجنبية وأنه استطاع بموسيقاه التأثير على منطقة لها تاريخها الحضارى" بحسب تقديم الجائزة، وأحد خمسة موسيقيين فقط نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة، وفى 10 سبتمبر 1981 رحل رياض السنباطى تاركا وراءه رصيد كبير من الألحان جعلت اسمه خالدا حتى الآن.