يعرى المخرج أحمد العطار من خلال مسرحيته (العشاء الأخير) طبقة من طبقات المجتمع المصرى هى الطبقة البرجوازية التى من خلال تصرفاتهم وأفعالهم نكتشف طريقة تفكيرهم فهذه الطبقة تمتلك من التفاهة الكثير وتمتلك من الانانية الأكثر فهى طبقة غير منتجة لكن تعيش من فائض قيمة عمل العمال وقد رسم العطار مؤلفا ومخرجا صورة واقعية جدا وساخرا جدا من خلال تجمع عائلة مصرية ميسورة الحال حول مائدة العشاء ونكتشف على طاولة تلك المائدة الكثير من العدمية والعبثية واللامبالاة وكل شخصية من الشخصيات التى جلست على المائدة تراها من الخارج شديدة التماسك والعقلانية لكنها داخليا خاوية لا تمتلك ثقافة وتحمل توترات نفسية وتعيش فقط من أجل جمع المال وممارسة الجنس والتمتع بكل وسائل الرفاهية وترى بقية طبقات المجتمع مثل (الصراصير) كما جاء على لسان إحدى الشخصيات وهى شخصية (الجنرال) التى يجسدها الفنان سيد رجب.
أما على مستوى الرؤية البصرية فقد حقق مصمم الديكور والملابس حسين بيضون مع مصمم الإضاءة تشارلى استروم صورة بصرية تتناسب مع تفاهة وخواء تلك الطبقة بما تحمل من فكر سطحى ولذلك جعل طاولة العشاء والكراسى وكل ما هو موجود من الزجاج حتى يشف ويكشف عما بداخل هذه الطبقة من فراغ فى الفكر وقد عبرت الإضاءة والألوان المستخدمة فيها عن الجو العام لتلك السهرة التى يثرثر فيها الجالسون على مائدة الطعام فى أتفه الأمور.
على مستوى التمثيل نجح جميع الممثلين فى تجسيد شخصياتهم بعناية خاصة أن المخرج على حد علمى قد سمح لممثليه بمساحة من الارتجال على النص الذى كتبه كنوع من التفاعل مع الشخصية وقدم رمزى لينر شخصية (حسن) ذلك الشاب الذى يعيش فقط من أجل ممارسة الجنس مع الخادمات ودائما يغازلهن وبرغم علم زوجته بذلك إلا أنه لا يخجل من الإعلان عما يحبه فى هذا النوع من النساء ويعبر عن ما يعجبه فى الخادمات سواء المصريات أو اللاتى من جنسيات اخرى كالإثيوبيات أو الفلبينيات وقد نجح لينر بالفعل فى تقديم دوره بخفة ظل شديدة.
من ضمن الممثلين الذين برعوا جدا فى أداء شخصياتهم الفنانة ناندا محمد التى تلعب شخصية (فيفى) زوجة حسن الذى يخونها مع الخادمات وهى على علم بذلك لكنها تستمر فى العيش معه ويظهر من خلال الحوار أنها كانت متبرجة لكنها تحجبت واعتمدت ناندا على التعبير بكل ما تملك من أدوات فتعبر بعينيها وتمثل بصوتها وأحيانا تعبر من خلال تكوينها الجسمانى عما بداخلها فى عدد من المواقف و(ناندا) ممثلة سورية تعمل حاليا فى مصر كمدربة أصوات للممثلين ضمن فرقة الورشة المسرحية ولها العديد من الأدوار فى مسلسلات تليفزيونية سورية.
قدم أيضا الفنان سيد رجب مع الفنان بطرس بطرس غالى وشهرته (بيسو) شخصية الأب بكل ما تحمله من سطحية وسذاجة ومحدودية فى الثقافة فثقافته كلها تنحصر فى معرفة حركات البيع والشراء والعائلات التى تحتكر بعض السلع وشكل مع الفنان سيد رجب الذى يجسد شخصية (الجنرال) ثنائى كوميدى يتمتع بضيق الأفق، والمادية، والرياء، ومقاومة التغيير، والافتقار إلى الثقافة.
من ضمن المشاركين فى العمل الفنانة منى سليمان التى تجسد شخصية الخادمة وهى من أصعب الأدوار لأنها قليلة الكلام جدا لكنها تمثل وتتعايش مع الشخصية بنظرات عينيها المعبرة والتى تكشف ما بداخلها من حق وغل على هذه الطبقة وتحمل ما لا طاقة لها به من أجل لقمة العيش.
يتبقى فى فريق العمل شخصيتين هما مروة ثروت التى لعبت شخصية (مايوش) وزوجها (ميدو) الذى يجسد شخصيته عبد الرحمن ناصر وقد شكلا ثنائى أيضا يحمل الكثير من التفاهة والثرثرة الفارغة والعبثية فى الفكر ورسم كل ذلك شكلا ساخرا أعجب الجمهور وكان يثير الضحكات وحتى الطفلين اللذين شاركا فى العمل كان اختيارهما موفقا وحتى من جسدا شخصيتا الخادم (محمود حداد) وكبير الخدم (محمد حاتم) كانا مناسبين فى أدوارهما ووظف المخرج أحمد العطار جميع الممثلين بما يتناسب مع قدرات كل ممثل شكلا وموضوعا.
باختصار نحن أمام عرض مسرحى مختلف فى كل بنائه الدرامى متعدد الرؤى يجعلك تفكر أثناء مشاهدته وعقب خروجك منه بالإضافة لحالة الاستمتاع وأنت تشاهده مبتسما ومتأملا وبرغم أن العمل لا يطرح مشكلة محددة ولا يقدم حلا لها ولا يقدم رأيا حول ما يجب أو ما لا يجب لكنه يعرى ويكشف عن فكر طبقة موجودة فى مجتمعنا بكل ما تحمله من سلبيات وإيجابيات.
مسرحية (العشاء الأخير) عرضت بالأمس ضمن عروض المهرجان القومى للمسرح المصرى وستعرض اليوم على مسرح الفلكى بحرم الجامعة الأمريكية وقد عرضت من قبل فى مهرجان أفينيون بفرنسا والمسرحية مترجمة للغة الإنجليزية.