تلك العادة التى يمارسها كل طفل برىء، لا يدرك من هذه الدنيا إلا اليسير.
إنها العادة التى تمثل براءة الأطفال وتجعلنا نحبهم ونتعلق بهم، ويمارسونها من آن لآخر، يتلذذون بها، يشعرون براحة إثرها، يتحسسون إنسانيتهم و يلمسون وجودهم بها.
إنها عادة تربينا ونشأنا عليها منذ كنا صغار، نمارسها وقت الضغوت، وقت الأرق، وقت الضيق، وقت الأزمات.
تلك العادة التى تورث السكينة والطمأنينة فى النفس وتريح البدن والعقل، العادة الغريزية التى خص الله بها الإنسان ليريحه من الهموم التى طالته كلما أعمق فى هذه الدنيا واختلط بغيره من المخاليق. تلك العادة التى اعتدنا اللجوء إليها حينما يتخلى عنا من حولنا.
عادة يمارسها أمام أعين الجميع بلا خجل ولا استحياء ويخرجون الآهات والتأوهات التى تخرج معها الآلام والأحزان.
كم نحن بحاجة لها الآن....!
كم أشتاق لممارسة تلك العادة الآن، كم أحتاج لتلك الآهات لتريحنى من الآلام والأوجاع.
إن الأطفال إذا مارسوها وهدأ روعهم شعروا بالاسترخاء ولذة الهدوء فى تلك الحياة، ولكن أين براءة الأطفال فينا؟
شتان بيننا الآن وبيننا فى ذاك الأوان.
إننى أحسد الأطفال، إنهم يمارسونها وقتما يشاءون، وقتما يحلو لأمزجتهم يفعلون لا يخافون لوما ولا عتابا ولا يستحون، أما نحن فنحن فلا نجرؤ على فعلة كتلك، ربما نحن الآن نغلق على ذواتنا أبواب غرفنا لنتأوه ونطلق صيحاتنا التى نرتاح بها إثر ممارسة تلك العادة التى نشأت منذ الطفولة، إلا أنها كانت براءة ورقة فى ذاك العهد الذى مضى وأما الآن فإنها صارت عيبا وقبحا.
يا لحظ الأطفال، ليتنى صرت طفلا حتى كلما أزعجنى شىء أمارس تلك العادة على راحتى، لا أخجل ولا أتوارى خلف الظلال.
فأرتاح فور أن أفرغ من البكاء وأعد إلى براءتى.
نعم تلك العادة هى البكاء.
صورة أرشيفية