مؤرخ بريطانى: انتهت فترة السلام العالمى وبدأت مرحلة تصفية الحسابات

السبت، 26 سبتمبر 2015 05:17 ص
مؤرخ بريطانى: انتهت فترة السلام العالمى وبدأت مرحلة تصفية الحسابات الأسطول الروسى
لندن (أ ش أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رأى المؤرخ البريطانى نيال برجسون أن الغرب فى حاجة إلى أن يتعلم من جديد فنون الحرب ووضع استراتيجية كبرى.

واستهل مقالا نشرته الـفاينانشيال تايمز بالإشارة إلى أن فترة الحرب الباردة كانت تسمى بـ "السلام الطويل"، فيما رأى برجسون أن العقدين اللذين أعقبا انهيار الاتحاد السوفياتى يبدوان أكثر سلاما، على نحو ينبغى معه تسمية الفترة من 1991 -2010 بـ "السلام القصير"، قائلا إنها كانت فترة ألهمت البعض بالتكهن بأن "الجوانب الأفضل فى طبيعتنا" قد يكون لها اليد الطولى.. ولكن الخبر السيء هو أن هذا السلام القصير يبدو كأن فترته انتهت.

ورأى برجسون أن دراسة حقبة السبعينيات من القرن الماضى تؤكد كم كانت الحرب الباردة مرتفعة الحرارة فى الواقع: لقد سقط فيها أكثر من مليونين من ضحايا الحروب بين الجيوش النظامية، مقارنة بنحو 270 ألفا سقطوا فى العشر سنوات البادئة عام 2000. كما كانت حرب أمريكا على فيتنام أكثر دموية بالنسبة لأمريكا من حربها على العراق؛ إذ سقط فى الأولى 424ر47 مقاتلا أمريكيا مقارنة بـ 527ر3 مقاتلا أمريكيا فى العراق.

وبحسب إحصائيات معهد أوسلو لبحوث السلام، فإنه بعد عام 1965، كان أكثر الأعوام التى سقط فيه ضحايا الحروب بين الجيوش النظامية هو عام 1971 حيث سقط نحو 380 ألفا، وكذلك الأعوام من 1982 إلى 1988 حيث اقترب المعدل السنوى من 250 ألفا، وفى الفترة من 2002 وحتى 2007 حيث لم يصل هذا المعدل رقم 17 ألفا من الضحايا.

ثمة تعليلات اقترحها باحثون لتفسير هذا التراجع فى معدلات ضحايا الحروب منها تعليلات نفسية تعزى ذلك إلى عملية تحضُّر طويلة المدى، فيما تُثمن نظريات أخرى دور انتشار الديمقراطية وتنامى وجود المؤسسات الدولية العابرة للقوميات، فيما تربط نظريات ديموجرافية بين هذا التراجع وتراجع نسبة الشباب بين سكان العالم بما يقلل من جمهور العنف، وإلى جانب ذلك ساعد انتشار التكنولوجيا والتليفزيون والإنترنت فى تقليص دوافع الذهاب إلى حروب كبرى.

إلى جانب تلك التعليلات، يوجد تعليل تاريخى ينسب الفضل إلى قادة الدول العظمى فيما قاموا به من عمل مهم تمثل فى إنهاء سباق التسلح والحرب الباردة ذاتها.. وفى نهاية الأمر، فإن الأيديولوجيات التى فعلت الكثير لتشجيع العنف على مدار القرن العشرين من أمثال الفاشية والشيوعية قد مُنيت بهزيمة ساحقة.

وعليه، فهل نحن بصدد مجيء فترة "سلام دائمة" أم أننا بصدد فترة "سلام أسرع زوالا"؟ الإجابة على هذا التساؤل تعتمد على العوامل العالمية المساعدة: فنسبة الشباب بين سكان العالم فى المجمل ليست قليلة، كما أن تاريخ القرن العشرين يقول إن ما تم إحرازه من نمو على صعيد الديمقراطية والمؤسسات العالمية العابرة للقوميات يمكن أن يشهد نكوصا وارتدادا، لا سيما فى أعقاب الصدمات الاقتصادية، كما أن التكنولوجيا قد تساعد فى تيسير نشوب الصراعات..

أما فيما يتعلق بحكمة قادة الدول العظمى، فإن عددا قليلا من دارسى السياسة الخارجية الجادين يمكنهم الادعاء بأن المعايير التى سادت فى حقبة الثماينيات من القرن الماضى لا تزال قائمة حتى الآن.

لكن المفنّد الأقوى لفرضية "السلام الدائم" هو مُفنّد أيديولوجي: فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 ونحن نشهد انبعاث أيديولوجية قديمة هى "الإسلام السياسي" والتى قد تبرهن فى نهاية الأمر على أن عِداءها وتهديدها للقيم الغربية يوازى فى خطره عداء وتهديد الفاشية والشيوعية.. ورأى برجسون أن هذه الأيديولوجية هى بالفعل مسؤولة بدرجة كبيرة عن صعود مؤشرات الحروب والعنف السياسى والإرهاب منذ عام 2010.

إذن عادت الحروب، ومعظمها حروب مقدسة، وتشير إحصائيات دولية إلى أن معدل الوفيات الناجمة عن الصراعات المسلحة قد زاد بمعدل أربعة أمثال منذ عام 2010.. ويؤكد برجسون أن نسبة 35 بالمئة من الوفيات فى النزاعات المسلحة عام 2000 سقطت فى حروب تضم مسلمين، فيما بلغت النسبة عام 2014 نحو 79 بالمئة.

واستبعد برجسون أن يكون هذا صراع حضارات كما تنبأ البعض، ورأى أن جزءا كبيرا من صراعات اليوم طرفاه مسلمين.. إن الدين بالتأكيد ليس السبب الوحيد وراء زيادة الصراعات، لكنها أكثر من مجرد مصادفة أن يتكثف الصراع العالمى فى الجانب الإسلامي.

ورأى صاحب المقال أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بوجوه جديدة: فشياطين القرن العشرين الذين كانوا يرتدون ثياب القوميين المتعصبين والشيوعيين ويحملون كتاب رأس المال هم اليوم يرتدون ثياب الإسلاميين ويحملون فى أيديهم المصاحف.

ورجح برجسون أن يشهد العالم الإسلامى ارتفاعا فى معدلات العنف، وأن يستمر تصاعد حدة العنف الطائفى فى العالم الإسلامى وأن ينتشر فى صورة تشريد قطاعات كبرى من سكان هذا العالم وأن يعم الإرهاب فى الأماكن التى تستطيع الجماعات المتطرفة أن تجند فيها الشباب.

وأكد الكاتب أن فترة "السلام القصيرة" التى شهدها العالم هى الآن تنتهى.. وأن ثمة أخطاء وقعت فيها السياسة الغربية -من تدخل غير مدروس فى العراق إلى عدم تدخل فى سوريا- أسهمت جزئيا فى عودة الصراع.. ولكن الأهم من ذلك يكمن فى التوليفة القاتلة: من التذبذب الاقتصادى وارتفاع نسبة الشباب وازدهار التكنولوجيا المدمرة وتفشى الأيديولوجيا المدمرة.

واختتم برجسون قائلا "لقد نعِم الغرب بقسط من السلام بعد عام 1991، وقد نسفنا هذا القسط على مدى عقدين من الزمان قضيناهم فى الاستهلاك والنفوذ والمضاربة.. فى البداية جاءت الأزمة الاقتصادية، والآن ثمة تصفية حساب جيوسياسية، يقتضى التعامل معها أن نتعلم من جديد فنون الاستراتيجية الكبرى والحرب."









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة