قليلون هم أولئك الذين لا يعرفون قصة رئيس الوزراء السوفيتى- آنذاك - على منصة الأمم المتحدة.. فقد رفع السيد خروتشوف حذائه ودق به على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها عام ١٩٦٠.. وقد تعددت التفسيرات حول سبب ذلك.. فبين مؤكد أن خروتشوف فعل ذلك اعتراضا على سياسة الدول الغربية داخل الأمم المتحدة بالاتفاق مع أمينها العام- وقتها- داج هامورشولد.. وبين مؤكد أن السيد نيكيتا خروتشوف فعل ذلك لإسكات الوفد الفلبينى الذى كان يحدث جلبة أثناء خطابه مندداً بسياسات الاتحاد السوفيتى... وأيا ما كانت الأسباب الحقيقية لما فعلة خروتشوف، فقد تباينت ردود الأفعال حولها.. بين مؤكد أنه تصرف غير لائق دبلوماسياً.. وبين محتفل بذلك التصرف باعتباره إهانة متعمدة للغرب.. حتى أن بعض العرب طالب زعمائه بالاقتداء بخروتشوف فى كل مرة يخطبون فيها فى محافل دولية تستلزم إظهار مواقف سياسية ضد الغرب.. وكأن حذاء خروتشوف أصبح طقساً سياسيا لابد من أدائه إظهاراً للوطنية وإسعاداً لشعوب العالم الثالث..
ولا يسع المتابع للأحداث الدبلوماسية المصرية إلا إن يربط بين حذاء خروتشوف وموقف السيد سامح شكرى وزير خارجة مصر من ميكروفون قناة الجزيرة.. فكلاهما لاقى احتفاء غير مفهوم من شعبيهما.. وكلاهما اعتبر بطلاً فى مواجهة (العدو).. وكلاهما كان على استعداد لتكرار ما فعله مرات عديدة أن اتيحت له الفرصة (وقد أتيحت الفرصة للسيد شكرى لتكرارها.. فكررها).. ورغم اتفاق الغالبية العظمى من المتابعين على أن مثل هذا التصرف لم يكن إلا محاولة للفت الانتباه للشخص المتحدث دون الالتفات للقضية الأكبر التى لم يحلها لا حذاء خروتشوف ولا ميكروفون شكرى.. إلا أن كلا التصرفين آتيا نتائجهما على الفور.. وربما كان السيد شكرى أوفر حظاً فى الشهرة.. فهو يتصرف فى زمن الفيس بوك الذى سرعان مانقل تصرفه وعلق عليه واحتفى به..
ويبقى السؤال الذى يطرحه المتابع.. هل من الممكن اعتماد حذاء خروتشوف وميكروفون شكرى أدوات دبلوماسية فى الحقبة القادمة؟ هل سيعتبر إلقاء ميكروفون الجزيرة أحد الحلول المطروحة لأزمة ماء النيل التى بات واضحاً أنها ستحتاج منا إلى الكثير من المعاناة للحفاظ على حصتنا فيه أو الكثير من الانفاق للبحث عن بدائل؟ هل سيغير إبعاد ميكروفون الجزيرة من قدرتها على متابعة المؤتمر المصرى وتقديمه كمادة إعلامية لمشاهديها؟
وبعيداً عن كوكب الفيس بوك، هل خسرت الجزيرة شيئاً من جراء تصرف وزير الخارجية أم اكتسبت شعبية واضحة باعتبارها ممثلا لحرية الرأى التى لم يتحمل وزير فى الدولة المصرية - بزعمهم- مجرد رؤية ميكروفون يمثلها فى مؤتمر صحفى.. مثل هذه التساؤلات لا تحتاج إلى إجابات رسمية.. فهى لا تعدو أن تكون أفكاراً تتالى على ذهن المتابع وسط طوفان من الأخبار والتفاصيل التى تدهمنا كل صباح حول مستقبل الوطن ومستقبل حصة مصر من نهر النيل، بعد أن كان نهر النيل يقدم فى كتب التاريخ باعتباره نهراً مصريا خالصاً.
طه أمين يكتب: ما بين جزمة خروتشوف.. وميكروفون شكرى
السبت، 02 يناير 2016 10:00 م
سامح شكرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة