فى تسعينيات القرن الماضى، جرت أحداث أدخلت مصر وجرتها إلى نفق مسدود، تمثلت فى ملفات شائكة لا يمكن حصرها لكن ظل ملف ارتفاع معدل البطالة بين أوساط الشباب والخريجين منهم
خصوصا، واحدا من الملفات الرئيسة التى أججت الأوضاع ودفعت بها إلى الاحتقان. بعد العام 2010، تم العمل على لحلحة ذلك الملف بشكل تدريجى بدأت تتضح نتائجه، تراجعت فيه معدلات البطالة، ومن ثم تم استحداث مشروعات وخطط موازية من قبل الدولة، على الدولة أن تتعلم من أخطائها وبخاصة الأخطاء التى تمس استقرارها وأمنها ووجودها وسمعتها فى الداخل والخارج. جاءت أحداث ما قبل ثورة 25 يناير، بما جرته من المآسى وما تبعها من تحشيد وتأليب وتحريض، ليتصدر ملف البطالة المشهد آنذاك، وتعاطى السلطة معها بأساليب تجاوزت الحد المتعارف عليه فى احتواء الاحتجاجات والمطالبات؛ ما عمق من حال الفصل بين المكونات من جهة، والدولة والمحتجين من جهة أخرى حتى وصلنا إلى احتجاج خريجى الماجستير والدكتوراه فى 2015 م وانضمامهم إلى الطابور الطويل الذى لم ينته ونود ألا تتفجر أية أزمات بسببه وعلى الحكومة النظر إلى هذا الملف بعين ثاقبة والوصول لحل جذرى.
نتحدث هنا عن الشباب والبطالة وواجهة الخطط التنموية التى تحرص عليها الدول من كفاءات فى مجال الطب والهندسة وأساتذة جامعيين ومعلمين وفى مجال الصناعة والاستثمار وبقية القطاعات الأخرى. هذا الطابور الطويل من العاطلين عن العمل وجب إزالته وحله حلا جذريا فالمسكنات لم تعد مرضية وليست ضمانا لإزالة صداع المسئولين عن تلك الملفات، ومن يزين لهم صنيعهم؛ بل على العكس سيكون أكبر من صداع بمراحل ستطول نتائجه الجميع؛ وخصوصا مع التحولات والتوترات وانكشاف ممارسات بعض الأنظمة أمام العالم.
وحين يتم التركيز على ملف الشباب والبطالة، لا يعنى ذلك أنه الملف الغالب إذ مازالت ملفات تتعلق بحقوق الإنسان مزمنة ولا يمكن التغاضى عنها؛ لكن أول ما يطول ويمس تلك الحقوق، حق الإنسان فى فتح آفاق رزقه، وحقه فى الحصول على ذلك الرزق الذى لن يناله منحة أو هبة بل سيتحصل عليه جراء جهد وعمل وبذل. ذلك حق لا يملك أحد الحق فى المصادرة. لا حق لأى إنسان فى هذا الأمر بالتحديد الخالق وحده من يحدد ويملك ويعطى ويمنع الأرزاق، والتجرؤ على هذا الأمر والحق، تجرؤ على الله وإعلان تحد مفتوح مع الخالق.
يحزن الجميع ما يحدث فى هذا الوطن الذى يستحق منا أكثر مما يتوقعه من دون مزايدات باستتباب الحقوق والاضطلاع بالواجبات. فى هذا الوطن الذى تآلفت مكوناته قبل أن تطل المطالبات بالحقوق فى لحظة زمنية فارقة وحرجة. وإن طال الزمن أم قصر، سيظل الوعى بالحقوق يفرض نفسه، وتلك سنة التوازن فى العلاقات منذ خلق الله الأرض وما عليها.
الحقوق لا تبرز فى ظل مسميات وعناوين. لا تحتاج إلى ذلك. نداء الفطرة يحدد الاحتجاج ونداء الفطرة يحدد نداء القناعة بوصول الحقوق إلى أصحابها. هو ذاته التوازن الذى تحتاجه الأشياء كما يحتاجه البشر، ومن دون ذلك الحق والتوازن لا معنى للحياة بهكذا ممارسات وتماد وقفز على الضرورات.
محاربة الناس فى أرزاقها لن يدفعها إلى الانكفاء والصمت، على العكس من ذلك سيدفعها إلى مزيد من المطالبة بتلك الحقوق. وحين ارتفع الصوت بالمطالب لم يأت ذلك الصوت من العدم والافتعال؛ بل من صميم الخلل المسكوت عنه، ورد فعل لمطالبات ظلت مؤجلة ومسوفة ومسكوتا عنها وتم ركنها فى زوايا وإضبارات فى تأجيل طال ولا مسوغ له.
لا مخرج لهذا الوطن المقدم على الروح من أزماته ما لم تعترف أطراف الأزمة باخطائها. لا أحد معصوم عن الأخطاء ؛ لكن حين تتحول الأخطاء إلى ممارسة يومية وسياسة ومنهج، تلك هى الكارثة، وذلك ما يهدد أى وجود واستقرار لن يتحقق ويرسخ بالتلاعب بأرزاق الخلق.
آن الوقت لوضع حد لهذا العبث الذى لن يقود إلى أى قيمة أو هدف. لا مستفيد من كل ما يحدث سوى الذين لا يعنيهم خير هذا الوطن ما لم يتأكدوا من أن خيرات قد طوقتهم وتهدلت كروشهم على حساب حرمان يطول آلاف البشر.
ورقة وقلم - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة