نتحدث دوما عن تيسير إجراءات التقاضى، وعن الإصلاح التشريعى ونرفع الشعارات ونعقد المؤتمرات، ونشكل اللجان العليا للإصلاح، لكن ما يحدث فى الواقع يسير فى الاتجاه المعاكس تماما، فإجراءات التقاضى تعود لتبدأ من جديد بعد سنوات طوال، حتى لو كانت قد وصلت إلى أعلى محكمة فى البلاد، واجتازت مراحل التقاضى لعشرات السنين، والتشريعات تتوالى فى التكاثر والانفجار، وتظل باقية بغير إصلاح وفى النهاية تظل العدالة تشكو حالها.. والناس تضطرب مراكزها وحقوقها ثم تضرب كفا بكف.. والحكاية مدهشة ومثيرة.
فقضايا الضرائب.. تبلغ خمسة ملايين قضية تظل منظورة لسنوات، لأنها تبدأ بلجان الطعون ثم المحاكم الابتدائية، ثم محاكم الاسئناف.. وأخيرا محكمة النقض العليا.. وتتخلل كل مرحلة من المراحل، ندب الخبراء.. والإعادة من الخبراء من ثلاثة، والحصول فيها مصلحة الضرائب والممولين المتقاضين من الأفراد والشبكات، حتى يصل إلى آخر مراحل التقاضى، سواء كانت الأحكام قد صدرت لمصلحة الضرائب أو ضدها.. وإلى هذا يبدو عدم عاديا، مع بطء إجراءات التقاضى لسنوات.
لكن الأخطر من هذا وأشد، أننا نكتشف بعد 44 عاما.. على صدور قانون مجلس الدولة رقم 47/1972.. فى ظل قوانين الضرائب المتعاقبة خلال أعوام 39، 81، 2005 وحتى الآن.. والمحاكم العادية تنظر القضايا وتصدر الأحكام.. وتتوالى الطعون وتصدر الأحكام أمامها بعيدا عن مجلس الدولة.. لأن قانون مجلس الدولة منذ عام 1972 كان قد علق اختصاصه بنظرها على صدور قانون ينظم إجراءتها ولم يصدر منذ عام 1972 وحتى الآن.
وظلت المحاكم العادية تنظر قضايا الضرائب وتصدر الأحكام، وتنظر الطعون، على مدى أربعين عاماً إلى أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا فى أغسطس 2015 أى بعد 43 عاماً على صدور قانون مجلس الدولة الصادر عن 1972 حكماً بعدم الدستورية، وأن الاختصاص ينعقد لمجلس الدولة باعتبارها منازع إدارية.. ولم تحدد لنا المحكمة الدستورية العليا.. بعد طول الزمن ماذا عن القضايا التى حكم فيها بأحكام نهائية، واستقرت بها المراكز القانونية حتى لو كانت الطعون متداولة أمام محكمة النقض وقد استغرقت سنوات طوال منذ عام 1972 وحتى الآن.
ترتب على الحكم بعدم الدستورية اعتبار النص معدوما منذ ولادته عام 1972، فجأة أصبحت المحاكم العادية.. الابتدائية.. والاستئنافية.. والنقض، تنقض الأحكام.. فتلغى الأحكام.. وتحكم بعدم الاختصاص وتحيل إلى محاكم مجلس الدولة، لتنظرها من جديد!! بعد مضى أكثر من أربعين عاما.. وقد أحيلت هذه القضايا التى بلغت 5 ملايين قضية إلى أروقة مجلس الدولة بالجملة.. ومازالت بأربطتها من جديد، وكأن الزمن الذى فات ومضى عليه قرابة نصف قرن من الزمان.. كأنه لم يكن.. وانهارت الحقوق.. والمراكز القانونية الضريبية فجأة.. سواء كان أصحابها أحياء أو أموات.. وسواء فى مواجهة الضرائب إذا كانت كاسبة للأحكام.. أو كانت الأفراد والشركات هى الكاسبة، لكن الكل خاسر بمضى الزمن، وحدوث الانقلاب.. بعد هذا الحكم فلا يعلم أحد ماذا سيكون عليه الحال، سواء فى أموال الضرائب.. أو أموال الناس.
حضرات السادة..
حقا إنها قضية خطيرة.. هزت أركان المراكز المالية للأشخاص.. وشركات أو أفراد.. وأيضا أموال الضرائب، فماذا نحن فاعلون.. كذلك بالنسبة لساحة القضاء التى تبحث عن العدالة.. والاستقرار.. وتيسير الإجراءات، وإصلاح التشريعات، كل ذلك صار فى خبر كان، فالكل يغسل يديه ويقول لنا هذا ذنب النصوص.. انتبهوا أيها السادة فى مواجهة هذا البركان!! فمن يصدق ما جرى.. ومن يحاول الإنقاذ.. انتبهوا أيها السادة ولو بعد فوات الأوان، ثم ماذا يفعل مجلس الدولة فى هذا الطوفان من القضايا الضريبية الجديدة التى انهالت عليه فجأة بعد أربعين عاما لتضيف إلى كاهله هذا الكم الهائل، الذى ينضم إلى تراث من القضايا التى مازالت تنتظر الأحكام فى الطابور، متطلعة إلى كلمة العدل والحق والميزان يا سبحان الله!!
دكتور شوقى السيد يكتب: عدم الدستورية يأتى بعد 40 عاما.. نتحدث عن تيسير إجراءات التقاضى والواقع يسير عكس الاتجاه.. والتشريعات تتوالى دون إصلاح والعدالة تشكو حالها.. وماذا عن تنفيذ الأحكام النهائية؟
الثلاثاء، 05 يناير 2016 05:58 م
دكتور شوقى السيد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة