رغم قيام الحكومة بعد ثورة 30 يونيو بتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى بشكل كبير، لاستيعاب أكبر قدر من محدودى الدخل، إلا أن أغلب الدعم لا يذهب إلى مستحقيه الحقيقيين، ويذهب جزء كبير منه إلى الأغنياء.
وهو ما يؤدى إلى ضياع مليارات الجنيهات التى من المفروض أن تحسن أحوال الفقراء، وأن تساعدهم على تخطى مرحلة الإصلاح الاقتصادى التى ينتج عنها ارتفاع كبير فى أسعار السلع حاليا، لكن الحقيقة أن الفقراء لا يأخذون حقوقهم وأن الأغنياء هم من يحصلون على الدعم بكل صوره.
هناك مشكلة أخرى، وهى أن نسبة كبيرة من الأغنياء الذين يتم صرف التموين بأسمائهم، لا يأخذونه فى الحقيقة، وإنما هناك مافيا كبيرة تسرق التموين ببطاقات تموين بأسماء أغنياء لا يعلمون عنها شيئا، ولعل ما يؤكد ذلك هو إعلان وزارة التموين أن لديها 80 مليون بطاقة تموين رغم أن الشعب المصرى كله حسب آخر تعداد سكانى حوالى 92 مليون نسمة.
هذا الكارثة سببها الحقيقى هو عدم وجود قاعدة بيانات صحيحة عن المصريين بشكل عام، ولا أحد يعرف بدقة من هو الفقير المستحق ومن هو الغنى غير المستحق، ولذلك يكمن الحل فى إنشاء قاعدة بيانات بمواصفات معينة، لتكون مصدر معلومات صادقة وحقيقية ودقيقة عن دخول الناس وقدراتهم المالية الحقيقية، حتى نستطيع تحديد المستحق وغير المستحق.
وقال محسن عادل نائب، رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن تطوير شبكة الحماية الاجتماعية يعتبر جزء لا يتجزأ من برنامج الإصلاح للتخفيف من تأثيره على محدودى الدخل مع استخدام ما يتم توفيره فى تحسين خدمات التعليم والصحة.
ويتم ذلك من خلال رفع تدريجى للدعم مع التزام واضح من الحكومة بالرقابة على الأسعار واستهداف مباشر لمحدودى ومعدومى الدخل بالدعم من خلال تعويضات نقدية مباشرة.
وأوضح محسن عادل أن الهدف الرئيسى من الدعم هو ضمان إعادة توزيع جزء من الدخل القومى لصالح الفئات المحدودة الدخل أو الفقيرة ضمانا لتحقيق أقصى قدر من العدالة الاجتماعية لرفع مستوى معيشتهم وقدرتهم على مواجهة الغلاء.
ولكن المشكلة الأساسية التى تواجه الحكومة هى كيفية توصيل الدعم إلى مستحقيه ضمانا لترشيد الدعم وهو ما يرتبط من زاوية أخرى بكيفية تمويل الحكومة للدعم ومدى فاعلية السياسة التمويلية المتبعة فى تمويل الدعم.
واقترح رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن تنقية شبكة الدعم المقدم من خلال الكروت الذكية حاليا يجب أن يبدأ من خلال إنشاء قاعدة بيانات موحدة للمواطنين مما سيحسن قدره الدولة ليس فقط على ضبط مستحقى الدعم، ولكن أيضا على رفع جودة الخدمات العامة والجهاز الإدارى.
وتبدأ هذه الخطوة بربط كافة المعاملات الخاصة بالمواطن ببطاقة الرقم القومى بحيث يكون تسجيله على شبكة بطاقات التموين وبطاقات كروت البنزين والتأمينات الاجتماعية والضرائب والجمارك بذات الرقم القومى.
كما أضاف أنه من خلال برنامج قاعدة بيانات المواطنين يمكن إليكترونيا ودون الحاجة للتدخل البشرى تحديد مستحقى الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية والوصول إلى الأسر الأشد فقرا فى المجتمع على أن تجرى فور إتمام قاعدة بيانات المواطنين مراجعة ليس فقط للدعم التموينى ولكن لكل دعم آخر يمكن أن يكونوا حاصلين عليه أو مؤهلين أو متقدمين للحصول عليه مع الربط بين المعاشات ومساعدات الضمان الاجتماعى الأخرى.
وأوضح أن هناك بعضا من الإجراءات التى من الضرورى اتخاذها خلال الفترة الحالية لحين إتمام قاعدة بيانات المواطنين وعلى رأسها:
* إطلاق حملة تحديث شاملة للبطاقات الحالية تتضمن استمارات تفصيلية يوقع عليها المستفيد ويجب اكتمال كافة البيانات المسجلة فيها وألا يتم إيقاف البطاقة وأن تتضمن البيانات المطلوبة إجمالى الدخل الشهرى للمستفيد بالإضافة إلى تقديم بيان معتمد من جهة العمل بالنسبة للدخل الشهرى وعدم الاعتماد على الرقم التأمينى فقط، مع تقديم بيانات مماثلة لكافة المستفيدين على ذات البطاقة على أن تتضمن الاستمارات توضيحا بأن من يثبت تقديمه لبيانات غير صحيحة سيتم إحالته للقضاء فى جناية الاستيلاء على المال العام وفقا لقانون العقوبات المصرى.
* البدء على الفور فى مراجعة موقف حاملى البطاقات لاستبعاد كل من لا يستحق هذا الدعم، ويمكن فى مرحلة تالية استبعاد كافة العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة من المنظومة مع إضافة قيمة الدعم الذى يحصلون عليه كعلاوة غلاء معيشة ضمن المرتب الشهرى.
*إجراء حملة شاملة على البدالين لمراجعة عشوائية لبعض الكروت الصادرة وإجراءاتها ومدى دقتها.
وأكد عادل على أن الوضع الحالى يستدعى بالفعل اتخاذ خطوات جادة نحو إعادة هيكلة منظومة الدعم لضمان توجيهه إلى مستحقيه مع زيادة المتاح للفئات الأكثر احتياجا، موضحا أن الفترة القادمة تحتاج إلى المزيد من الجهود فى هذا الاتجاه لتحقيق عنصر الاستدامة فى تنفيذ هذا المشروع.