الصورة فى شرم الشيخ مختلفة هذه المرة، فخلال الفترة الماضية كانت المدينة الساحلية ملتق للقادة والزعماء، فتبدلت الصورة وتغيرت المقاعد، فبدلا من الزعماء جلس الشباب يتحدثون وينصت الرئيس والحكومة لهم، إنها الفائدة الاولى للمؤتمر الوطنى الاول للشباب الذى شهد مشاركة قرابة 3000 شاب يمثلون الأحزاب وقوى السياسية والجامعات والاعلاميين والصحفيين، وأكثر من 300 خبير ومفكر جاءوا ليستمعوا للشباب ويمنحونهم خبرة السنوات.
الوضع فى قاعة المؤتمرات بشرم الشيخ ولثلاثة أيام كان مثيراً للإعجاب والإبهار أيضا، فكل القواعد والحواجز أُزيلت بالكامل، وانخرط الجميع، شباب وشيوخ وحكومة، وعلى رأس الجميع عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، فى حوار شامل لكل قضايا الدولة المصرية، وهموم ومشاكل الشباب.
تحدث الشباب وانصت الجميع فى مدينة السلام، ولم يذهب هذا الحوار ادراج الرياح بعدما كلل الرئيس جهود الأيام الثلاثة وما سبقتها من حوارات مطولة بقرارات رئاسية جمعت كل ما طالب به الشباب فى المؤتمر سواء سياسياً أو اقتصادياً واجتماعياً ورياضياً ودينياً، قرارات قالها الرئيس فى الكلمة الختامية للمؤتمر مساء الخميس الماضى اثلجت صدور كل من فى القاعة وخارجها ممن تابعوا جلسات المؤتمر عبر شاشات التليفزيون، ورغم الأمطار الشديدة فى شرم الشيخ الا ان ما قاله الرئيس جعل الدفء يسكن قلوب الجميع.
"تشكيل لجنة وطنية من الشباب، وبإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، تقــوم بإجـراء فحــص شامــل ومراجعة لموقف الشبـاب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصـدر بحقهم أيـة أحكــام قضائيــة وبالتنسيق مـع جميع الأجهــزة المعنيـة بالدولة، على أن تقـدم تقريرها خلال 15 يوماً على الأكثر لاتخاذ مـا يناسب من إجراءات بحسب كــل حالــــة وفـى حـدود الصلاحيات المخولـة دستورياً وقانونيـاً لرئيـس الجمهوريـة، وقيام رئاسة الجمهورية، بالتنسيق مع مجلس الوزراء ومجموعة من الرمـوز الشبابيـــة، بإعـــــداد تصــور سياســـى لتدشين مركـز وطنى لتدريـب وتأهيــل الكوادر الشبابيـة سياسيـاً واجتماعياً وأمنيــاً واقتصادياً مــن خــلال نظــم ومناهج ثابتة ومستقرة تدعم الهوية المصرية وتضخ قيادات مصرية شابة فـى كافــة المجالات.
وقيام رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع جميع أجهزة الدولة نحو عقد مؤتمر شهرى للشباب يحضره عدد مناسب من ممثلي الشباب من كافة الأطيــاف والاتجاهـات يتـم خلالــه عــرض ومراجعــة موقــف جميــع التوصيــات والقــرارات الصـادرة عن المؤتمر الوطنى الأول للشباب وما يستجد بعدها وصولاً إلى المؤتمر الوطنى الثانى للشباب المقرر عقده في نوفمبر 2017.
وقيــام الحكومــة بالتنسيــق مــع الجهــات المعنيــة بالدولــة بدراســة مقترحــــات ومشروعــات تعديــل قانــون التظاهـــر المقدمة مــن الشبــاب خــلال المؤتمــر وإدراجهــا ضمــن حزمــة مشروعــات القوانين المخطط عرضهـا علـى مجلس النــواب خـلال دور الانعقـاد الحالي، وقيــام الحكومــة بالإعــداد لتنظيــم عقـــد حــوار مجتمعى شامل لتطوير وإصلاح التعليم خلال شهر على الأكثر يحضره جميع المتخصصين والخبراء بهدف وضع ورقة عمل وطنية لإصلاح التعليم خارج المسارات التقليدية وبما يتفق مع التحديات والظروف والقدرات الاقتصادية التي تواجه الدولة.
وتُعــرض الورقــة مدعمة بالتوصيات والمقترحات والحلــول خــلال المؤتمــر الــدورى الشهرى للشباب المقــرر عقــده خــلال شهر ديسمبر المقبل، ودعوة شباب الأحزاب والقوى السياسية لإعـداد برامج وسياسات تسهــم فــي نشــر ثقافــــة العمــــل التطوعــى مــن خـــلال كافــة الوسائــل والأدوات السياسية، على أن تكـون أولـى قضاياهـا وموضوعاتها تبنى مبــادرة القضاء على الأميــة بالمحافظات المصرية.
وتكليـف الحكومـة بالتنسيـق مـع مجلـس النـواب للإسـراع بالإنتهـاء من إصـدار التشريعات المنظمة للإعلام والإنتهاء من تشكيل الهيئـات والمجالس المنظمة للعمل الصحفى والإعلامى، قيــام الحكومــة بالتعاون مــع الأزهـــر الشريـف والكنيســــة المصريــة وجميــع الجهات المعنيــة بالدولة بتنظيــم عقــد حوار مجتمعى موسع يضم المتخصصين والخبراء والمثقفين، بالإضافة إلى تمثيـل مكثف من الفئات الشبابية لوضع ورقـة عمـل وطنيـة تمثل استراتيجيـة شاملـة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق ووضع أسس سليمة لتصويب الخطاب الدينى في إطار الحفاظ على الهوية المصرية بكافة أبعادها الحضارية والتاريخية".
هذه هى القرارات الرئاسية التى جاءت بعد ثلاثة ايام مارثونية شهدت حواراً كاشفاً بين الشباب والحكومة وفى حضرة الرئيس .. حوار شهد اختلافاً فى الروئ وليس خلافا، كشف عن قدرة كبيرة لدى الشباب على التعاطى مع الدولة، ومحاورة الكبار دون خوف وباحترام شديد ايضا، ليؤكد مجددا ان قوة مصر بشبابها .
أكثر ما لفت انتباهى فى هذا المؤتمر انه استطاع كسر حاجز الصمت الرهيب الذى كان يفصل بين الشباب والدولة، فالجميع تحت سطح واحد يتحاورون ويتناقشون ولهدف واحد وهو مصر، لذا لم استغرب ان يحرص الرئيس وعدد كبير من الوزراء والمسئولين على حضور غالبية جلسات المؤتمر، ليس خوفا من احد ولا لتصدير صورة وردية شكلية، ولكن لان هناك توافق بينهم على أهمية الاستماع لرؤى الشباب والاسترشاد بها.
جلس الرئيس وبجانبه شباب، وكذلك رئيس الحكومة المهندس شريف اسماعيل، وكافة الوزراء جلسوا وبينهم شباب كانوا يفتحون معهم حوارات مطولة، لا ندرى ما دار بها لكن مؤكد أنها تدل على أن مصر تغيرت فعلا للافضل، فشاب كان يرى الرئيس فى التليفزيون هو اليوم يجلس معه وبجانبه ويتحدث معه ويناقشه.
بالتأكيد المؤتمر مثل نقطة انطلاق مهمة فى تصحيح المسار السياسى للدولة، وبعث برسائل مهمة للداخل والخارج بان مصر ليست تلك الدولة المنغلقة التى تقيد الحريات وتكمم الأفواه كما يردد البعض سواء فى داخل مصر او خارجها، وإنما هذه هى مصر التى تخطو للأمام نشاهد فيها للمرة الاولى على منصة شباب معارضين ومؤيدين يتحدثون بحرية كاملة دون تدخل او املاء من أحد، يحدث ذلك كله فى وجود الرئيس الذى استمع بنفسه إلى مطالب ظن البعض انها بعيدة عن مسامع الرئيس أو انه لا يريد أن يسمعها، لكن فى شرم الشيخ استمع الرئيس للنقد قبل المدح واستجاب لما طرحه الشباب، فى تأكيد جديد على ان مصر بالفعل تغيرت وانطلقت فى طريق طويل للإصلاح السياسى والديمقراطي.
لاحظت غضب شبابى من الأداء الإعلامى، وما يتم مناقشته على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون واهمال الاعلام للشباب وقضاياهم، غضب عبر عنه الشباب فى مداخلاتهم وفى حضور الاعلاميين الذين توافقوا مع كثير مما طرحه الشباب، وأكدوا ان المجتمع الاعلامى فى مصر بحاجة الى ضوابط تشريعية جديدة تؤمن فى البداية بحرية لحصول على المعلومة وبعد ذلك تضع الإعلامى أمام مسئولية قانونية واخلاقية ايضا تحمى المجتمع من أية انحرافات إعلامية قد يكون لها تأثير سلبى على المجتمع المصرى .
ما لفت انتباهى أيضا وجود غيرة محمودة ومطلوبة أيضا من شباب تجاه شباب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، فمستوى الفهم والإدراك والقدرة على التحدث والمحاورة لدى شباب البرنامج كانت دافعا للكثيرين فى المؤتمر للمطالبة بأن يكونوا جزءاً من هذه المنظومة الناجحة، وربما يفسر ذلك حديث الرئيس فى كلمته الختامية عن رغبته فى ان يلتحق كل شباب مصر بالبرنامج.
بقدر سعادتى بالمشاركة فى هذا المؤتمر قدر سعادتى بقدرة الشباب على التنظيم، خاصة أن الشباب كانوا الفاعل الاول والأخير ، دون ان نتجاهل الجهد الكبير الذى بذله مكتب رئيس الجمهورية والمكتب الاعلامى للرئاسة ووزراة الشباب، فهناك قائمة طويلة من الجنود المجهولين ممن ينبغي توجيه الشكر لهم، ولولا علمى بان هؤلاء لا يريدون ان يتصدروا المشهد لذكرت أسمائهم جميعا .
فى النهاية يبقى المؤتمر الوطنى الأول للشباب علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، إذ كسر كل التابوهات التى كانت تقيد فكر الشباب فى ان يكونوا جزءا من المنظومة، وعاملاً مهماً فى طرح الحلول للمشاكل بعد دراستها، فالمؤتمر استفاد منه الشباب والكبار ايضا، لكن تبقى الاستفادة الأكبر لمصر .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة